السيطرة النوعية
مازن الحيدري
في فترة زمنية سابقة كان عدنه بالعراق مؤسسة حكومية اسمها جهاز التقييس والسيطرة النوعية مهمتها الإشراف على جودة المنتجات والبضائع والأجهزة المعروضة في الأسواق ومنذ وطأت قدمي مطار ناريتا كل شوية أتذكرها حتى صارت تخطر على بالي اكثر من خضوري !!يمكن ان نقول عن الشعب الياباني بأنهم مؤمنين بعقيدة اسمها جودة العمل!! يا أخي غير معقول مدى حرصهم على تقديم الأفضل وبطريقة تبدو للزائر انها معقدة وتاخذ وقت وجهد اكبر وان من الممكن ان تتم الشغلة بشكل اسرع وبدون (هالقربالغ) على حد تعبيرنا، لكنهم يرفضون وبشدة التنازل عن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة لانهم وفق معتقدهم المرتبط بالعمل يسيؤن بذلك إلى انفسهم قبل الإساءة للغير!! الشواهد كثيرة وفي جميع مناحي الحياة دون استثناء بدءاً من البائع ابو البسطية في ابسط الاسواق الشعبية وصولا إلى ارقى المطاعم والفنادق والمؤسسات الصناعية مرورا بالحمامات العامة المجهزة بافضل وسائل النظافة وطريقة تبليط الشوارع والبناء وطريقة عزل النفايات واعادة تدويرها وغيرها الكثير الكثير.. نموذج بسيط صادفنا في مهرجان شعبي كبير في آموري … اشترينا قدحين عصير ليمون يحتوي كل منها شيف نومي حامض ومن خلصنا توجهنا لمكان سلات الزبالة وهي مصنفة إلى بلاستك وكارتون ومعادن وواحدة لبقايا الطعام وهي شبه فارغة لان اليابانيين يستحرمون يذبون اكل بالزبل!! المهم وضعنا القدحين في المكان المخصص للبلاستيك والعامل اللي واكف يم سطلات الزبل تشكر منا بطريقة الإنحناء واضعا كفيه مشبوكتين على صدره مع ابتسامة ترحيب وعرفان، ثم عاد والتقط قدحينا وأخرج منها شيف النومي حامض ووضعه في حاوية بقايا الطعام !!الشغلة متأصلة بيهم برغم كل التحولات والتطور التكنولوجي الهائل اللي يقدموه للبشرية لكن تجدهم مازالوا محافظين على تقاليد وطقوس تمتد تاريخيا إلى الاف السنين وبدون ذلك ماكان هذا البلد صار ماهو عليه الان.
الحضارة منتج تراكمي حي ومن يكون المجتمع وقادته مُدركين لأهمية ماقدم اسلافهم ويحافظون على الجيد منه ويطوروه يصير عندك بلد مثل اليابان وتكون حضارته عصية على الموت والاندثار .. الولد اللي يتابع عزل النفايات هم ذكرني بجهاز التقييس والسيطرة النوعية والتي يبدو اني سأضل أتذكرها مثل مقطع اغنية من يچلب براسك وتضل تردده وتگول: آنه شسويت عذبني زماني!!