الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تجارة‭ ‬اهل‭ ‬القرب

بواسطة azzaman

تجارة‭ ‬اهل‭ ‬القرب

محمد غاني

 

بم‭ ‬يتفاوت‭ ‬الانسان‭ ‬عن‭ ‬أخيه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬الاكوان‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬عز‭ ‬وجل؟‭ ‬‮«‬فقربا‭ ‬قربانا‭ ‬فتقبل‭ ‬من‭ ‬أحدهما‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يتقبل‭ ‬من‭ ‬الآخر‮»‬‭ ‬المائدة‭ ‬27،‭ ‬وحينما‭ ‬يحلل‭ ‬كل‭ ‬لبيب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القصص‭ ‬القرآني‭ ‬لقصة‭ ‬قابيل‭ ‬و‭ ‬هابيل‭ ‬مع‭ ‬قربانه،‭ ‬كان‭ ‬أحدهما‭ ‬صاحب‭ ‬حَرْثٍ،‭ ‬والآخر‭ ‬صاحب‭ ‬غنم‭. ‬وأنهما‭ ‬أُمرا‭ ‬أن‭ ‬يقرّبا‭ ‬قربانًا،‭ ‬فقرب‭ ‬صاحب‭ ‬الغَنَم‭ ‬أكرم‭ ‬غنمه‭ ‬وأسمَنَها‭ ‬وأحسَنَها‭ ‬طيّبًة‭ ‬بها‭ ‬نفسه،‭ ‬وقدم‭ ‬صاحبَ‭ ‬الحرث‭ ‬شَرّ‭ ‬حرثه،الكوزن والزُّوان،‭ ‬فيتبين‭ ‬لكل‭ ‬لبيب‭ ‬من‭ ‬السياق‭ ‬معايير‭ ‬حسن‭ ‬تعامل‭ ‬أهل‭ ‬القرب‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬وانه‭ ‬مالك‭ ‬الملك‭ ‬،‭ ‬فالذي‭ ‬اختار‭ ‬احسن‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬لملكه‭ ‬و‭ ‬مالكه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬تقبل‭ ‬منه‭ ‬و‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬الاسوء‭ ‬و‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يقدر‭ ‬الله‭ ‬حق‭ ‬قدره‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬،‭ ‬فان‭  ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬سببا‭ ‬كافيا‭ ‬لعدم‭ ‬دخول‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬معايير‭ ‬قالب‭ ‬القبول‭ ‬المعنوي‭ ‬لهذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬الحكيم‭ ‬الخبير‭ ‬الذي‭ ‬لو‭ ‬قدره‭ ‬تجار‭ ‬المعنى‭ ‬حق‭ ‬قدره،‭ ‬لسارعوا‭ ‬لاخضاع‭ ‬أعمالهم‭  ‬لمعايير‭ ‬جودة‭ ‬معنوية‭ ‬لتدخل‭ ‬في‭  ‬قالب‭ ‬القبول‭ ‬المعنوي‭ ‬ذاك‭ ‬لانهم‭ ‬سيعلمون‭ ‬عين‭ ‬و‭ ‬علم‭ ‬و‭ ‬حق‭ ‬اليقين،‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬سيضاعف‭ ‬ثوابه‭ ‬المادي‭ ‬و‭ ‬المعنوي‭ ‬حسا‭ ‬و‭ ‬معنى،‭ ‬دنيا‭ ‬و‭ ‬أخرى،‭ ‬لانهم‭ ‬وضعوه‭ ‬امانة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬قانون‭ ‬كوني،‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬من‭ ‬الاعمال‭ ‬في‭ ‬معاييره،‭ ‬الا‭ ‬و‭ ‬استقطبه‭ ‬لتعاملات‭ ‬اخرى‭.‬

لتفسير‭ ‬الأمر‭ ‬يدعونا‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬بقوله‭ ‬لعباده‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬فاطر،آية‭ ‬29‭ ‬،‮»‬‭ ‬إِنَّ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يَتْلُونَ‭ ‬كِتَابَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَأَقَامُوا‭ ‬الصَّلَاةَ‭ ‬وَأَنفَقُوا‭ ‬مِمَّا‭ ‬رَزَقْنَاهُمْ‭ ‬سِرًّا‭ ‬وَعَلَانِيَةً‭ ‬يَرْجُونَ‭ ‬تِجَارَةً‭ ‬لَّن‭ ‬تَبُورَ‮»‬،‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬لبيب‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التجارة‭ ‬تحتاج‭ ‬لطرفين‭ ‬شار‭ ‬و‭ ‬مشتر،‭ ‬و‭ ‬ثقة‭ ‬فيما‭ ‬بينهما،‭ ‬كشرط‭ ‬بين‭ ‬وواضح‭ ‬لاستمرار‭ ‬التعاملات‭ ‬فيما‭ ‬بينهما،‭ ‬لذلك‭ ‬فالذي‭ ‬وضع‭ ‬ثقته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬و‭ ‬تاجر‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬تعاملاته‭ ‬فينبغي‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬عين‭ ‬و‭ ‬علم‭ ‬و‭ ‬حق‭ ‬اليقين‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬سيقدمه‭ ‬خالصا‭ ‬لوجهه‭ ‬الكريم‭ ‬سيتبعه‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أشارات‭ ‬و‭ ‬رموز‭ ‬لقبول‭ ‬هديته‭ ‬لله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬ينبغي‭ ‬التقطن‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬لتقديم‭ ‬راس‭ ‬مال‭ ‬آخر‭ ‬لتعامل‭ ‬موال‭ ‬مع‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬الرساميل‭ ‬الحسية‭ ‬و‭ ‬المعنوية‭.‬

لتوضيح‭ ‬الأمر‭ ‬تحضرني‭ ‬قصة‭ ‬احد‭ ‬الصالحين‭ ‬الذي‭ ‬عاشرته‭ ‬في‭ ‬متاجرته‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬و‭ ‬فطنته‭ ‬لعلامات‭ ‬القبول،‭ ‬و‭ ‬استمراريته‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬رساميل‭ ‬أخر‭ ‬ليربيها‭ ‬و‭ ‬يزكيها‭ ‬و‭ ‬ينميها‭ ‬له‭ ‬خير‭ ‬المتاجرين‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬الحق‭ ‬عز‭ ‬و‭ ‬جل،‭ ‬سمع‭ ‬هذا‭ ‬الصالح‭ ‬بان‭ ‬صهره‭ ‬سيسافر‭ ‬الى‭ ‬مدينة‭ ‬تقطن‭ ‬فيها‭ ‬أخته‮ ‬‭ ‬فأعطاه‭ ‬امانة‭ ‬ليعطيها‭ ‬لفلانة‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬اخته،‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬الصدف‭ ‬ان‭ ‬اسم‭ ‬اخته‭ ‬تلك‭ ‬يشبه‭ ‬اسم‭  ‬احدى‭ ‬بناته،‭ ‬فظن‭ ‬أن‭ ‬الأمانة‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬تصل‭ ‬للبنت‭ ‬فأعطاه‭ ‬اياها،‭ ‬و‭ ‬بعد‭ ‬مدة‭ ‬اكتشف‭ ‬الصالح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬صهره‭ ‬بان‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬سلم‭ ‬الأمانة‭ ‬خطأ‭ ‬لبنته،‭ ‬و‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬بنات‭ ‬أخر،‭ ‬فتفطن‭ ‬توا،‭ ‬بان‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬علامة‭ ‬قبول‭ ‬عمله‭ ‬و‭ ‬انه‭ ‬مدعو‭ ‬لعمل‭ ‬مشابه‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يختبره‭ ‬هل‭ ‬سيسوي‮ ‬‭ ‬‮ ‬بين‭ ‬بناته‭ ‬في‭ ‬العطاء،‭ ‬فاعطى‭ ‬نفس‭ ‬القدر‭ ‬المالي‭ ‬لبنت‭ ‬اخرى‭ ‬متاجرة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬و‭ ‬استمر‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬اشارات‭ ‬آخر‭ ‬تجارة‭ ‬مع‭ ‬خير‭ ‬المتاجرين‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬توفي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬و‭ ‬اذا‭ ‬تأمل‭ ‬احدنا‭ ‬حياته‭ ‬بقراءة‭ ‬اهل‭ ‬القرب،‭ ‬سيتيبين‭ ‬يقينا‭ ‬انه‭ ‬تعرض‭ ‬لمواقف‭ ‬مماثلة‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يقرأ‭ ‬خطاب‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬فيه‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬قرأ‭ ‬النفري‭ ‬خطاب‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬رائق‭ ‬سماه‭ ‬المواقف،‭ ‬يشير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عنوانه‭ ‬ان‭ ‬الانسان‭ ‬يتعرض‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬لموقف‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬يضعه‭ ‬الله‭ ‬فيه،‭ ‬ليريقيه‭  ‬من‭ ‬درجة‭ ‬لأخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاعلاته‭ ‬و‭ ‬ردود‭ ‬أفعاله‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المواقف،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مستشعر‭ ‬لحضور‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬أفعاله‭ ‬ام‭ ‬لا،‭ ‬و‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬فعله‭ ‬منسوما‭  ‬بإدام‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬عمله‭ ‬مصحوبا‮ ‬‭ ‬بنكهة‭ ‬قلبية‭ ‬شعورية‭ ‬تجعله‭ ‬ادعى‭ ‬للقبول،‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬معايير‭ ‬جودة‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يربي‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬دخل‭ ‬قالبه‭ ‬ليخرج‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬باضعاف‭ ‬مضاعفة‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬تحصى‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬قبول‭ ‬مسجد‭ ‬اسس‭ ‬على‭ ‬التقوى‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬مسجد‭ ‬القرويين‭ ‬اعظم‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تُخَرٍجُ‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬و‭ ‬الاولياء‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬و‭ ‬الى‭ ‬الآن‭ ‬العدد‭ ‬الكثير،‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬تقبل‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬صيام‭ ‬و‭ ‬نسك‭ ‬و‭ ‬تهجد‭ ‬فاطمة‭ ‬الفهرية‭ ‬طيلة‭ ‬مدة‭ ‬بناء‭ ‬المسجد‭ ‬و‭ ‬قد‭ ‬قدرها‭ ‬علماء‭ ‬التاريخ‭ ‬ب‭ ‬18‭ ‬سنة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لتحرير‭ ‬عملها‭ ‬من‭ ‬الشوائب‭ ‬من‭ ‬رياء‭ ‬و‭ ‬عجب‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬رأس‭ ‬مالها‭ ‬المعنوي‭ ‬صافيا‭ ‬خالصا‭ ‬لهذا‭ ‬القانون‭ ‬الكوني‭ ‬و‭ ‬ثقة‭ ‬فيه‭ ‬يقينية‭ ‬بأنه‭ ‬خير‭ ‬المتاجرين‭.‬


مشاهدات 513
الكاتب محمد غاني
أضيف 2024/06/11 - 2:54 PM
آخر تحديث 2024/11/22 - 2:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 112 الشهر 9236 الكلي 10052380
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير