فاتح عبد السلام
اختلطت الأولويات، هناك مطلب وقف حرب غزة وقفا نهائيا، وهناك اجتماعات واتصالات لضمان تدفق المساعدات الدولية الى المحاصرين بالنيران والحدود منذ أربعة اشهر، وهناك وسط ذلك دعوات ومطالبات بحل الدولتين، على نحو لا تبدو منسجمة مع واقع دموي ، اذ لم تستطع السنوات الهادئة نسبيا السابقة وتحت رعاية للجنة الرباعية ان تحرك المفاوضات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية خطوة واحدة باتجاه قبول حل الدولتين، ذلك الحل الذي تدعمه واشنطن التي حيّرها وحرجها التعنت الإسرائيلي ولا تزال تكابر في التأييد الاعمى وعدم ممارسة نفوذها الضاغط على تل ابيب من أجل سير عجلة السلام .
امام هذا التراكم السلبي من التعاطي مع هذه الحرب التي دمرت قطاع غزة تدميرا مرعبا وحصدت أرواح آلاف المدنيين، تجري اتصالات واجتماعات عربية عالية المستوى، يظهر الزعماء العرب فيها وكأنّهم في مرحلة ما قبل هذه الحرب المرعبة، إذ نراهم يظهرون قدراً عالياً من ” الحيادية” التي يغلفها طعم الانحياز للموقف الإسرائيلي، في حين لا ترتقي جميع المواقف الى مستوى نصرة مليونين وثلاثمائة ألف محاصر من سكان القطاع المنكوب، الذين تلاشت خيارات النجاة لديهم.
يجب ألا نخلط الأوراق، ونرجع بهدوء الى البيانات الأولى لحركة حماس بعد وقوع هجوم السابع من أكتوبر، وكيف انها كانت، بعد توظيف شعار “المسجد الأقصى”، تدور حول قضيتين، الأولى: العمل من اجل اطلاق سراح الاف الاسرى في سجون إسرائيل، وبينهم نساء وأطفال، والثانية: هي فك الحصار عن قطاع ذي كثافة سكانية يعيش على كف عفريت طوال السنوات التي سبقت الحرب الأخيرة. مفتاح نزع فتيل هاتين الحجتين التي برروا فيهما الهجوم كان بيد إسرائيل وحدها، فهي تدرك ان الاعتقالات ستولد الانفجار القاتل، وان خنق القطاع بالحصار ليس وراءه سوى وقوع نفس الانفجار على المدى الطويل. القيادات الإسرائيلية هربت الى امام طويلاً، لاسيما بعد ان وضعت دولاً عربية على سكة التطبيع، وانحشرت القضية الفلسطينية في زاوية ضيقة.
الزيارة الخامسة لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن، لا يمكن ان تقفز فوق حقائق شاخصة في الواقع، ذلك انّ حسم هذه الحرب بالقوة الغاشمة ليس حلاً للصراع، بل بداية جديدة له، من زوايا أخرى وفي توقيتات مختلفة.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية