فاتح عبد السلام
من المفترض ان تكون المفاوضات الجارية بين الجانب العراقي والامريكان حول الانسحاب أسهل من خلال هذه الحكومة في بغداد، ذلك انها تمثل الاطار السياسي الذي يتضمن رؤية الفصائل المسلحة الداعمة له والمتحالفة معه، ولو كانت الحكومة السابقة في موضع التفاوض لكانت العملية اصعب كونها ستكون «مفاوضات ثلاثية” من الناحية العملية، وليست ثنائية.
لكن المشهد لا يمكن اختصاره بالقول انّ هناك مفاوضات يطلب فيها العراقيون» الرسميون طبعاً» من القوات الامريكية الانسحاب النهائي من الأراضي العراقية، وهو ما لم تجرؤ اية دولة في العالم على القيام به، اذا كان القصد منه اجبار واشنطن على إيقاف برنامجها الخارجي في النفوذ العسكري والانتشار الميداني ضمن موازنات حادة مع القوى الكبرى الأخرى التي تضغط لإزاحة الولايات المتحدة عن مواضع معينة في الخارطة الدولية او جعلها في مواضع غير مريحة.
في اية مفاوضات هناك اخذ وعطاء وهناك وضع تاريخي للعلاقات بين الطرفين المتفاوضين لا يمكن تجاهل مكانه على الطاولة. سنفترض انّ القوات الامريكية وافقت على الانسحاب من العراق، فماذا يمكن للجانب العراقي ان يقدمه مقابل ذلك؟
أولا، سيكون هناك نقاش حول استحقاقات المعاهدة الاستراتيجية العراقية الامريكية، وكيف يمكن ان يجري تنفيذها، وكيف يمكن ان يؤثر حذف بند القوات العسكرية ووجودها في العراق من نص الاتفاقية؟
هل يبدو العراق مستعداً لتحمل “تكلفة” الاضطلاع بجميع مستحقاته المالية والامنية والعامة مع المجتمع الدولي من دون الغطاء الأمريكي الذي يمثل الضمانة للنظام العراقي السائد اليوم، وانّ مَن يرفض ذلك الغطاء، انما هو يجهل معنى ان يستمر الحكم في العراق من دون ذلك الغطاء، كونه لم يجرّب ان يسير بهذا المسار دقيقة واحدة منذ سقوط النظام السابق في العام 2003.
انّ توافر الإمكانات للتخلي عن الغطاء الأمريكي أمر مفرح للبلد، لكن ذلك ليس امنيات وتشدق تصريحات دعائية، وانما هو مهمة عظمى يضطلع بها بلد تتحرك جميع مساراته وتكويناته السياسية من اجل الانعتاق من التبعية لأية قوة عالمية وتكوين الاستقلالية الذاتية في الإنتاج والعلاقات والامن والبناء والدفاع، وهي مرحلة لم تصل اليها اية دولة في العالم حتى اليوم بما فيها دول كبرى. فكيف بحال بلد ينخره الفساد، ويبدو فيه ضياع مليار او مليارين من الدولارات مثل تبادل «وجهات نظر» تحتمل الخطأ والصواب.
ابنوا البلد على أسسس عراقية غير طائفية ودينية وجهوية وقومية، واقضوا على الفساد المتزايد، وبعد ذلك ستجدون العالم ذاته يخضع لطاولة مفاوضاتكم.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية