إنتفاضة تشرين .. في ذاكرة التاريخ (1)
قاسم حسين صالح
ما حصل في الفاتح من اكتوبر/تشرين اول 2019 يعدّ الأجرأ والأخطر وغير المتوقع في تاريخ العراق السياسي،للخصائص الآتية:
ان الغالبية المطلقة من المتظاهرين هم أشبال وشباب ولدوا ونشأوا في ثلاثة حروب خارجية كارثية:الحرب العراقية الايرانية وحرب الكويت وحرب امريكا، وحربين داخلية، واحدة طائفية (2006-2008) واخرى ضد داعش،وحصار لثلاثة عشرعاما، وانتقالهم فجأة في( 2003 و2004 ) الى نقيضها حيث الحرية والأنفتاح على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،ومعايشتهم لما فعله الفيسبوك في الربيع العربي الذي كان له الدور البارز في اسقاط حكام عرب طغاة..نكبوا بعدها بخيبات وقسوة فقر وبطالة..جعلت داخلهم السيكولوجي اشبه بقدر ضغط على نار يغلي بالتناقضات..لابد له أن ينفجر..فانفجر!
ان التظاهرات حصلت في المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق ذات الأغلبية الشيعية.
فاجأ حجم التظاهرات وزخمها وغضبها وحقد جماهيرها،قادة احزاب السلطة والحكومة وشعروا بخوف حقيقي،وانهم اهينوا اعتباريا.
كانت المطالب المعلنة للمتظاهرين:توفير فرص عمل للشباب وحملة الشهادات العليا،وتأمين الخدمات وتحسين الوضع الأقتصادي، فيما كانت في حقيقتها السيكولوجية تعبيرا عن انتقام استهدف أحزاب الأسلام السياسي الشيعي تحديدا،عبروا عنه باحراقهم لمقرات هذه الأحزاب.
تعددت اهداف التظاهرات بين: اسقاط الحكومة،محاسبة الفاسدين،تعيين الشباب في وظائف حكومية ،حل ازمة الكهرباء والماء،تحسين الخدمات والبنى التحتية،و (سحل الفاسدين في الشوارع). وواضح ان بين هذه الاهداف ما هو غير عقلاني او غير ممكن مثل اسقاط حكومة مشكّلة من برلمان منتخب ديمقراطيا،والدعوة الى انقلاب عسكري،وبعضها انفعالي مدفوع بما ورثناه من سيكولوجيا الانتقام.
قوة مفرطة
استخدمت الحكومة قواتها الأمنية بأصنافها المتعددة القوة المفرطة بما فيها الرصاص الحي.
وفقا لوكالة الأنباء العراقية (واع) بلغ عدد الشهداء في تشرين اول 2019( 107) شهيدا ، وفي تشرين الثاني 142 شهيدا و 19 شهيدا في كانون الاول .وبحسب الاحصائية فان مجموع عدد الشهداء بلغ 287 شهيدا من المدنيين و خمسة شهداء من القوات الامنية، فيما كان عدد الجرحى بالآلاف ،في سابقة وصفت بأنها لم تحدث في تاريخ العراق.
بعد مرور زهاء ثلاثة أعوام على رفع آخر خيمة اعتصام في ساحات مدن وسط وجنوب العراق، عادت قائمة ضحايا تشرين مرة أخرى لتفتح وتسجل اسم ضحية أخرى هو (حسين عودة الساعدي) تضاف إلى ما يقارب 800 شهيدا و25 ألف جريح بينهم أكثر من 5 آلاف معاق إعاقةً دائمية، وفق إحصائية للمركز العراقي لجرائم الحرب.
اختلفت الآراء في وصف التظاهرات،اليكم نماذج منها:
شعب ناقم على احزاب خانته وغدرت به، حركات غير منظمه، متظاهرون تحركهم الغريزة، فوضى ورائها اهداف خارجيه، مادام الشمال مستقر والغربيه مستقرة فلن تجدي تظاهرات الجنوب نفعا ،كثير من اهل الجنوب يتأثرون بأي عمامة ولو صغيرة تحذرهم من بعبع البعث ،مطالب شباب مشروعة بدون قيادة واعية، إذا لم يوجد دعم دولي فهي مجرد غوغاء ،المظاهرات تحولت الى فرهود من غوغاء وسلاّبه وعصابات نهب وفوضى عارمة وتدمير ممتلكات ، كثير منها مخترقة من احزاب السلطة لتشويهها، لا تشكل المظاهرات السلمية اي خطر على السلطة ما دامت القوة والسلاح بيدها. واتفق غالبية المستجيبين على مشروعية التظاهرات مؤكدين على حاجتها الى قيادة واعية توحّد صفوفها.
فاجأت التظاهرات محلليين سياسيين ومثقفين اشاعوا ثقافة التيئيس، كانوا على يقين بان الاحباط قد اوصل العراقيين الى حالة العجز التام.