ليس هناك من شك بأن كل إنسان سوي يسعى الى ان تكون حياته أكثر راحة وسعادة. وحيث ان ذلك الكائن الإنسان متنوع في حاجاته ورغباته الأساسية، وكذلك في تلك التي تتوالد مع تطور الحياة وتشكل له حاجات في اشباعها، فإننا نجده مستمر في سعيه الى ذلك.
ان نظرة في تاريخ حياة الإنسان تكشف عن مدى تطور تلك الحاجات والرغبات في مأكله ومشربه ومسكنه، ناهيك عن تلك الحاجات والرغبات النفسية والاجتماعية التي تغيرت وتطورت كذلك على مر العصور.
وفي هذا الخصوص لا بد من الإشارة كذلك الى تأثيرات العوامل البيئية، من ناحية، والسياسية والاقتصادية والثقافية من ناحية ثانية.
فالادارة السياسية من خلال نمط قيمها وتأثيرات قادتها تلعب دوراً في تحديد كم ونوع الحاجات والرغبات التي يسعى الإنسان الى اشباعها، سواء ما جاء منها بالاقناع أو حتى بالإكراه.
كما أن للادارة الاقتصادية في كفاءتها وامكاناتها فعلها الحاسم في تحديد كم ونوع الحاجات والرغبات التي تتاح لتلك الإدارة في تمكين الحصول عليها، ناهيك عن فلسفتها في الانفاق والاستهلاك.
وهنا تلعب المحاكاة الاجتماعية دورها المؤثر في ترويج الرغبات، لا بل وتحويلها الى حاجات ترتفع باهميتها الى المستوى الذي لا يمكن الاستغناء عن إشباعه.
كل ذلك تحتضنه الثقافة ودورها في اشاعته أو الحد منه، لا بل والتأثير في اتجاهاته.
ومنذ قيام الثورة الصناعية في أوروبا وما حصل معها وبعدها من تطورات علمية وتقنية والتي انعكست في طفرات في القدرات الانتاجية سواء على مستوى السلع أو الخدمات، وما رافق ذلك من أسباب في الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، يقابلها تخلف وضعف في البنية الانتاجية والثقافية في كثير من دول العالم ومنها بلداننا العربية، كل ذلك أدى الى أن نكون، نحن الضعفاء، سوقاً لتصريف نسبة كبيرة من فوائض انتاج الدول القوية المهيمنة، لا بل بتنا مستلبي الإرادة في قرار ضرورة شرائنا سواء على مستوى كميته أو نوعه. فمن كان منا قادراً على دفع اثمان مشترياته ما تردد في استنزاف ثرواته الطبيعية، ومن لم بكن بالقادر غاص بالديون ودفع الأثمان في سيادته وكرامته، ومنا من دفع الثمن مضاعفاً!!
إننا، نحن الضعفاء المتخلفون، نعيش حالة !’استعمار” ما يقوم الأقوياء باختراعه من رغبات لا نقوى على الوقوف في وجهها!
برلين، 15.06.2024