الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مخاض‭ ‬الزمن‭ ‬العاصف

بواسطة azzaman

مخاض‭ ‬الزمن‭ ‬العاصف

مناف حسن العلي

 

بعض‭ ‬تداعيات‭ ‬إحتلال‭ ‬الكويت‭: ‬الحملة‭ ‬الإيمانية‭ ‬وأنساب‭ ‬العشائر‭ ‬العراقية‭           ‬

تُشكل‭ ‬القبائل‭ ‬والعشائر‭ ‬ركناً‭ ‬أساسياً‭ ‬من‭ ‬تركيبة‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬بناها‭ ‬القديمة‭ ‬وبدت‭ ‬القبائل‭ ‬الكبرى‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬دولاً‭ ‬مصغرة‭ ‬ذات‭ ‬قيادة‭ ‬أبوية‭ ‬تسيطرعليها‭ ‬العائلات‭ ‬المتنفذة‭ ‬فيها‭ ‬وتمتلك‭ ‬قواتها‭ ‬الخاصة‭ ‬وقانونها‭ ‬العرفي‭ ‬وإقليمها‭ ‬الخاص‭.‬

إنًّ‭ ‬تباين‭ ‬دور‭ ‬العشائر‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬السابقة،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬وسطوة‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬سكون‭ ‬وانحسار‭ ‬لدورها‭ ‬ضمن‭ ‬أفرادها‭ ‬فقط،‭ ‬يُعزى‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة،‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬والحكومة‭ ‬ومدى‭ ‬الضبط‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أفرادها‭. ‬إنَّ‭ ‬قوة‭ ‬العشيرة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬العراق،‭ ‬تتناسب‭ ‬عكسياً‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬الدولة،‭ ‬فمتى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬قوية‭ ‬انحسر‭ ‬دور‭ ‬العشيرة‭ ‬وتراجع‭ ‬تدريجياً،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬فمتى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬ضعيفة،‭ ‬يبرز‭ ‬دور‭ ‬العشيرة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عدة‭. ‬

وارتباطاً‭ ‬بما‭ ‬سلف‭ ‬فمنذ‭ ‬تأسيس‭ ‬العراق‭ ‬الحديث‭ ‬فشلت‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬يجتمع‭ ‬حولها‭ ‬العراقيون‭ ‬وتتجاوز‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬سواءً‭ ‬الطائفية‭ ‬أو‭ ‬الإثنية‭ ‬أو‭ ‬القبلية‭.‬

عندما‭ ‬وصل‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الى‭ ‬رئاسة‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬كانت‭ ‬القبائل‭ ‬العراقية‭ ‬قد‭ ‬لحق‭ ‬بها‭ ‬الضعف‭ ‬بفعل‭ ‬مركزية‭ ‬الدولة‭ ‬وأجندة‭ ‬التحديث‭ ‬ومحاولة‭ ‬النظام‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭. ‬بدأ‭ ‬عهد‭ ‬صدام‭ ‬بالسعي‭ ‬لإستئصال‭ ‬القبيلة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬لكنه‭ ‬سعى‭ ‬لاحقا‭ ‬لتأسيس‭ ‬قبيلة‭ ‬الدولة‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬بنقل‭ ‬عائلته‭ ‬وعشيرته‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭ ‬وجعل‭ ‬منهم‭ ‬سادة‭ ‬المدينة‭. ‬كما‭ ‬اتخذ‭ ‬منهم‭ ‬حرس‭ ‬الحماية‭ ‬ووفر‭ ‬لهم‭ ‬مساكن‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬الرضوانية‭ ‬والقصر‭ ‬الجمهوري‭ ‬وبعض‭ ‬الأماكن‭ ‬الخاصة‭. ‬

أعتمد‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬الولاء‭ ‬معياراً‭ ‬لتصنيف‭ ‬الناس‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استعانة‭ ‬صدام‭ ‬بأفراد‭ ‬عشيرته‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬لأغراض‭ ‬حمايته‭ ‬الشخصية‭ ‬ومساعدته‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭.‬

عندما‭ ‬خرجت‭ ‬المحافظات‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬النظام‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬وأتهم‭ ‬النظام‭ ‬المنظمات‭ ‬الحزبية‭ ‬بالإنسحاب‭ ‬وعدم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحزب‭ ‬والثورة،‭ ‬وشعر‭ ‬بالضعف،‭ ‬أعاد‭ ‬الإعتبار‭ ‬للعشائر‭ ‬وقام‭ ‬بمكافأة‭ ‬شيوخها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬ظهور‭ ‬طبقة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الشيوخ‭ ‬أطلق‭ ‬العراقيون‭ ‬عليها‭ “‬شيوخ‭ ‬التسعين‭” ‬نسبة‭ ‬الى‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭. ‬وأنشأ‭ ‬النظام‭ ‬مكتباً‭ ‬لشؤون‭ ‬العشائر‭ ‬برئاسة‭ ‬راكان‭ ‬عبدالغفور‭ ‬يتبع‭ ‬رئاسة‭ ‬الدولة‭. ‬وتم‭ ‬إغداق‭ ‬الهدايا‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشيوخ‭ ‬وتصنيفهم‭ ‬الى‭ ‬فئات،‭ ‬وكل‭ ‬فئة‭ ‬لها‭ ‬مخصصات‭  ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الأُخرى‭. ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬مجموعة‭ ‬عُرفت‭ ‬بالنسابين‭ ‬وراج‭ ‬سوقهم،‭ ‬حيث‭ ‬بدأوا‭ ‬بإستخراج‭ ‬شجرات‭ ‬تمثل‭ ‬أنساب‭ ‬العشائر‭ ‬العراقية،‭ ‬فكان‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬العشائر‭ ‬ينتهي‭ ‬نسبها‭ ‬الى‭ ‬رموزمرموقة‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬قريش‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬عموماً‭ ‬وبعض‭ ‬الآخرمنها‭ ‬ينتهي‭ ‬نسبها‭ ‬الى‭ ‬بيت‭ ‬النبوة‭ ‬خصوصاً،‭ ‬كي‭ ‬تزداد‭ ‬تلك‭ ‬العشيرة‭ ‬رفعةً‭ ‬ومنزلةً‭ ‬ودرجةً‭ ‬بهذا‭ ‬الإنتساب،‭ ‬إضافة‭ ‬لما‭ ‬تقدم‭ ‬ادَّعى‭ ‬صدام‭ ‬أنًّ‭ ‬نسبه‭ ‬يمتد‭ ‬الى‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬كجانب‭ ‬داعم‭ ‬لإحترام‭ ‬شخصيته‭ ‬ولكسب‭ ‬المحافظات‭ ‬الجنوبية‭ ‬التي‭ ‬ثارت‭ ‬ضده‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬حرب‭ ‬الكويت‭. ‬فأين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ “‬إنًّ‭ ‬أكرمكم‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬أتقاكم‭”. ‬يا‭ ‬تُرى‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأُسس‭ ‬التي‭ ‬أعتمدها‭ ‬هؤلاء‭ ‬النسابة‭ ‬لكي‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬أصول‭ ‬العشيرة‭ ‬الى‭ ‬ألف‭ ‬وأربعمائة‭ ‬سنة‭ ‬خلت؟‭ ‬ويا‭ ‬تُرى‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عرب‭ ‬قبل‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬لكي‭ ‬تنتسب‭ ‬بعض‭ ‬العشائر‭ ‬اليهم؟

إنَّ‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬تنامي‭ ‬النفوذ‭ ‬العشائري‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬سلطة‭ ‬القانون‭ ‬والدولة،‭ ‬وتراجع‭ ‬دور‭ ‬القضاء،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأجهزة‭ ‬الامنية‭ ‬هشة،‭ ‬وتنامي‭ ‬الفساد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬انشغال‭ ‬قادة‭ ‬البلد‭ ‬بحروب‭ ‬ومعارك‭ ‬داخلية‭. ‬

إنَّ‭ ‬سمات‭ ‬وخصائص‭ ‬القبلية‭ ‬التي‭ ‬استفحلت‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬والفوضى‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬سقوطه،‭ ‬تختلف‭ ‬تماماً‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬سابقاً،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬وظيفة‭ ‬القبيلة‭ ‬كمؤسسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تهدف‭ ‬الى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬القبيلة‭ ‬وأفرادها‭ ‬وأعرافها‭ ‬وتضامن‭ ‬أفرادها‭ ‬في‭ ‬السراء‭ ‬والضراء،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فتعمل‭ ‬القبيلة‭ ‬على‭ ‬إخضاع‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لأهداف‭ ‬سياسية‭ ‬ومصالح‭ ‬شخصية‭ ‬وسيطرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تتعدى‭ ‬حدود‭ ‬وظيفة‭ ‬القبيلة‭ ‬الى‭ ‬تأكيد‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بديلاً‭ ‬معنوياً‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭. ‬

إنَّ‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بالقبيلة‭ ‬والولاء‭ ‬لها‭ ‬دون‭ ‬الوطن‭ ‬يتحول‭ ‬االى‭ ‬قبلية‭ ‬تؤسس‭ ‬الى‭ ‬ضعف‭ ‬الاندماج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬مع‭ ‬مكونات‭ ‬إجتماعية‭ ‬أُخرى‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التوحد‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬واحدة‭ ‬تحقق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭.‬

حما‭ ‬الله‭ ‬العراق‭ ‬وشعبه‭ ‬مما‭ ‬يُحاك‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬فتن‭.‬

د‭. ‬مناف‭ ‬حسن‭ ‬العلي‭/‬مدينة‭ ‬هيوستن‭- ‬ولاية‭ ‬تكساس‭- ‬أمريكا


مشاهدات 373
الكاتب مناف حسن العلي
أضيف 2024/06/01 - 6:50 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 6:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 295 الشهر 11419 الكلي 9361956
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير