النفس ترفض الرتابة وتأبى السكون
محمد عبد المحسن الخفاجي
تحل في مكان جديد للإقامة فيه زمناً قصيراً أو طويلاً فيستهويك جماله وتعَِد نفسك بقضاء أحلى الأوقات فيه دون أن يعكّر صفو أيامك ما يزعجك ودون أن يتسلل الملل إلى نفسك وأنت فيه . تتأمل المكان وتردد مع نفسك : هذه الغرفة في موقع هادئ سيحلو فيه الإنفراد والتأمل، وإحدى زواياها ستكون مكتباً صغيراً مناسباً للقراءة والبحث وتدوين الأفكار .. وتلك الشرفة المطلة على الفضاء والخضرة سيحتلها كرسي ومائدة صغيرة يطيب فيها فنجان القهوة أو قدح الشاي عند الصباحات والأمسيات .. وفي تلك المساحة الخضراء ستحلو الرياضة وفيها ستمتلئ الرئة بهواء نقي ويدب الشعور بالحيوية والنشاط .. وهناك في الحدائق حول السكن سيكون المشي والنزهة متعة يومية تزداد روعتها بانضمام قريب أو صديق ؛ وينطلق الخيال ما بين هنا وهناك ، ثم تتوالى الأيام لتشهد بعض ما وعدت به نفسك ثم ما يلبث الحماس أن ينحسر أمام اعتيادٍ يقود إلى مللٍ يتزايد وكسلٍ يمتد ورتابة تفرض نفسها وتصبح مثل دثار ثقيل، ويملأ الضيق نفسك فتبحث عن سبيل للخروج منه بالهرب من المكان لزيارة صديق تنعشك ابتسامة ود منه أو حكاية طريفة أو نقاش نافع معه ؛ وفي ظل هذا تتبخر آمال الأوقات الهانئة التي تملأ النفس بالرضا ويعاودك شعور مُلح بالحاجة إلى تغيير جديد .
هكذا هي الحياة، وهكذا هي الطبيعة ترفض الفراغ وترفض الإيقاع الرتيب وتبحث عن ما يملأ الزمن من فعل وما يمزّق الرتابة والسأم من نزوع إلى التغيير .