الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
استعمار‭ ‬خلق‭ ‬الرغبات

بواسطة azzaman

استعمار‭ ‬خلق‭ ‬الرغبات

نزار محمود

 

ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬سوي‭ ‬يسعى‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬حياته‭ ‬أكثر‭ ‬راحة‭ ‬وسعادة‭. ‬وحيث‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الكائن‭ ‬الإنسان‭ ‬متنوع‭ ‬في‭ ‬حاجاته‭ ‬ورغباته‭ ‬الأساسية،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتوالد‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الحياة‭ ‬وتشكل‭ ‬له‭ ‬حاجات‭ ‬في‭ ‬اشباعها،‭ ‬فإننا‭ ‬نجده‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬سعيه‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭. ‬

ان‭ ‬نظرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تطور‭ ‬تلك‭ ‬الحاجات‭ ‬والرغبات‭ ‬في‭ ‬مأكله‭ ‬ومشربه‭ ‬ومسكنه،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحاجات‭ ‬والرغبات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تغيرت‭ ‬وتطورت‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬كذلك‭ ‬الى‭ ‬تأثيرات‭ ‬العوامل‭ ‬البيئية،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭.‬

فالادارة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نمط‭ ‬قيمها‭ ‬وتأثيرات‭ ‬قادتها‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬كم‭ ‬ونوع‭ ‬الحاجات‭ ‬والرغبات‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬الإنسان‭ ‬الى‭ ‬اشباعها،‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬منها‭ ‬بالاقناع‭ ‬أو‭  ‬حتى‭ ‬بالإكراه‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬للادارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬كفاءتها‭ ‬وامكاناتها‭ ‬فعلها‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬كم‭ ‬ونوع‭ ‬الحاجات‭ ‬والرغبات‭ ‬التي‭ ‬تتاح‭ ‬لتلك‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬فلسفتها‭ ‬في‭ ‬الانفاق‭ ‬والاستهلاك‭.‬

وهنا‭ ‬تلعب‭ ‬المحاكاة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬دورها‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬ترويج‭ ‬الرغبات،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وتحويلها‭ ‬الى‭ ‬حاجات‭ ‬ترتفع‭ ‬باهميتها‭ ‬الى‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬إشباعه‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬تحتضنه‭ ‬الثقافة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬اشاعته‭ ‬أو‭ ‬الحد‭ ‬منه،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬اتجاهاته‭.‬

ومنذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وما‭ ‬حصل‭ ‬معها‭ ‬وبعدها‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬علمية‭ ‬وتقنية‭ ‬والتي‭ ‬انعكست‭ ‬في‭ ‬طفرات‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬الانتاجية‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السلع‭ ‬أو‭ ‬الخدمات،‭ ‬وما‭ ‬رافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية،‭ ‬يقابلها‭ ‬تخلف‭ ‬وضعف‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الانتاجية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ومنها‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬نكون،‭ ‬نحن‭ ‬الضعفاء،‭ ‬سوقاً‭ ‬لتصريف‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬فوائض‭ ‬انتاج‭ ‬الدول‭ ‬القوية‭ ‬المهيمنة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬بتنا‭ ‬مستلبي‭ ‬الإرادة‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬ضرورة‭ ‬شرائنا‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كميته‭ ‬أو‭ ‬نوعه‭. ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬منا‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬اثمان‭ ‬مشترياته‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬ثرواته‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬بكن‭ ‬بالقادر‭ ‬غاص‭ ‬بالديون‭ ‬ودفع‭ ‬الأثمان‭ ‬في‭ ‬سيادته‭ ‬وكرامته،‭ ‬ومنا‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‭ ‬مضاعفاً‭!!‬

إننا،‭ ‬نحن‭ ‬الضعفاء‭ ‬المتخلفون،‭ ‬نعيش‭ ‬حالة‭ ‬‮!’‬استعمار”‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬الأقوياء‭ ‬باختراعه‭ ‬من‭ ‬رغبات‭ ‬لا‭ ‬نقوى‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجهها‭!‬

برلين،‭ ‬15‭.‬06‭.‬2024


مشاهدات 74
الكاتب نزار محمود
أضيف 2024/06/26 - 3:08 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 5:42 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 9 الشهر 11133 الكلي 9361670
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير