كنت سمعت ثرثرة كثيرة عن النص الأدبي المفتوح منذ أزيد من ثلاثين سنة .
حصل هذا في جلسات رائقات وظهيرات بائدات قضيتها والصحب بمقهى حسن عجمي البعيد وهي من أطيان الحيدرخانة وشارع الرشيد البغدادي الجميل .
كان ثمة خالد علي مصطفى ومالك المطلبي وشجاع العاني ومحمد مبارك وأحمد خلف وموسى كريدي وسامي مهدي وعبد الخالق الركابي وعبد الستار ناصر وذيول الستينيات والسبعينيات ، وطلائع جيل الثمينات الذي تقلى بطاوة الحرب واستوى على مقعد الكتابة الجديدة مؤمناً عارفاً عالماً فاهماً ، أو مدعياً استعراضياً جاهلاً ثرثاراً يهرف ولا يعرف !!
قالوا إن النص الحر هو ذلك البناء اللغوي الطيب الذي تتداخل فيه الأجناس الكتابية جلها وجلاجلها ، حيث تتعثر عيناك في هذه الوحدة القرائية المسبوكة ، بالقصة والقصيدة والسيناريو والسينما وتعدد زوايا النظر والإخراج والرسم ، في مكتوب واحد مؤطر بعنونة ملتبسة كما رأيتها وقلدتها في غير كتابة وكتاب وقصة .
الآن أشتهي أن أعكس ذلك المصطلح البهي المتين المخيف ، على ما أراه من زخيخ الطبخ ووفير النفخ في باب الطعام والشراب والتحلية وما حولها ، حيث تم تكسير ثوابت مطبخ الأم الرحيم اللذيذ الصحي ، وصار الطعام ملوناً منفتحاً على غيره من النظائر حتى لو كانت الخلطة بماعون واحد وقدر ويد .
صار الأكل اليوم نصاً مفتوحاً ، فلفة الهمبركر نام ببطنها اللحم ومعه شرائح جبن وأشياء أعجمية تعجم من مثل المايونيز والكجب والصاص ودبس الرمان والقرنابيط البنفسجي والخردل ، وقد تأتيك هذه الملفوفة متضخمة منفوخة على شكل طابقين عضتهما معاً محنة ولطع الأصابع مزنة وخرير الصاص مهنة ، وهذا ما لم يقع أبداً قبالة دكان ” أبو يونان ” الذي كان مشتولاً بباب ومقترب الكرادة الحلوة !!
الزلاطة التي كانت تقوم على ثلاثية الطماطة والخيار والبصل ، صار صحنها يتشاكل بقطع الجبن وسلمون السمك وفروخ طماطم بحجم لعبة الكريات الزجاجية ، والزيتون المشرشح والمحشي بالجزر ومبروش قشر الليمون وحب الرمان وقطع البقصم المكعبة والمسطحة والمنبعجة وهوسة عظمى يسمونها الفتوش ، وعلى وجهها الفستق والكازو ومكسرات أخرى مثل البندق والجوز واللوز كما أعلمتني حبيبتي إيمان الجميلة ، وهكذا دواليك ودواليها حتى يقامر المبدع الطباخ المجتهد بطبخ مرق الباميا العزيزة باللحم المفروم وأجنحة الدجاج ، وسيقدم لحم الخروف المشوي مع كاسة عسل للتغميس والتطميس والتلحيس !!
ثم أدخلوا لك على الشوربة الواحدة عشرة من أصناف الخضار التي منها البروكلي والشجر والبزاليا وفحل القرنابيط الناعم ولهانة بنفسجية ورشقة مطيبات ومنكهات ما كانت موجودة أصلاً في عربانة أم حسن بكراج النهضة ولا في دوحة عباس الأصلع بكراج علاوي الحلة !!
اليوم كتب الفلسطيني الإستثنائي العظيم الكريم الشجاع الفدائي نصه الإستطعامي الخاص الحلال ، فانفتحت نبتة الخبيزة العزيزة على أختها الحويمضة على أخياتها من حشائش وأتبان وزهرات وأعشاب كان بعضها مخلوطاً بدمٍ طهور وبقهرٍ مبين !!!