فاتح عبد السلام
بريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوربي والباحثة سريعا عن بدائل تجارية كبرى، من الهند حتى كندا، لم تنتظر أن تتحسن أحوال المفاوضات الصعبة مع الولايات المتحدة الممثلة بالحكومة الفيدرالية لإبرام اتفاق تجاري تعوّل لندن عليه كثيراً، فسارعت للاتفاق مع ولاية تكساس ذات الإمكانات التجارية والزراعية الضخمة والمتميزة.
النظام الفيدرالي يتيح تنويع الاقتصاد واغناءه، وهو نظام للنمو والازدهار لمَن يريد الإفادة من إمكاناته، وفي العراق ينص الدستور على النظام الاتحادي، الذي يتيح قيام الفيدراليات ، لكن هناك إساءة في فهم ما وضعوه بأنفسهم في الدستور، اذ لا تزال التجربة مقتصرة على إقليم كردستان، الذي بات وضعه مهددا بجدية بقرارات ذات طبيعة مركزية قد تنزع عنه تدريجياً ميزات النظام الفيدرالي حتى لو بقيت بالاسم والعنوان.
لندع الفيدرالية جانباً الان، كون الحديث فيها يطول ويتشعب ويصل الى اقصى المعاني المترادفة الافتراضية في عقول بعضهم وهي الانفصالية والاستقلالية ، وهذا لا وجود له في المعنى الدستوري للفيدرالية لدينا أو في التعريف العام بالعالم .
دعونا نقف عند مجالس المحافظات التي تتمتع بصلاحيات كثيرة، تشبه في بعضها المزايا الفيدرالية، كون القرارات لها استقلالية، وكون الحكم في بغداد لا يستطيع التدخل في اقالة محافظ أو حل مجلس محافظة الا بالإحالة الى البرلمان وعبر إجراءات ذات تعقيد كبير، لذلك نرى انّ إدارات المحافظات قادرة على تنتج اقتصاديات قابلة للتبادل التجاري الخارجي ، ولو عبر الشركات الخاصة ، بما ينشط الواقع الاقتصادي والمعيشي للمحافظة من جهة ويجعلها اقل اعتمادا على الموازنة المركزية من جهة أخرى .
لا يمكن ان تظل مجالس المحافظات استهلاكية غير منتجة، أي لا تتبنى سياسات تركيز خطط اقتصادية وزراعية تبعا لنوعية النشاط القابل للوجود في المحافظة. هناك محافظات تركية تتميز بأنواع بسيطة من الزراعة والانتاج الحيواني يغزو انتاجها بلدانا اوربية عبر التصدير المباشر أو من خلال الوكالات المركزية في بلدها، لماذا لا تولي المحافظات الجانب الإنتاجي الأهمية التي تتفوق حتى على الجانب الخدمي في حال وجوده ، لنتخلص قليلا من واقع سياسي متراخ وعقيم يجثم على صدور المحافظات.
لتتمثل كل إدارة لمحافظة معاني العمل الفيدرالي وروحه، من دون الذهاب الى التسميات التي تثير الحساسيات في المرحلة الراهنة.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية