انها مفارقة حقاً أن تجد الأقوياء يتحالفون ويتحدون، في حين ترى الضعفاء في فرقة ونزاع. أليس من المنطق أنه يستوجب على الضعفاء التعاون والتكاتف والتعاضد لكي يخففوا على شعوبهم ما يعيشونه من بؤس وفقر أو هوان على الناس!
ما الذي يقف وراء ذلك، ولماذا لا يتحالف أو حتى يتعاون الضعفاء؟ هل للأقوياء من دور في ذلك؟ هذا ما سأحاول أن القي الضوء عليه في هذا المقال.
في عالمنا اليوم يهيمن على العالم حلف النيتو العسكري وتحالف الاتحاد الاوروبي وتعاونهما، بعد سقوط حلف وارشو ومجلس التعاون الاقتصادي الشيوعي الكوميكون، وهم بتحالفاتهم هذه يسيطرون على العالم الى حد بعيد يصعب معه كسرهم، ناهيك عن تجاهل هذه التحالفات.
ازاء هذين التحالفين تعمل مجموعة من الدول الكبرى وغيرها على تفعيل تحالف اقتصادي سياسي هو تحالف دول البريكس ( البرازيل، الصين، روسيا، الهند، افريقيا الجنوبية وغيرها) التي تشكل ربع اقتصاديات العالم وتسعى لان يجري التعامل التجاري بعملتها كبديل عن الدولار الامريكي.
في أسس التحالفات
من المنطقي ان تقوم التحالفات على اشتراطات تنطلق من أهدافها وامكانات أعضائها وواقعيتها وعمليتها. كما ان للتحالفات اشتراطاتها السياسية والاقتصادية والأمنية ( المعلنة وغير المعلنة) والثقافية وكذلك الجغرافية في أحيان كثيرة. فمن الطبيعي ان تكون للتحالفات استراتيجياتها التي تحقق مصالح مضافة لأعضائها، وقد تلزمهم ببعض التنازلات والتكاليف. ان اي تحالف لا يحقق قوة مضافة لكل عضو فيه يكون مهدداً في استمراره، على الأقل استمرار العضو أو الأعضاء الذي أو الذين لا يجدون فيه من مصلحة.
ان خارطة العالم اليوم في ثرواتها وتمركز قواها ومصالحها قد دفعت الاقوياء ( عسكرياً أو اقتصادياً ) للتحالف مع بعضها للحفاظ على مراكز هذه القوة وادامة هيمنتها، من ناحية، وعلى العمل على ابقاء القوى الأخرى متفرقة ضعيفة أو جعلها تابعة أو عميلة لضمان تفوقها عليها من ناحية ثانية.
أما على الجانب الآخر فنجد ان الدول الضعيفة لا تقوى أو لا ترغب انظمتها بالتحالف مع بعضها لأسباب موضوعية حيث لا تجد اشباعاً لحاجاتها عند بعضها، أو لأنها تخشى غضب الأقوياء عليها وتوقف مساعدتها لها!
إن الأقوياء هم من يملكون السياسة والسلاح والعلم والتكنولوجيا والمال والإعلام، وهم من يطعمون ويعلمون ويحكمون ويقاضون ويحاسبون ويحددون من هو الجاني ومن هي الضحية! هذا هو واقع حال اليوم للأسف.
برلين، 28.03.2024