فاتح عبد السلام
العلماء اليابانيون نبّهوا منذ عقود الى مخاطر “الثلاثي الأبيض” على صحة البشرية، وفي اليابان يعيش الناس الأطول عمرا. وفي العقدين الأخيرين حيث انفجار معلومات الانترنت عبر الوسائط المختلفة، تتفاقم الإعلانات والدعاية التجارية بشكل مذهل يوما بعد يوم، بل بالساعات، لمواجهة ذلك التحذير الياباني القديم والذي بات الأطباء الامريكان والاوربيون المشاهير يتحدثون به علنا.
والثلاثي الأبيض القاتل الخادع والمغري كما يسمونه احياناً، هو السكر والملح والطحين. ثمّة شركات عالمية كبرى تمتلك استثمارات بالمليارات لا يمكن ان تستسلم لتحذيرات صحية، وأنها قبل عدة سنوات وافقت على ان تعلن معلومات النشرات الغذائية بشكل دقيق على علب الأطعمة، كما قبلت بتخفيض ما نسبته ثلاثين بالمائة من السكر في الحلويات المباعة في بريطانيا، ولا توجد معلومات دقيقة عن بقية الدول.، كما انّ هناك شعوبا كاملة لاسيما في العالم الثالث لا تتوافر على أدنى توعية صحية وباتت الاعلانات التجارية للأغذية تغزو عقول الأطفال قبل بطونهم ومن ورائهم عوائلهم. لذلك يكون الصراع غير متكافيء.
في العراق لم نصل الى مرحلة التفكير « الرسمي» بهذه المخاطر والعمل على التنبيه اليها واتخاذ الإجراءات التي تحد منها. مَن هي الجهة التي يمكن أن تكون مسؤولة عن توعية الناس الى هذه المخاطر البيضاء، لكي لا تزداد نسبة السمنة التي باتت مظهرا بارزا في المجتمع العراقي، وحتى لا تتفاقم اعداد المصابين بمرض السكري وارتفاع الكوليسترول، ومن ثمّ الجلطات والنوبات القلبية. هناك مَن يقول انَّ اباءنا واجدادنا كانوا في صحة جيدة ولم يمتنعوا عن تناول “البياضات” الثلاثة، وهذا صحيح الى حد كبير ، لكن “بياضاتهم” الثلاثة كانت مختلفة ،مثلما كان نومهم مختلفا عن سهرنا الإدماني ، فالطحين كان يأتي من الحقول طبيعياً وخالياً من الإضافات حين يخرج من المطاحن الى بيوت الناس، وكانت السمن الحيواني يسود الموائد قبل غزو الزيوت المهدرجة، كما انّ اغراءات السكر لم تكن على هذه السعة، وكان للحلويات أوقات وطقوس محددة، فالعوامل الغذائية كانت مترابطة مع المناخ والبيئة، ولكن هذا الكلام لا يعني انّ غياب المعلومات الموثقة عن أمراض وفيات القرون الماضية ينفي وجود أسباب تلك الامراض ، لكن ليس على هذا الانتشار المشهود اليوم .
مَن الذي يمكنه أن يتولى في العراق التوعية الصحية التي تعني في ابرز وجوهها عنصراً من عناصر الأمن القومي في المجتمع ، أهي وزارة الصحة التي لم تتدبر انقاذ المستشفيات أم وزارة الثقافة التي ضيّعت دربها أم هيئة الاعلام الغارقة بملذات المناصب الكبيرة والفعل المعدوم؟
رئيس التحرير-الطبعة الدولية