الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصين أم أمريكا .. من سيتفوّق في حرب الذكاء الإصطناعي؟ (4)

بواسطة azzaman

الصين أم أمريكا .. من سيتفوّق في حرب الذكاء الإصطناعي؟ (4)

منقذ داغر

 

بعد أن تمت المقارنة بين الصين وأمريكا في عاملَي الأمكانات التكنولوجية والأمكانت الديموغرافية لمعرفة تأثيرهما على سباق الذكاء الأصطناعي بين البلدين ستتم المقارنة اليوم بين تأثير كل من الأقتصاد والسياسة في كل من الدولتين فيما يخص الذكاء الأصطناعي:

3. الأقتصاد. يتمتع البلدان بأقتصادَين ضخمين هما الأعلى على المستوى العالمي. وعلى الرغم من أن الأدبيات الأقتصادية تمتلأ بالمقارنات المختلفة بينهما الا أن المؤكد أن الصين مازال امامها شوط (ربما غير بعيد) لكي تتفوق على الولايات المتحدة أقتصادياً. لكن ما يهم في موضوعنا هنا هو المقارنة بين الفلسفة الأقتصادية لكل من الصين وأمريكا،أذ أن البلدَين يمتلكان أمكانات هائلة في مجال تمويل وتنفيذ مشاريع الذكاء الأصطناعي ولا تمثل الأمكانات الأقتصادية تحدياً لسباقهما في التفوق في سباق الذكاء الأصطناعي. تستند أميركا في أقتصادها،كما هو معلوم،على فلسفة السوق المفتوح والرأسمالية المطلقة. لذا فأن التطور التقني في هذا المجال لا يستند لتوجيهات الدولة وحوافزها،بل لمبادرات القطاع الخاص والحوافز المالية الضخمة التي يجنيها من قطاع التكنولوجيا المتطورة والتي قدرت بترليوني دولار(10 بالمئة منها للذكاء الأصطناعي) في عام 2022 وبنسبة مساهمة تساوي 9.3 بالمئة من الناتج المحلي الصافي GDP  الأمريكي. لكن من المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الأصطناعي الأمريكي الى 1.8 تريليون دولار في عام 2030 تستفاد منها كلها شركات القطاع الخاص.

قطاع خاص

مقابل ذلك فأن الصين تبنت أنموذجاً أقتصادياً مختلطاً يمكن تسميته بأقتصاد السوق الأشتراكي social market economy  حيث تسيطر الدولة على الأقتصاد لكنها تتيح للقطاع الخاص أن يشتغل وينمو تحت رعايتها وتوجيهها. يشكل القطاع الخاص الصيني 60 بالمئة من الناتج المحلي الصافي GDP  للصين .لقد شهدت السنوات الأخيرة مزيداً من سيطرة الدولة على الأقتصاد الصيني بحيث أرتفعت مثلاً حصة الشركات المملوكة للدولة ضمن أكبر 100 شركة صينية من 57 بالمئة في عام 2022 الى 62 بالمئة في السنة التي تليها. في حين أنخفضت حصة الشركات الخاصة في هذه القائمة الى أقل من 40 بالمئة لأول مرة بعد 2019 وبعد أن شهدت صعوداً هائلاً منذ 2010. كما أنه من بين 37.5 مليون  مشروع أقتصادي مسجل في الصين فأن حوالي 20 بالمئة منها تشارك الدولة بحصص من رأسمالها. كما تضاعف عدد الشركات (الخاصة) التي تمتلك الدولة الصينية حصة في رأسمالها ثلاث مرات منذ عام 2000 للآن. وفي عام 2023 قامت أدارة الفضاء السيبرنيتي Cyberspace Administration of China التابعة لصندوق  الأستثمار الصيني بشراء 1 بالمئة (ما يسمى بسهم الأدارة الخاص special management shares) من حصص أكبر شركتين في مجال التكنولوجيا المتطورة والذكاء الأصطناعي (علي بابا وتينسنت).وعلى الرغم من ضئالة هذه النسبة(كما تبدو) الا أنها تمنح الحكومة الصينية القدرة على التحكم بالقرارات الأستراتيجية للشركتَين. وعلى الرغم من الفوائد السياسية والأجتماعية التي قد تحققها سيطرة الدولة على الأقتصاد(وبخاصة في مجال التكنولوجيا المتطورة كما سيتم شرح ذلك لاحقاً) الا أن من المعروف أن الحافز الأقتصادي الفردي الحر يحقق نتائج أفضل في مجال الأبداع والأقتصاد. وأذا كان هناك درس يمكن الأستفادة منه أستراتيجياً بعد سقوط الأتحاد السوفيتي فهو أن الأقتصاد الرأسمالي يعمل(عموماً) بشكل أفضل من نظيره الأشتراكي.

4. القانون والسياسة. تميل السياسة لصالح الصين في سباقها مع أمريكا على الذكاء الأصطناعي. ففي الوقت الذي تحد فيه القيود القانونية والسياسية في أمريكا بخصوص سرية البيانات وسياسات الخصوصية المتشددة ،من قدرة  شركات التقنية المتطورة على التعامل مع بيانات المستخدمين للتكنولوجيا الرقمية التي تقدمها،فأن هذه القيود أقل تشدداً بكثير في الصين بحيث يمكن للشركات والحكومة الصينية أستخدام ما تشاء من البيانات الشخصية التي توفرها قواعد بيانات المستخدم والمستهلك للتكنولوجيا. أن هذا يتيح للذكاء الأصطناعي الصيني سرعة وقدرة متفوقتَين في التعلم والتطوير.

كما أنه في الوقت الذي تستنزف نفقات الاستشارات القانونية الكثير من جهود ووقت وأموال الشركات الأمريكية لضمان عدم تجاوزها على قوانين الحماية والخصوصية الأمريكية فأن الموضوع أسهل بكثير على الجانب الصيني. حتى أنه يمكن القول أنه في الوقت الذي تفرض فيه رقابة حكومية على أستخدام البيانات الشخصية في أمريكا،فأنه تفرض رقابة حكومية في الصين على عدم أستخدام تلك البيانات! من جانب آخر فنحن أزاء طريقتين وفلسفَتين سياسيتَين مختلفتَين تماماً تستخدمان نفس التكنولوجيا. لقد بات الذكاء الأصطناعي يتيح فرصة كبيرة للدولة الصينية  ليس فقط  لتنجو من نهاية التاريخ-التي توقعها فوكوياما مخطئاً- بل لتختط منهجاً ومقاربةً سياسية جديدة تتيح للعالم بديل ناجح للنظام الليبرالي الرأسمالي الذي بشر بهيمنته فوكوياما.

والواقع فأن الصين ورئيسها زي بينج Xi Ping  باتا يسعيان ويؤكدان مؤخراً (ومن ورائهما جميع حلفاؤهم في العالم) الى أثبات وتقديم مثل هذا الأنموذج السياسي الجديد المغري .

ذكاء اصطناعي

ففي المؤتمر الذي حضره أكثر من 130 رئيس دولة عبر الأنترنيت في آذار 2023،قال الرئيس الصيني أن حكومته وأنموذجها السياسي أثبتا أن التحديث Modernization  للدول لا يعني بالضرورة أتباع الأنموذج الغربي Westernization . أن هذه العبارة تجتذب كثير من الدول -بخاصة اللاغربية- لأنها تمزج بين خطّين جذّابَين جداً هما الرغبة في التحديث،والخوف من عواقب الأنموذج الغربي الليبرالي على المجتمع وهو ما سأناقشه في النقطة الخامسة لاحقاً. وبعكس ما قد يعتقده الكثير من أن التكنولوجيا الرقمية والذكاء الأصطناعي لا يعملان لصالح الحكومات الشمولية (كالصين وكثير من حلفائها) لتشجيعهما على الأنفتاح والحرية والأبداع وكسر القيود والمحرّمات السياسية والأجتماعية،الا أنهما في ذات الوقت يتيحان لتلك الحكومات أمكانية أكبر على تجسيد أنموذج الأخ الأكبر big brother  في الحكم. فمثلما تتيح خوارزميات الذكاء الأصطناعي لجيف بيزوس  Bezos مالك شركة أمازون أن يتحكم بالسلوك الأستهلاكي ورغبات الشراء لأكثر من 100 مليون زبون ممتاز   Prime customers لديه من خلال ما يسميه «الخلطة السحرية لخوارزميات أمازون» فأنها بنفس الأتجاه تتيح لرئيس الحزب الصيني أن يتحكم بأعضاء حزبه المئة مليون بل وبأكثر من 1.4 مليار مواطن صيني من خلال تتبعهم الكترونياً عبر مختلف وسائط الأتصال التي يستخدمونها،أو كل منصات الشراء والبيع وفتح الحسابات والأعلام والخدمات الحكومية وغيرها من منصات الخدمات الأكترونية التي بالأمكان مراقبتها وتحليل سلوك مستخدميها بل ونسخ كل ما قالوه أو فعلوه بكبسة زر واحدة.

تصوروا لو أن تقنيات المراقبة والتعرف على الوجوه المتوفرة للحكومة الصينية حالياً كانت متاحة لها في عام 1989 عند أندلاع أنتفاضة (تيا آن من) بين شهري نيسان وحزيران والتي قمعها الجيش الصيني بعد أن قتل مئات (ويقال ألوف)المتـــــــــظاهرين المحتجين على السياسات الحكومية آنذاك!

بالتأكيد لو توفرت هذه التقنيات لأمكن أعتقال المحتجين قبل أن يغادروا الشوارع المحــــــــــيطة ببيوتهم. بل لكان بأمكان برمجيات الذكاء الأصطناعي(ربما) توقع ما سيقومون به قبل مدة طويلة من خروجهم. وكما يقول أحد أساتذة جامعة هارفارد فأن (إن الصين تستخدم التكنولوجيا لإتقان الديكتاتورية).

بقي لنا أن نناقش عامل بالغ الأهمية يؤثر في الحرب الباردة بين الصين وأمريكا في الذكاء الأصطناعي وهو العامل الثقافي الذي لا يسمح المجال في هذا المقال مناقشته اليوم.

 


مشاهدات 113
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/06/25 - 4:04 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 9:41 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 296 الشهر 11420 الكلي 9361957
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير