الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشورجة .. رئة بغداد التجارية

بواسطة azzaman

سلسلة أسواق بغداد

الشورجة .. رئة بغداد التجارية

صلاح عبد الرزاق

 

كان سوق الشورجة يمثل القلب التجاري والاقتصادي لبغداد منذ العصر العباسي في القرن التاسع الميلادي. إذ يتوسط السوق مركز بغداد حيث يمتد من جامع الخلفاء أقدم مسجد عباسي باق لحد الآن ومرقد السفير الخامس للإمام المهدي (ع) الحسين بن روح النوبختي من جهة شارع الخلفاء ، الجمهورية سابقاً)  إلى جامع مرجان في جهة شارع الرشيد.

هذا السوق الذي يتغلغل ويمتد كشريان نابض بالحياة بين أبنية تراثية وآثار قديمة يحتضن مئات الدكاكين والحوانيت تعرض مختلف السلع. وتنشعب منه (19) سوقاً متخصصاً مثل سوق الصابون ، سوق التوابل ، سوق الزجاجيات والصيني (الفرفوري) والمنيوم (الفافون) وسوق الشموع وسوق القرطاسية. وفيه (13) خاناً أو مخزناً للبضائع مثل خان لاله الصغير وخان جني مراد وخان الأمين وخان الأغا الكبير. ويضم السوق عدد من المساجد مثل جامع مرجان وجامع النخلة ومسجد النوبختي. كما يضم عدداً من المقاهي مثل (مقهى المعلگة) لأنها تقع على سطح أحد الأبنية ، و(قهوة قدوري) التي كان يرتادها قراء المقام العراقي.

موقع السوق تاريخياً

يمتد السوق على مساحة أكثر من ٥ كيلومتر مربع في وسط بغداد في الجانب الشرقي أي الرصافة. ويعود أصله إلى ما قبل إنشاء بغداد المدورة من قبل أبو جعفر المنصور ، وقبل بناء الرصافة . آذ كان هناك سوق الثلاثاء الذي كان يقام في كل شهر مرة يوم الثلاثاء ، ويشارك فيه أهل كلواذى وهم سكنة الكرادة الشرقية الحالية وبقية القرى في منطقة بغداد القديمة. وكان أقرب إلى سوق زراعي تعرض فيه المنتجات الزراعية للفلاحين والمزارعين.

وعندما أنشأت الرصافة وبنيت قصور كبار القادة والأمراء والأثرياء بجوار نهر دجلة أمثال القصر الحسني وقصر الثريا ، فتجاورت تلك القصور مع الأسواق الزراعية مكونة النسيج الاجتماعي والعمراني الأول ، والذي سيصبح فيما بعد مدينة بغداد بصورتها التي عرفناها في العصور العباسية الأخيرة وآثارها باقية حتى اليوم.

يصف الشيخ محمود شكري الآلوسي (1857-1924) سوق الثلاثاء فيقول: هو سوق ببغداد ، أكبر أسواقها ، سمي به لأنه كانت تقوم يوم الثلاثاء في كل شهر. وكان في هذه السوق كل صنعة. وكانت المدرسة النظامية في وسطه ، والمستنصرية في منتهاه على دجلة. واليوم قسم من هذه السوق صار عدة أسواق ، ومنها محلات لليهود. وقد اندرس هذا الاسم اليوم ، ولم يبق من يعرفه. (1)

كان سوق الثلاثاء يشغل حيزاً واسعاً من الجانب الشرقي (الرصافة) ، وكان يمتد من مدخل شارع الرشيد من جهة الميدان وحتى نهاية سوق باب الأغا. وبمرور الوقت وكثافة السكن في تلك المنطقة تحولت أجزاء من سوق الثلاثاء إلى محلات سكنية جديدة مثل درب دينار الكبير ودرب دينار الصغير ومحلة الحظائر (موقع المدرسة المستنصرية فيما بعد). أما الجزء الذي احتفظ بوظيفته التجارية فقد صار نواة لأسواق أخرى غلب عليها التخصص. وكان أهم تلك الأسواق سوق اشتهر بتخصص باعته بتجارة المواد العطرية والتوابل والأفاوية. وقد عُرف هذا السوق بسوق الريحانيين ، وكان يقع في آخر سوق الثلاثاء، ويمتد على هيئة قوس كبير شرقاً حتى يصل محلة عُرفت باسم المأمونية نسبة إلى قصر المأمون وقصر التاج الذي أصبح فيما بعد المقر الرسمي للخلافة العباسية والذي يقع على نهر دجلة. وأطلق اسم المنطقة المأمونية خارج هذه الأسوار.

ونظراً لأهمية المواد والسلع الداخلة في تجارة هذا السوق فقد تحول إلي مركز تجاري نشيط في بغداد ابان العصور العباسية المتأخرة. وزاد من أهميته أن السور الخارجي لدار الخلافة تم تشييده موازياً لهذا السوق ، وأصبح بذلك مجاوراً لأهم مركز اجتماعي في بغداد كلها. وبظهور المؤسسات الثقافية والدينية حول دار الخلافة وبجوارها مثل جامع القصر الذي سُمي فيما بعد بجامع الخليفة ثم جامع الخلفاء الذي بقيت منارته قائمة حتى اليوم. كما بنيت مدارس كثيرة من قبل الأثرياء ابتغاء الأجر والثواب. وأصبح الطريق الرئيس الذي يربط هذه المؤسسات الدينية والتربوية هو الشارع الذي يربط سوق الثلاثاء (باب الأغا) ثم يتجه جنوباً باتجاه المأمونية التي تضم محلات الدهانة والقشل وصبابيغ الآل وسراج الدين. وإذا ما سار الماشي شمالاً فسيذهب باتجاه درب الملاحين (محلة أبو سيفين وما جاورها). (2)

لم يكن سوق الريحانيين للتجار وحدهم ، وانما شهد إنشاء بعض المؤسسات الثقافية المهمة على أرضه منه (دار الريحانيين) التي شيدها آخر خليفة عباسي هو المستعصم بالله لتكون داراً للعلم والعلماء. وأنشأ فيها مكتبة ضمت آلاف الكتب النفيسة والمهمة في ذلك العصر. وكان للدار أروقة تشابه الطراز الذي بنيت عليه أهم المعالم العباسية مثل القصر العباسي والمدرسة المستنصرية ودار المسناة الناصرية. ويُرجح أن يكون موقع دار الريحانيين قريباً من مدخل سوق الشورجة الحالي حيث كان يقع خان جني مراد. وقد تعرض هذا الخان إلى حريق في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي. وقد أدى انهيار جناح من الخان إلى انكشاف رواق قديم يضم حجرات قد عُقدت على نمط بديع ، والظاهر أن هذا الرواق لم يكن إلا جانباً من دار الريحانيين. وقد احترق خان جني في عام 1938 وفي أواسط الأربعينيات.

يذكر ابن الجوزي سوق الريحانيين في حوادث سنة ( 512 هـ / 1119 م ) فيقول: ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ، فمن الحوادث فيها: احتراق سوق الريحانيين

وفي ربيع الآخر: احترقت سوق الريحانيين وسوق عبدون، وكان حريقا مشهودا وكان من عقد الحديد وعقد حمام السمرقندي إلى باب دار الضرب وخان الدقيق والصيارف. (3)

كما ورد سوق الريحانيين في وقفية جامع مرجان المبني عام ( 758 هـ / 1356 م ) والمثبتة على جدار المصلى حيث جاء فيها: بالريحانيين أربعة وأربعين دكاناً ، ولثنتي عشرة عصارة في السوق الجديد المجاور للمدرسة والصاغة). (4)

ويصف العلامة محمود شكري الآلوسي  (1857-1924) بغداد قبل قرن فيذكر إحصائيات بأبرز معالمها فيقول:  أنه كانت في بغداد أسواق كثيرة في كلا جانبيها ، ولا سيما جانب الرصافة. وفيها أربعة آلاف حانوت. وهو مكان الشراء والبيع ، ونحو مائتي خان ، وهو مكان بيت المسافرين وأمتعة التجار. وأسواق بغداد مقببة مسنّمة على هيئة السنام في تضايق أعلاها واتساع أسفلها. وفيها نحو مائتي وخمسين حانة لشراب البن (القهوة) ، وفيها مائة وخمسة وثلاثون بستاناً ، ونحو مائة وخمسة وأربعين مسجداً ، وفيها خمسون مكتباً (كتاتيب) للصبيان من المسلمين ، وثمان مكاتب لغير المسلمين ، ونحو إحدى وعشرين مدرسة ، ونحو عشرين زاوية للمتصوفة . ونحو ثلاث وثلاثين مقبرة ، ونحو اثنتي عشرة خزانة للكتب (مكتب)، وفيها نحو ثلاثين حماما . وفي بغداد نحو مائتي عرصة ، ومائة وعشرين اصطبلاً ، وسبعة مخازن للذخائر (العتاد) ، ومائة وثمانين علوة ، وستة عشر رحاة للطحين وستة حوانيت للصيدلة ، وعشرة مخابز ، وعشرين فرناً ، وعشرين سقاية أو السبيل لتوفير ماء الشرب للناس في الشارع. (5)

تسميته بسوق الشورجة

يورد المؤرخ البغدادي رفعت مرهون الصفار عدة روايات في سبب تسمية السوق بالشورجة وهي:

أولاً: إن بعض الناس أنشأ في هده السوق حماماً ذا بئر مالحة ، فعٍرف الحمام باسم (شور جاه) وهي مأخوذة من اللغة الفارسية حيث (شور) تعني مالح ، و (جاه) تعني بئر ، فهي (شورجاه). وبمرور الزمن واشتهار الحمام خاصة وأنه في منطقة مزدحمة أصبح اسمه يطلق على جواره بل على جانب من سوق العطارين نفسه ، ثم تداخلت التسميات وانتشرت حتى غلب اسم الشورجة على سوق العطارين. وإلى ذلك التفسير ذهب الشيخ جلال الحنفي والدكتور عماد عبد السلام رؤوف والدكتور حميد مجيد هدو. (6)

ثانياً: وهي رواية الدكتور مصطفى جواد الذي قال بأن: الشورجة تقع في منخفض عن الأرض ، وبطبيعة الحال تتجمع المياه في هذه الأماكن المنخفضة ، وتتصف المياه بالملوحة (شورة تعني ملح) و جاه تعني المكان. وبهذا يكون المعنى هو المكان المالح أو الماء العسر. ويعقب سالم الآلوسي بالقول: أن جانباً كبيراً من محلة الشورجة كانت فيها معاصر للسيرج وهو عصير السمسم (الراشي) ، والسيرجة تطلق على معاصر السمسم ، ثم تحرفت إلى الشيرجة ثم الشورجة.

ثالثاً: وهي التي رواها المؤرخ عبود الشالجي في كتابه (موسوعة الكنايات)  وتقول: في زمن العثمانيين كان الحمام المشهور في المنطقة الشرقية في بغداد للرجال واسمه (الحمام المالح) ، وانما سُمي بذلك لملوحة مائه. وكان يأخذ الماء من بئر عليه كرد (بكرة) عظيمة في جواره. ،أراد الأهالي الدهانة إنشاء حمام جديد في مطقتهم ، وحاولوا أن يوصلوا إليه الماء فقدموا طلباً للسلطات ذكروا فيه أنهم يرغبون في نقل الماء من دجلة إلى جامع سوق الغزل ، فاستأذنوا في إيصال الماء إليه بواسطة قناة تحت الأرض من تحت زقاق (طاق البصراوي) حتى وصلت إلى جامع سوق الغزل. ولما كان الحمام يأخذ مائه من نهر دجلة مباشرة كان أقل ملوحة من ماء الحمام القادم من البئر. ولذلك سُمي الحمام الجديد (شوره جاه) ومعناها بالتركية الأقل ملوحة وأصبح اسمه حمام الشورجة ، وسُميت المنطقة باسمه منطقة الشورجة.

رابعاً: ويرى الدكتور كامل مصطفى الشيبي فيرى : أن كلمة شورجة جاءت تعريباً عامياً من كلمة شورجاه (بئر مالح). ويصحح ذلك ما جاء بالأخبار من أنه كان في هذه المنطقة حمام كبير باسم الحمام المالح. ومن المنطقي حمام كبير باسم الحمام المالح. إن أول إشارة إلى سوق الشورجة جاءت في القرن الحادي عشر الهجري. فقد سجل الرحالة التركي (أوليا جلبي) أسماء بعض محلات بغداد ، فذكر من بينها سوق الشورجة. وكان الرحالة قد زار بغداد مرتين في عامي 1058 1063 هجري / 1648 و 1653 ميلادي. وأول وقفية ورد فيها اسم الشورجة وهي وقفية الحاج محمد بن مراد البغدادي المؤرخة في ( 1159 هـ / 1746 م). إذ رقف على ذريته حوشاً في رأس سوق الشورجة. وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي أشير إلى محلة سكنية في سجلات المحكمة الشرعية. بعد افتتاح شارع الرشيد انحسرت تجارة الأطعمة ومواد العطارة ، الأمر الذي جعل سوق الشورجة يمتد بتفرعاته الجديدة حيث شملت سوق البقالين الذي يبتدئ من سوق الغزل الذي يتفرع إلى القاطرخانة ثم إلى نهاية سوق الدهانة. وازدهرت تجارة الحبوب والفواكه بالسوق المتفرع من سوق الشورجة (سوق العزل حالياً) إلى شارع غازي مروراً بشارع قاضي الحاجات. وقبل فتح شارع الخلفاء كانت المنطقة المحصورة بين مرقد الحسين بن روح النوبختي إلى سوق الغزل تقريباً معروفة ببيع المواد الزجاجية والخزفية والفافون وغيرها.  (7)

الأسواق التخصصية في الشورجة

امتاز تجار الشورجة والكسبة فيها بالأمانة والثقة والتعامل التجاري الصادق والالتزام بالتقاليد والأعراف التجارية ، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والقومية. وكانت الأسواق هي:

١-سوق العطارين : وتباع فيه أنواع السكر المسحوق والمكعبات والقند و، والشاي والقهوة. وكان هناك سوق صغير مجاوراً له يُباع فيه الصابون ، ويسمى سوق الصابون. وقد تعرض للحريق في الثلاثينيات. وحالياً تباع فيه أدوات الزينة ومواد التجميل والمعطرات. ويعود السوق لجميل إبراهيم العزيز.

٢- باعة القرطاسية : وكان أغلب تجارها من اليهود . وقد اشتهر من التجار المسلمين الحاج غني أبو قلام ، الذي غلب اللقب على عائلته.

٣- باعة القماچي (مفردها قمچي): تستخدم للنارگيلة ، وكانت جماعة مختصة ببيعها يسمون آل القماچي.

٤- باعة لوازم الخياطة : مثل الخيوط والأزرار والبكر والأبر وباقي مستلزمات الخياطة ، وأغلبها مستورد من أوربا.

٥- باعة العطارة والتوابل: وتسمى (الترابية) مثل الكمون ، الكزبرة، الهيل ، القرنفل، الدارسين ، العلك ، النومي بصرة ، الحناء وغيرها. وكانت تستورد من الهند وايران وعمان وأفريقيا.

٦- باعة الزجاج والصيني (الفرفوري) والألمنيوم (الفافون) ، والفوانيس واللمبات (اللالات) النفطية . وكانت تستورد من الصين والهند وأوربا.

٧- باعة السبح والخرز: وكانت تستخدم للزينة والكماليات ، وكانت تستورد من الصين وأوربا.

٨- دربونة المعاضد: تباع فيها المعاضد (الأساور الزجاجية) وباقي أنواع الزجاجيات كالأقداح والكؤوس والاستكانات وزجاج اللالات ، وأدوات الزينة النسائية (الديرم ، السبداج ، الكحل ، الخطاط ، الأمشاط الخشبية ، الحجر الأسود البيضوي ، أكياس الحمام والليف المصنوعة يدوياً).

٩- باعة الفواكه المجففة: كالزبيب ، الكشمش ، التين ، الفستق ، الجوز ، اللوز ، القمر الدين ، التكي ، النبك عجم ،غيرها. وكانت تستورد من تركيا وايران وسوريا، وكذلك من شمال العراق.

١٠- باعة الشموع: وأشهر الباعة كان السيد أمين وولده السيد صالح. وعادة ما تلقب العائلة بالشماع.

١١- باعة الفواكه الطرية: مثل النومي حامض والمشمش والخوخ والتين والخيار الطعروزي والتكي. وما زالت تباع في مواسمها في شارع الرشيد قرب الشورجة. وكذلك الرقي والبطيخ التي كانت تجلب من سامراء والموصل وأطراف بغداد.

١٢- باعة التنانير والكوازين: وهي صناعة قديمة وتسمى بالفخاريات وتشمل القلل (التُنَگ) والحباب (جمع حِب) و الاباريق بمختلف الأحجام ، وبعضها يستخدم في الأعياد ومناسبات عيد الزكريا وغيرها.

١٣- علاوي الفاكهة: وأشهرهم بيت غفوري والحاج عبد الأمير الطويل.

١٤- سوق التمارة : ويشمل التمور بأنواعها المجفف والمكبوس ، وباعة الزبد والجبن والدهن واللبن والدبس، وكان أشهر الباعة بيت القمندار وآل بنية.

١٥- علاوي الحنطة والشعير والتمن: وتشمل السمسم والبرغل والحبية. وكان أشهر أصحاب العلاوي هم آل الشطب ، آل حمرة ، الحاج حسن دقاق ، عبد الصاحب جعفر ، إبراهيم الخلف ، شتيوي الجاسم ، عبد حلومه.

١٦- سوق القصابين : ويختص ببيع لحم البقر.

١٧- الشكرچية: وهم باعة الحلويات ، وأشهرها البقلاوة والزلابية والمصقول والملبس والچكليت. وكان أشهرهم آل المراياتي.

١٨- باعة الحصران (جمع حصير) والسلال المصنوعة من سعف النخيل والجريد والقصب.

١٩- العشابة والعطاريات: وكانوا يبيعون الأعشاب التي يحتاجها الناس للدواء أو للشراب وفي الأطعمة. وأشهرهم آل تاج الدين. وكان اليهود مسيطرين على التجارة آنذاك لعلاقاتهم الوثيقة بالبيوتات التجارية الأوربية وبقية أنحاء العالم عدا ما يتعلق بالحبوب والأطعمة.  وكانت بريطانيا وهولندا تسيطران على تجارة التوابل والشاي مع آسيا.

٢٠- تجار الدهن: ويشمل الزيوت بأنواعها والشحوم ، وكان أشهرهم بيت ابراهيم وبيت بنية وقمندار.

 

وكانت هناك مهن أخرى مثل الدلالين والقبانچية والحمالين والقهوچية وغيرهم يقدمون خدماتهم للتجار والزبائن. (٨)

 

حمام الشورجة

وهو حمام قديم يعود للقرن الحادي عشر الهجري ، وذكرنا أنه كان السبب في تسمية السوق بالشورجة. وقد أشير إليه في وقفية محمد بن عثمان الحرباوي المؤرخة في ١٩ آب ١٩١٩ على ذريته، فوضعه مقابل علاوي الحنطة بالشورجة. ويرى مؤرخ آخر أن الحمام يعود إلى آل الوتري ويقع في وشط الشورجة. وقد هُدم سنة ( ١٣٥٧ هـ / ١٩٣٩م) وشيدت على أطلاله دكاكين لباعة الفاكهة والتمور.

وهناك حمام السيد يحيى الذي يقع في سوق العطارين كما جاء في وقفية علي بن إسماعيل الكواز المؤرخة في ( ١٣٥٥ هـ / ١٩٣٧م ) ، ويعود إلى آل السيد يحيى.

 

أشهر معالم الشورجة

 

أولاً: جامع مرجان

يقع جامع مرجان في بداية سوق الشورجة من جهة شارع الرشيد. بناه مرجتن بن عبدالله بن عبد الرحمن السلطاني الأوليجاتي (الجلائري) سنة ( ٧٥٨ هـ / ١٣٥٦ م ). وكان في الأصل ملحقاً بمدرسة مرجان لكن تم هدمها عند شق شارع الرشيد ، فبقي المسجد لوحده.

ففي عام ( ١٣٦٥ هـ / ١٩٤٦ م) هدمت القبة التي تحوي الضريح وكذلك المدرسة وأقتطع من الجامع جزء كبير أضيف إلى شارع الرشيد،  وشُيد على ما تبقى منهُ مسجد جامع ولم يبق من أصل المدرسة سوى بابها الأثري القديم. وكانت المناوشات مستمرة في الثلاثينيات بين الحكومة ودائرة أمانة عاصمة بغداد حول موقع جامع مرجان الذي يدخل كالقوس في الشارع وحاولت دائرة الأمانة تهديمه عدة مرات لولا وقوف مديرية الآثار العامة وبعض العلماء والمثقفين في بغداد ضد الفكرة مما ادى إلى تأجيلها حينا من الدهر. ومن الطريف ان أحد امناء العاصمة عقد مؤتمراً صحفياً في قاعة الامانة وقال: (اني استغرب هذا الاهتمام الشديد بجامع عتيق خرب وانا مستعد أن ابني مكانه بعد تهديمه جامعاً أكبر وافخم فلم هذا الإلحاح والتمسك به؟)، وهكذا فقد طلعت الصحف والجرائد في اليوم الثاني تشيد بذكاء هذا الأمين وثقافته، وتمسكه بالمحافظة على التراث أكثر من تمسك (المس بل)، التي رفضت تهديم جامع مرجان لأنه أثر ثقافي تاريخي، ومع هذا فقد أنعمت عليهِ الحكومة بان نقلتهُ إلى وظيفة مهمة كبيرة أخرى في الدولة، وبعد ذلك تم هدم جزء من الجامع والمدرسة مع القبة المشيفة الأثرية التي تحوي ضريح أمين الدين مرجان لأجل توسعة شارع الرشيد.

وآخر تعمير للجامع كان في عام ( 1392هـ/ 1973م) من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية حيث شمل الترميم القباب والسياج الخارجي والساحة والواجهة الأمامية وتبلغ مساحة الجامع حوالي ( 1500م2 ) ويستوعب لحوالي ( 1200 ) مصل، ويحتوي مصلى حرم الجامع على ثلاث قباب اثنان منها صغيرة وواحدة كبيرة مرتكزة على أقواس تنتهي بالجدران المحيطة بها، وهذا ما أضاف للمصلى روعة هندسية وفنية مميزة.

 

 

زرت الجامع في ٢٤ حزيران ٢٠٢٤ ، وبعد اجتياز الفناء من باب يشرف على شارع الرشيد ، دخلت رواقاً عالياً يُصلى فيه ، وحالته بحاجة إلى تعمير. وقد علمت أن الجامع موضوع ضمن قائمة الأبنية التراثية العالمية ، وتشرف اليونسكو على صيانته حالياً ، وتمنع أية عملية تعمير دون موافقتها.

بعد ذلك دخلت حرم الجامع وهو المصلى المستطيل الشكل تعلوه ثلاث قباب ، تتميز القبة الوسطى بكونها قيروانها مشيّفة ، وهي تقليد للقبة التي كانت فوق الضريح وهدمت من قبل عام ١٩٤٦. ومدخل الجامع بحالة سيئة حيث ارتفعت المياه الجوفية بشكل كبير وصارت تهدد المدخل والبوابة التاريخية القديمة.

 

توجد في المصلى عدة كتابات منجورة بالطابوق مكتوب فيها وقفية تذكر الجات الموقوف لها وهم (الفقهاء وطلاب العلم والتفسير والحديث والفقه على مذهبي الامام الأعظم محمد بن ادريس الشافعي المطلبي ، والامام الأقدم أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنهما). كما تضمنت أسماء الموقوفات التي شملت (أربعة وأربعين كاناً في سوق الريحانيين ، ولثنتي عشرة عصارة في السوق الجديد المجاور للمدرسة والصاغة). كما تضمنت الوقفية (تسعة وعشرين دكاناً أخرى ، وثلاث خانات ونصف خان أحدهن إنشاء الواقف ... وبالحلبة ثلاثة عشر دكاناً وعصارة وخاناً فيه اثنتا وخمسون حجرة...).

ورأيتُ إحدى الكتابات التي تخص الوقفية ، وهي حالة نادرة أن تُكتب على الجدران ، وفيها ما يأتي:

(... من النواحي والبساتين والبسوط بالقرار الشمسي شيئاً أصيلاً ، ولا من المسقفات من الدكاكين والخانات والطواحين بالعرصة أبداً. ومن فعل ذلك فحكمه باطل وشرطه مفسوخ ، وتصرفُ من تصَرَف فيها بهذه الشبهة حرام سحت ، وفاعله مأثوم ملوم الخالق والخلق (فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ، إن الله سميع عليم)، وكتب في شهور سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، والحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة وشفيع الأمة وكاشف الغمة...).

أما محراب الجامع فيقع في الضلع الطويل من المصلى. ويعلو المحراب نقوش بديعة ودقيقة من الطابوق المنجور نحتها إزميل فنان ماهر ، وهي عبارة عن نقوش هندسية جميلة ، تعلوها الآية الكريمة (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً). ويعلو المحراب قوس عال عليه كتابة من سبعة أسطر تعود إلى قبل سبعة قرون ، جاء فيها:

 

(بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفق المطيعين لعمارة أبنية بيوت العبادات ، وألهم المخلصين إشادة أعمدة دور الطاعات ، ورفع ذكر الولاة بتأسيس قواعد معالم المكرمات ، ودلّ أرباب السعادات على سلوك سبل الخيرات ، ومنح المحسنين بتشريف (إن الحسنات يُذهبْن السيئات). وحباهم بمآل (إن المصدقين والمصدقات) والصلاة على نبي الرحمة محمد المصطفى خير الأنام ، وأصحابه مصابيح الدجى وبدور الظلام.

أما بعد ، فيقول العبد المفتقر إلى عفو الملك المنّان ، مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن ، بدّل الله سيئاته: إني هاجرت في الأرض مدة سنين ، وجاهدت في الطول والعرض ذات الشمال واليمين ، متورطاً في مخاوف البر والبحر ، متورداً في متالف البرد والحر ، حتى أذّاني الجد الصاعد ، وأدناني التوفيق المساعد ، فعلمت أن الدنيا دار الفرار ، وأن الآخرة هي دار القرار ، وأيقنت أن أولى ما أنفقت فيه الأموال ، وأحرى ما توجهت إليه همم الرجال ، ما كان وسيلة إلى أبواب رحمته محط الرحال ، وذخيرةً ليوم المحاسبة والسؤال.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا مات الانسان انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له. والصدقة الجارية هي الوقف ، فشمرت عن نية صادقة صافية ، وسريرة للخير وافية ، وشرعت في عمارة هذه المدرسة المسماة بالمرجانية ، وتوابعها المتصلات بعضها ببعض ، في زمن المخدوم الأعظم ، الدارج إلى جوار الله وجناته ، المستريح على أعلى غرفات جنانه ، الشيخ حسن نويان وهو المعروف بحسن بُزُرْك ، استولى على بغداد عتد وفاة أبي سعيد ، وكان ابن عمة أبي سعيد الملقب ببهادر خان ، بن محمد خدابنده ، وهو الملك الذي أسلم من ملوك التتر ، وهذا هو أخو قازان – أنار الله برهانه.

وتمت في أيام دولة نور حدقته ، ونور حديقته ، المخدوم ، الأعظم الأعدل رافع رايات السلطنة على الأفلاك، صاحب غايات المملكة إلى السماك ، شاحب ذيل الرحمة على الأعراب والأتراك ، محيي مراسم الملة المصطفوية ، ومزيّن شعار الدولة الجنكيزخانية ، شاه أويس ، خلد الله مله).

 

وكان مرجان قد بنى (خان مرجان) قريباً من سوق الشورجة ليكون فندقاً ومطعماً لمبيت التجار القادمين إلى بغداد مع بضائعهم. فيقيمون في الخان ويعقدون الصفقات التجارية بينهم. وما زال الخان قائماً وتقوم الجهات المعنية بصيانته ليعود معلماً حضارياً وسياحياً.

 

ثانياً: مرقد السفير النوبختي

ويقع المرقد في نهاية سوق الشورجة من جهة شارع الجمهورية ، وقريباً منه تقع كنيسة اللاتين ، ومقابله عبر الشارع جامع الخلفاء العباسي.

الحسين بن روح النوبختي من بني نوبخت. وهي أسرة معروفة في العصر العباسي وبرز منها علماء وفقهاء وقضاة. وذكر ابن النديم ان الفضل بن نوبخت كان مسؤولاً عن بيت الحكمة في عهد هارون الرشيد. وقال ابن القفطي انه مذكور مشهور في كتب المتكلمين. وكان الحسن بن موسى النوبختي متكلماً وفيلسوفاً ومن كبار الشيعة وله مجالس يحضرها المتكلمون . وله مؤلفات في الديانات والمذاهب ، وهو صاحب كتاب (فرق الشيعة)

 كان يلقّب بـ أبي القاسم. لم تذكر المصادر التاريخية تاريخ ولادته، حاله في ذلك حال سائر السفراء. إنما بدأ ذكره عندما صار وكيلاً للشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، السفير الثاني في بغداد. ولما توفي العمري عام ( ٣٠٥ هـ / ٩١٨ م) صار هو السفير الثالث للإمام المهدي (ع). ودامت سفارته اثنتين وعشرين سنة ، حتى توفي عام ( ٣٢٦ هـ / ٩٣٨ م) في السجن بعد اعتقاله من قبل المقتدر . (٩)

 

ثالثاً: السوق العربي

كان التفكير بإنشاء السوق العربي منذ عام ١٩٧٤ ، وتم تخصيص الأرض المجاورة لسوق الشورجة ، وكانت أرضاً تستخدم كموقف للسيارات. في عام ١٩٧٩ تم تشييد السوق على الطراز الإسلامي ومن طابقين ليستوعب مئات الدكاكين. وسرعان ما استقطب السوق التجار والكسبة ليمتلئ بالبضائع والسلع عام ١٩٨١. وكان فيه أنواع المهن كالصياغ وباعة الأواني الصيني (الفرفوري) والأقمشة والملابس والأحذية والأجهزة الكهربائية. وبلغ السوق العربي ذروة ازدهاره عام ١٩٨٦ اثناء الحرب العراقية الإيرانية.

يمتاز السوق العربي في بموقعه المتميز وسط بغداد ، وفي مركز الحركة التجارية . إذ يمتد من شارع الرشيد إلى شارع الجمهورية بشكل موازي لسوق الشورجة ، ويفصلهما شارع يسمح للسيارات بدخوله.

 

زرت السوق ٢٤ حزيران ٢٠٢٤ فوجدت اغلبية المحال تبيع الملابس الرجالية والأحذية ، واغلبها مستوردة من الصين وتركيا وسوريا وغيرها. والبضاعة مكدسة بعضها على الأرض وأخرى على الرفوف وثالثة معلقة. السوق ضيق جداً لأن الممشى الأصلي العريض تم إشغاله بالأكشاك والدكاكين غير النظامية. كما تجاوزوا على الممرات الجانبية التي تشكل مداخل جانبية للسوق. فبات من الصعب المشي في السوق وخاصة عند مرور العربات التي يدفعها الحمالون. وهذه الحالة وجدتها أيضاً في سوق الشورجة. هذا إضافة إلى انعدام النظافة حيث تتناثر أكياس النايلون وبقايا صناديق الكارتون وغيرها.

 

رابعاً: عمارة عبود

عمارة عبود الدائرية أو عمارة الذكير، من المباني الايقونية في بغداد، تقع عند مدخل الشورجة من جهة شارع الرشيد قرب جامع مرجان. وتتميز بتصميمها الحديث في عصرها وشكلها الدائري. وقد وُجهت التصميم بانتقادات لابتعاده عن الطراز البغدادي التقليدي الذي يتميز بأقواسه وواجهاته التي تستخدم الطابوق الأصفر ، وخاصة أنها تجاور جامع مرجان العريق وتقع في وسط منطقة تراثية عباسية.

بنيت العمارة على يد المهندس عبدالله احسان كامل أستاذ الهندسة بجامعة بغداد وبمشاركة الفنان والمعماري رفعت الجادرجي  عام 1955 م ،  لصالح لطيف عبود وبعد وفاته انتقلت ملكيتها الى ابنته الوحيدة أدفيش عبود، ثم اشتراها هاشم أحمد البهبهاني في الستينيات. وبعد وصول حزب البعث إلى السلطة صودرت العمارة لأسباب سياسية وبيعت الى التاجر يوسف سعد ثم انتقلت ملكيتها الى عبد العزيز الذكير وهي ملك لورثته في الوقت الحاضر. وتفيد سجلات الدفاع المدني بأن العمارة تعرضت الى ستة حرائق منذ بناءها في السنوات 1985 و1989 و1996 و ١٩٩٨ حريقين في سنة 2005 أحدهما في ٤ نيسان ٢٠٠٥ والثاني في ١٤ نيسان ٢٠٠٥ .

بدأ البناء بالعمارة عام 1955 وكان يعتبر من المباني غير المألوفة في بغداد بالنظر لشكله الاسطواني  ولونه الابيض الناصع ..اضافة الى الاختلاف الغير مسبوق بين الشكل العلوي الاسطواني  للمبنى مع قاعدة المبنى المكعبة الشكل. ويتألف الجزء الاسطواني من أربعة طوابق.

في كل طابق توجد أربع شقق مكتبية مع خدماتها.

العمارة حالياً في وضع بائس وقد تعرضت لأضرار كبيرة وتساقطت بعض أجزائها ، إضافة إلى التصدعات والشقوق. وهي بحاجة إلى ترميم أساسي تنقذها من حالة الانهيار والإهمال.

سميت عمارة عبود بهذا الاسم نسبة الى التاجر المسيحي لطيف عبود مالك شركة عبود طبارة للسجائر وهو المالك الأول للعمارة ، ثم عرفت لاحقاً بعمارة الذكير بعد أن تملكها التاجر البصري عبدالعزيز الذكير. في الستينيات قامت أدفيش عبود وهي الوريثة الوحيدة لوالدها ببيع العمارة إلى هاشم البهبهاني قبل مغادرتها العراق ، بعدها توفيت عن عمر ناهز ٨٥ عاماً في لندن.  

 في عام ١٩٨٠ قام السلطات البعثية بتهجير مئات الألاف من العراقيين الشيعة بحجة أنهم من التبعية الإيرانية. وشمل التهجير مئات التجار الكبار بما عُرف بقضية غرفة تجارة بغداد حيث تم استدعاؤهم إلى غرفة تجارة بغداد في شارع النهر القريب من الشورجة ، بحجة تجديد إجازات الاستيراد. ثم تم نقلهم بباصات إلى قاعة الخلد في كرادة مريم ، وبعد أخذ أوراقهم ومستمسكاتهم ومفاتيح سياراتهم ، تم نقلهم بباصات إلى الحدود العراقية الإيرانية بلا ملابس ولا طعام ولا أغطية وبل أوراق رسمية. وعاش أغلبهم ظروفاً صعبة في ايران فهاجر قسم منهم إلى سوريا. وقد التقيتُ شخصياً بكثير منهم ورووا لي قصص معاناتهم.

ذكرياتي في الشورجة

زيارة سوق الشورجة تكون عادة موسمية. ففي شهر رمضان كانت والدتي تصطحبني عندما تذهب لشراء احتياجات الشهر الفضيل فيما يخص الأطعمة الخاصة بالافطار كالبهارات والسكريات ودبس الرمان والنومي بصرة وغيرها. كما تقوم بشراء الأواني الصينية كالصحون والدوريات (صحن كبير للضيوف) والقدور والصواني وأباريق الشاي (القوري) وأقداح الشاي (الاستكانات) والملاعق بأنواعها.

وفي مواسم العيد تشتري الچكليت والملبس والكرزات وقوالب الكليچة وموادها كالهيل والسمسم والحبة الحلوة والشموع والبخور وبعض الأواني الفخارية الصغيرة. كما تشتري أدوات الزينة الملونة والنشرة الضوئية والورد الاصطناعي.

وعندما تكون في بيتنا مناسبة سعيدة مثل عقد القران أو الزفاف لأحد الأولاد أو البنات تقوم الوالدة بالتسوق من الشورجة. إذ تشتري الحلويات والقند والچكليت والمصقول الملون و العلب البلاستيكية التي توضع فيها وتغلف بالورق الشفاف ، بغرض توزيعها على السيدات في الحفلة. أما الرجال فيتم إهداءهم أكياساً شفافة فيها مناديل بيضاء مع چكليت ومصقول. وتوضع هذه الهدايا في صواني ويجري توزيعها على الحاضرين في حفلة العرس. ويتم شراء أنواع وأحجام من الشموع ، ومن ضمنها شمعة كبيرة الحجم بطول حوالي المتر ، وبقطر بحدود خمس سنتمترات ، وعادة ما تكون مزينة بزينة براقة  تمنحها جمالاً وجاذبية. وكانت توضع هذه الشمعة ليلة العرس لتبقى مضيئة حتى الصباح.

 

في ١٠ حزيران ٢٠٢٤ كانت آخر زيارة لي لسوق الشورجة ، وكانت زيارة استطلاعية للتعرف على أوضاع السوق التاريخية. دخلت من جهة شارع الرشيد حيث على اليمين جامع مرجان وعلى الشمال عمارة عبود. هناك أكشاك كثيرة على رصيف الشارع تبيع أدوات احتياطية لأجهزة الطبخ والتدفئة. وعندما تدخل السوق تجد دكاكين صغيرة تبيع بضائع متنوعة لا علاقة بين دكان وآخر، فتشعر أن السوق المتخصص قد انقرض. فهناك باعة المسبحات والخواتم ومواد التجميل والعطور ومواد الحلاقة ولوازم الملابس وأدوات تنظيف المنازل. وتصطف أكشاك وبسطيات وسط ممشى السوق تبيع البخور والعلكة وغيرها. وهناك بسطيات تبيع الجوارب والملابس الداخلية وتيشيرتات وشورتات. وربما كان هناك سوق صغير لبيع الأدوات المنزلية من الفرفوري والفافون والستنلس ستيل.

بالكاد وجدت بضعة محلات تبيع المواد العطارية فتوقفت عند أحدها باسم (عطاريات سيد حسن حسين شبر) يقف وسطه رجل في الستين من عمره ، يعمل بهمة ونشاط ، وأمامه أكياس من التوابل والمواد المطحونة وغير المطحونة وتشمل الزعتر ، الكركم ، بابريكا ، الهيل ، النومي بصرة ، وبهارات خاصة للبرياني والسمك واللحم والدجاج وللطرشي وكنتاكي وغيرها مما يحتاجه المطبخ العراقي، إضافة إلى الحناء والشب ومواد التجميل التقليدية. وذكر السيد حسن بأن المحل مضى عليه سبعين عاماً ، وانه ورثه عن أبيه وجده ، وأن لديه محل آخر في السوق أيضاً. وعن مهنته قال: رغم أن بيع العطاريات قد دخل في السوبرماركت والمولات وتقدم بعلب أنيقة وعليها تعليمات لكن بعض النساء ما زلن يترددن على سوق الشورجة لشراء احتياجات بيوتهن ومطابخهن. وأضاف: إن كثير من المواد المعروضة نستوردها من الخارج ونقوم بطحنها في مطحنة خاصة بنا. ويزداد عدد الزبائن في مواسم رمضان ومحرم وصفر.

 

من الضروري إعادة تنظيم السوق ورفع الأكشاك والبسطيات التي تقوم وسط السوق وتعرقل حركة المشاة والمشترين . كما أن السوق بحاجة إلى إزالة النفايات من تحت أقدام المترددين على السوق. وكذلك العناية بالإنارة الطبيعية والتهوية وبقية الجوانب البيئية. ومن الهام تغيير السقف المعدني (الچينكو) واستدباله بالزجاج الذي يتيح دخول الضوء دون أشعة الشمس المباشرة صيفاً، ويمنع دخول الأمطار. كما يمكن بناء السقف من الطابوق بشكل عقود أو قباب تراثية مثل كثير


مشاهدات 121
الكاتب صلاح عبد الرزاق
أضيف 2024/07/13 - 1:00 AM
آخر تحديث 2024/07/16 - 12:57 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 52 الشهر 6825 الكلي 9368897
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/7/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير