بم يتفاوت الانسان عن أخيه الإنسان في تعامله مع القانون الكوني الذي يسير الاكوان و هو الحق سبحانه عز وجل؟ «فقربا قربانا فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الآخر» المائدة 27، وحينما يحلل كل لبيب من خلال القصص القرآني لقصة قابيل و هابيل مع قربانه، كان أحدهما صاحب حَرْثٍ، والآخر صاحب غنم. وأنهما أُمرا أن يقرّبا قربانًا، فقرب صاحب الغَنَم أكرم غنمه وأسمَنَها وأحسَنَها طيّبًة بها نفسه، وقدم صاحبَ الحرث شَرّ حرثه،الكوزن والزُّوان، فيتبين لكل لبيب من السياق معايير حسن تعامل أهل القرب مع الله عز وجل وانه مالك الملك ، فالذي اختار احسن ما قدمه لملكه و مالكه هو الذي تقبل منه و الذي اختار الاسوء و كأنه لم يقدر الله حق قدره في قلبه ، فان ذلك يكون سببا كافيا لعدم دخول عمله في معايير قالب القبول المعنوي لهذا القانون الكوني الحكيم الخبير الذي لو قدره تجار المعنى حق قدره، لسارعوا لاخضاع أعمالهم لمعايير جودة معنوية لتدخل في قالب القبول المعنوي ذاك لانهم سيعلمون عين و علم و حق اليقين، ان ذلك العمل سيضاعف ثوابه المادي و المعنوي حسا و معنى، دنيا و أخرى، لانهم وضعوه امانة في يد قانون كوني، من دخل من الاعمال في معاييره، الا و استقطبه لتعاملات اخرى.
لتفسير الأمر يدعونا هذا القانون الكوني بقوله لعباده في سورة فاطر،آية 29 ،» إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ»، و لا يخفى على كل لبيب على أن التجارة تحتاج لطرفين شار و مشتر، و ثقة فيما بينهما، كشرط بين وواضح لاستمرار التعاملات فيما بينهما، لذلك فالذي وضع ثقته في هذا القانون الكوني و تاجر معه في تعاملاته فينبغي أن يعلم عين و علم و حق اليقين ان كل عمل سيقدمه خالصا لوجهه الكريم سيتبعه و لا شك أشارات و رموز لقبول هديته لله عز وجل ينبغي التقطن لها ، لتقديم راس مال آخر لتعامل موال مع خير من توضع في يده الرساميل الحسية و المعنوية.
لتوضيح الأمر تحضرني قصة احد الصالحين الذي عاشرته في متاجرته مع هذا القانون الكوني و فطنته لعلامات القبول، و استمراريته في تقديم رساميل أخر ليربيها و يزكيها و ينميها له خير المتاجرين و هو الحق عز و جل، سمع هذا الصالح بان صهره سيسافر الى مدينة تقطن فيها أخته فأعطاه امانة ليعطيها لفلانة والتي هي اخته، و من الصدف ان اسم اخته تلك يشبه اسم احدى بناته، فظن أن الأمانة ينبغي ان تصل للبنت فأعطاه اياها، و بعد مدة اكتشف الصالح من خلال الحديث مع صهره بان هذا الأخير سلم الأمانة خطأ لبنته، و كان له بنات أخر، فتفطن توا، بان هذا الخطأ انما هو علامة قبول عمله و انه مدعو لعمل مشابه حيث ان هذا القانون يختبره هل سيسوي بين بناته في العطاء، فاعطى نفس القدر المالي لبنت اخرى متاجرة مع هذا القانون، و استمر هي في قراءة اشارات آخر تجارة مع خير المتاجرين الى ان توفي رحمه الله، و اذا تأمل احدنا حياته بقراءة اهل القرب، سيتيبين يقينا انه تعرض لمواقف مماثلة ينبغي ان يقرأ خطاب الله له فيه ، كما قرأ النفري خطاب هذا القانون الكوني له في كتاب رائق سماه المواقف، يشير من خلال عنوانه ان الانسان يتعرض في حياته كل لحظة لموقف من المواقف يضعه الله فيه، ليريقيه من درجة لأخرى من خلال تفاعلاته و ردود أفعاله مع تلك المواقف، هل هو مستشعر لحضور ذلك القانون الكوني في ردود أفعاله ام لا، و كلما كان رد فعله منسوما بإدام ذلك الشعور كلما كان عمله مصحوبا بنكهة قلبية شعورية تجعله ادعى للقبول، و من ثم للدخول في معايير جودة هذا القانون الذي يربي كل عمل دخل قالبه ليخرج من الجهة الأخرى باضعاف مضاعفة لا تعد و لا تحصى و في قصة قبول مسجد اسس على التقوى و هو مسجد القرويين اعظم جامعة في التاريخ لا زالت تُخَرٍجُ من العلماء و الاولياء منذ ذلك و الى الآن العدد الكثير، خير دليل على تقبل هذا القانون الكوني صيام و نسك و تهجد فاطمة الفهرية طيلة مدة بناء المسجد و قد قدرها علماء التاريخ ب 18 سنة، كل ذلك لتحرير عملها من الشوائب من رياء و عجب حتى يكون رأس مالها المعنوي صافيا خالصا لهذا القانون الكوني و ثقة فيه يقينية بأنه خير المتاجرين.