الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ينقطع الخيط فتضيع خرزات المسبحة

بواسطة azzaman

ينقطع الخيط فتضيع خرزات المسبحة

منير حداد

 

يتوهم الإنسان مبررات تسوغ إقدامه على ما يلبي ضعفه، وإلا بماذا نعرِّف الإصرار على التدخين، ونحن متأكدون من جسامة خطره، وهكذا تجترح العواطف أوهاماً تبرر ما يقدم عليه الإنسان حتى لو كان إنتحاراً؛ لهذا تركت شابة لبنانية إبان السبعينيات، ورقة مكتوب عليها «أما أنا لا أفهم العالم أو العالم لا يفهمني».

التفاوت في الفهم يخسف بالقيم، التي تنفرط خرازاتها عندما ينقطع الخيط متطشرة و... تضيع؛ لأن خرزات المسبحة ينتظمها خيط رفيع وقوي، تماماً مثلما حياتنا مبوبة وفق رؤية معرفية، قائمة على تعاليم الدين وقوانين الدولة وأعراف المجتمع؛ بهدف الإستقامة في حياة رغيدة.. ترفه حلقات إنتمائنا وتسعدها.

لأن وجودنا قطعة مستقيم.. رحلة بين محطتي الولادة والموت، مهما تخللهما من عز أو إذلال لا سمح الله.. فرح وحزن.. غنى وفقر.. سعادة وتعاسة، بالنتيجة كل شيء سائر الى إنقضاء.

حلقات الإنتماء

الحلقة الأولى في وجودنا، هي الذات التي لخصها السيد المسيح.. عليه السلام «ما جدوى أن تكسب العالم وتخسر نفسك».. (إنجيل مرقس السفر 8: آية 36)

الإنسياب الموجي للكون الذي إلتقى عنده الفلاسفة والفلكيون.. معاً، يقضي بأن الضوء يفقد قيمته عند الأعمى.. يتساوى الليل والنهار والنور والظلام، والصوت لا يعني صوتاً للأطرش.. سواء أرتفع أم إنخفض.. شدا بلبل أم نهق حمار.. وهكذا الحواس الثلاث الأخرى، الى أن نتأكد من صدق الآية الإنجيلية المقدسة:

- ما جدوى أن تكسب العالم ولا تستطيع التفاعل معه؛ إذن أنت لم تكسب شيئاً طالما تعطلت مجساتك الشخصية في إداركه.

وبوصولنا الى منطقة الإدراك، (ندرك) أهمية القيم الناظمة للتمتع بنعم الوجود.. نسمع قرآناً عظيماً ونتحسس سعادات الملتصقين بنا وننام رغداً ونأكل بشهية مفتوحة على الغرائز كافة، وفق مسار منهجي غرسه الرب فطرةً فينا؛ وأوجب علينا حسن التعامل مع تلك النعم وسواها.. لا نحيد عن سبيل سعادتنا بالإعتدال المؤدي الى طاعة الرب وهو يثيبنا في الدنيا والآخرة؛ إذا رحمنا بأجسادنا وكرامتنا في الترفع عما يسؤونا أو يهضم المرتبطين بنا.

كفى داءً

رأيت هوى النفس الأمارة بالسوء؛ يهجم بيوتاً ويذل ملوكاً أعزة، إنساقوا وراء طيش رغباتهم الموهومة مفرطين بثوابت شاخصة.. مشهودة؛ فتلاشى سعيهم!؟

«كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً.. وحسب المنايا أن يكن أمانيا» (المتنبي).

على الإنسان الأصيل أن يمزق قلبه أشلاءً ويبعثر هواه مثل البريسم على شوك عاصف، يجمعه الحائك لينسج أجمل الأزياء وأبهاها وأغلاها ثمناً.. يتبختر بها الملوك والأمراء والأباطرة.

وهذا ما يتوخاه أي رجل يحيّد ميوله لصالح الإستقامة في عين الآخرين ومنفعة المرتبطين به تحت أي توصيف.. عائلة أو أقرباء.. أصدقاء.. زملاء عمل.. معارف عشاق! وعند العشق تسكب عبرات حرى، في هذا الصيف اللاهب متخطياً نصف الغليان.

فلو شاء رجل إتباع هواه؛ فإن نساء الكون كلهن لن يشفين غليله، كما قال اللورد بيرون، الكنى بـ «دون جوان»: ليت للنساء فم واحد أقبله فأستريح.

الحب والغريزة، جهنم.. كلما لقمناها شفاهاً إستزادتنا لظى، ما يجعل حسن الفراق.. على مضض كما لو يتجرع الرجل.. أو المرأة.. كأس سم؛ أطهر لهما وأبقى على سدى العائلة ولحمة الأسرة وظلال البيت وارفة لا يخترقها لهيب شمس ولا مطر شتاء ولا... حول ولا قوة إلا بالله، مسبب الأسباب والقائل في محكم تنزيله: «وهديناه النجدين، فإما شاكراً وإما كفوراً» القرآن سورة البلد الآية 10.

العاقل يشكر والجاهل يكفر، خاسراً جمال الدنيا ونعيم الآخرة!

فرب رجل يؤثر علاقة إحترام مع عائلة كريمة، يفضلها على مرح صبايا يثلم قيماً إجتماعية رفيعة، فيسحق هواه كي لا يقطع سبيل المعروف بهز الثقة الرابطة لشخصه مع أسرة عالية الجناب، وكذا الأستاذ مع تلميذته والطبيب مع مريضته ورب العائلة الذي يشكم إنجذابه وفاءً لأسرته والأسر التي تشده إليها بشبكة علاقات نظيفة لا يسمح لتفكير وسخ بتلويثها.

فـ «النفس...» كما أجمعنا متوحدين مع كلام الله «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي» القرآن.. سورة يوسف.. الآية 53.

وهنا علينا الإحتكام الى رحمة الله في مساعدتنا على إنتشال ذواتنا من السقوط الحاد في جوف هوةٍ لا نهاية من فساد الطوية الذي يفسد إنتماءنا لوجودنا؛ فخسر أنفسنا، وحينها لن تعد ثمة جدوى من ربح العالم.

« اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» القرآن.. سورة القصص الآية 56

أي أن المرء إذا شاء الإهتداء؛ يسر له الله سبل الهداية وأبعد عنه ضلالة الشيطان.

الملح والزاد

عندما نتحدث بلهفة قيمية عن المُثل العليا، يتوجب علينا تطبيقها.. عملياً على أرض الواقع الميداني؛ بدءاً لا نخون الملح والزاد، ثم ينهمر كل ما في البركان من منصهر مستعر.. يكوينا ونفتخر به! تاركين أعز ما نحب لأجل قيم لو إنقطع خيط مسبحتها؛ تنفرط خرزات تعاليم الدين وقوانين الدولة وأعراف المجتمع وتستباح حرمات المعروف، ولن يعد أحدٌ يثق بأحدٍ خشية إنزلاق العفة عن عرش الشرف.

لحفظ منظومة القيم يتوجب الإقدام على إتخاذ قرارات مؤلمة و... صعبة، فليتعلم الأصلاء مغادرة حبيب بغية المكوث في نطاق الحب العام لبناء مجتمع مثالي نسبياً.. نسبياً فقط؛ لأن المطلق من شأن الملائكة والأنبياء.

 

 

 

 


مشاهدات 100
الكاتب منير حداد
أضيف 2024/06/22 - 1:59 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 12:20 AM

أخبار مشابهة
تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 352 الشهر 11476 الكلي 9362013
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير