الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العالم‭ ‬طوبة

بواسطة azzaman

العالم‭ ‬طوبة

حسن‭ ‬النواب

 

لا‭ ‬أدري‭ ‬إنْ‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دولٌ‭ ‬عربيةٌ‭ ‬غير‭ ‬وطني‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬تُطلق‭ ‬على‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬تسمية‭ “‬طوبه‭”‬،‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬معجم‭ ‬المعاني‭ ‬وجدت‭ ‬أنَّ‭ ‬معنى‭ ‬طوبة‭ ‬هو‭ ‬اللبنة‭ ‬المحروقة،‭ ‬ولها‭ ‬معنىً‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬خامس‭ ‬الشهور‭ ‬القبطية،‭ ‬ومن‭ ‬اشتقاقاتها‭ ‬مفردة‭ ‬طوباوي‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الكائن‭ ‬الذي‭ ‬يحلّق‭ ‬بأفكاره‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬سحر‭ ‬الكرة‭ ‬المستديرة‭ ‬ستجعلنا‭ ‬طوباويين‭ ‬حقاً،‭ ‬عندما‭ ‬نشاهد‭ ‬بمتعة‭ ‬وشوق‭ ‬مباراتها‭ ‬التي‭ ‬تجرى‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬الدوحة‭ ‬وكوت‭ ‬ديفوار‭ ‬والتي‭ ‬ستلعب‭ ‬طوبة‭ ‬بعشاق‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة؛‭ ‬حيث‭ ‬الصراع‭ ‬الملتهب‭ ‬بين‭ ‬المنتخبات‭ ‬التي‭ ‬تتنافس‭ ‬للظفر‭ ‬بكأس‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬المصنوعان‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬الخالص،‭ ‬والعبرة‭ ‬ليست‭ ‬بحصاد‭ ‬الذهب،‭ ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬المعدن‭ ‬الثمين‭ ‬سنجد‭ ‬أنَّ‭ ‬الدول‭ ‬النفطية‭ ‬بوسعها‭ ‬صناعة‭ ‬كأس‭ ‬عملاقة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المعدن‭ ‬الثمين،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬الفوز‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬معنوياً‭ ‬حين‭ ‬ترنو‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬منتخب‭ ‬الحظ‭ ‬السعيد‭ ‬الذي‭ ‬يظفر‭ ‬بالكأس‭ ‬أخيراً،‭ ‬ولمباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬مواقف‭ ‬وأحداث‭ ‬تراجكوميدية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أنْ‭ ‬تُبلى‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬شغفي‭ ‬بمتابعة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭  ‬في‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬وصادفت‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬الامتحانات‭ ‬الوزارية‭ ‬لما‭ ‬كنت‭ ‬طالباً‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬الإعدادي،‭ ‬وكان‭ ‬البث‭ ‬الملون‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز‭ ‬العراقية‭ ‬حديثاً،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬النقل‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬يحدث‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬وكان‭ ‬الفريق‭ ‬العربي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬نتابعه‭ ‬بشغف‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البطولة‭ ‬هو‭ ‬المنتخب‭ ‬التونسي،‭ ‬خاصة‭ ‬كرة‭ ‬تميم‭ ‬حازمي‭ ‬التي‭ ‬ارتدت‭ ‬من‭ ‬عارضة‭ ‬المنتخب‭ ‬الألماني،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البطولة‭ ‬حقق‭ ‬الفريق‭ ‬التونسي‭ ‬أو‭ ‬فوز‭ ‬عربي‭ ‬بكأس‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬فريق‭ ‬المكسيك‭ ‬وبفوز‭ ‬عريض‭ ‬كان‭ ‬ثلاثة‭ ‬أهداف‭ ‬مقابل‭ ‬هدف‭ ‬واحد،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬أهملت‭ ‬مطالعة‭ ‬دروسي‭ ‬وفضلت‭ ‬متابعة‭ ‬مباراة‭ ‬البطولة،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬أنَّ‭ ‬نتيجة‭ ‬الامتحان‭ ‬جاءت‭ ‬باهرة‭ ‬وأحرزتُ‭ ‬معدلاً‭ ‬تجاوز‭ ‬الخمسة‭ ‬والسبعين‭ ‬بالمئة‭ ‬وسط‭ ‬ذهولي‭ ‬ودهشة‭ ‬العائلة‭. ‬وعندما‭ ‬جاءت‭ ‬بطولة‭ ‬1982‭ ‬كان‭ ‬وطني‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬بحرب‭ ‬ضروس‭ ‬مع‭ ‬الجارة‭ ‬إيران،‭ ‬وكانت‭ ‬الشقيقة‭ ‬الجزائر‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬صعوداً‭ ‬لافتاً‭ ‬في‭ ‬نتائجها‭ ‬بتلك‭ ‬البطولة‭ ‬العالمية،‭ ‬لولا‭ ‬المؤامرة‭ ‬الخبيثة‭ ‬بين‭ ‬ألمانيا‭ ‬والنمسا‭ ‬التي‭ ‬أبعدت‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬الصعود‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الثاني،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1986‭ ‬كان‭ ‬العرس‭ ‬العراقي‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬مونديال‭ ‬المكسيك،‭ ‬مع‭ ‬أغنية‭ ‬المطربة‭ ‬الراحلة‭ ‬ربيعة‭ ‬التي‭ ‬غنّت‭ ‬لهُ‭ ” ‬منتخبنه‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬حضرناله‭ ‬شموع‭ ‬وكيك‭”. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البطولة‭ ‬قررت‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬كتيبة‭ ‬الدبابات‭ ‬لمتابعة‭ ‬مباراة‭ ‬منتخب‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بثلاث‭ ‬خسائر‭ ‬متتالية‭ ‬مع‭ ‬منتخبات‭ ‬بارغواي‭ ‬وبلجيكا‭ ‬والمكسيك‭ ‬مضيفة‭ ‬البطولة،‭ ‬وخرجنا‭ ‬بهدف‭ ‬يتيم‭ ‬سجله‭ ‬اللاعب‭ ‬الساحر‭ ‬أحمد‭ ‬راضي‭ ‬بمرمى‭ ‬حارس‭ ‬مرمى‭ ‬بلجيكا‭ ‬التي‭ ‬احتلت‭ ‬المركز‭ ‬الرابع‭ ‬بتلك‭ ‬البطولة،‭ ‬وهو‭ ‬الهدف‭ ‬العراقي‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬خزانة‭ ‬اتحاد‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬العراقي،‭ ‬ولما‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬وحدتي‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬عوقبت‭ ‬بالسجن‭ ‬لمدة‭ ‬شهر‭ ‬مع‭ ‬الأشغال‭ ‬الشاقة‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الكتيبة،‭ ‬والواقع‭ ‬أنَّ‭ ‬لهفتي‭ ‬لمتابعة‭ ‬مباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬لا‭ ‬تنافسها‭ ‬هواية‭ ‬أخرى‭ ‬سوى‭ ‬التسكع‭ ‬تحت‭ ‬نثيث‭ ‬المطر،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬جميعا‭ ‬نتابع‭ ‬بطولة‭ ‬أمم‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منافستها‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬وعيوننا‭ ‬تراقب‭ ‬بقلق‭ ‬منتخبنا‭ ‬بهذه‭ ‬البطولة‭ ‬التي‭ ‬تتصف‭ ‬بالإثارة‭ ‬حد‭ ‬احتباس‭ ‬الأنفاس،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬منتخب‭ ‬وطني‭ ‬سيكون‭ ‬اختياري‭ ‬الأول‭ ‬بمتابعته،‭ ‬غير‭ ‬إني‭ ‬سأكون‭ ‬صراحة‭ ‬متابعاً‭ ‬بحرص‭ ‬إلى‭ ‬مباراة‭ ‬وطني‭ ‬البديل‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬وأعني‭ ‬به‭ ‬بلاد‭ ‬الكناغر‭ ‬أستراليا‭ ‬شرط‭ ‬أنْ‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬خصمه‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭. ‬وبرغم‭ ‬أنَّ‭ ‬الأستراليين‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬لعبتهم‭ ‬الأثيرة،‭ ‬إنَّما‭ ‬هم‭ ‬شغوفون‭ ‬بكرة‭ ‬الركبي‭ ‬التي‭ ‬تجعلهم‭ ‬أشبه‭ ‬بالمجانين‭ ‬حين‭ ‬يجتمعون‭ ‬لمشاهدتها‭ ‬في‭ ‬الحانات‭ ‬أو‭ ‬أمام‭ ‬شاشات‭ ‬عملاقة‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬المدن،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬وطني‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬من‭ ‬تجعل‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬واحد،‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬هل‭ ‬أنَّ‭ ‬الساسة‭ ‬الفاسدين‭ ‬سيتوقفون‭ ‬عن‭ ‬سرقة‭ ‬خيرات‭ ‬البلاد‭ ‬ويتابعون‭ ‬مثل‭ ‬باقي‭ ‬الخليقة‭ ‬منافسات‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬أم‭ ‬أنهم‭ ‬سينتهزون‭ ‬انشغال‭ ‬الناس‭ ‬بالساحرة‭ ‬المستديرة‭ ‬وينفذون‭ ‬صفقاتهم‭ ‬المالية‭. ‬وتبقى‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬فرصة‭ ‬رائعة‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬المسالم‭ ‬للتمتع‭ ‬بأحداثها‭ ‬المثيرة‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تتكرر‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬هل‭ ‬أنَّ‭ ‬أعمارنا‭ ‬المثقلة‭ ‬بالأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬ستسعفنا‭ ‬لنشاهد‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬عام‭ ‬2026،‭ ‬وبمناسبة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الطوبة،‭ ‬ثمة‭ ‬سؤال‭ ‬طوباوي‭ ‬بريء‭ ‬يلاحقني‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأرواح‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬رحلت‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬من‭ ‬شهداء‭ ‬وضحايا‭ ‬أبرياء،‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬بوسعهم‭ ‬مشاهدة‭ ‬مباراة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬المدهشة‭ ‬ومنهم‭ ‬أخي‭ ‬الراحل‭ ‬علي‭ ‬النواب؛‭ ‬وهل‭ ‬شاهد‭ ‬مباراتنا‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بفوز‭ ‬باهر‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً؛‭ ‬وهل‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬أنَّ‭ ‬السماء‭ ‬الشاسعة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬ملاعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬هناك؛‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬المحزن‭ ‬أنْ‭ ‬تكون‭ ‬الفراديس‭ ‬الساحرة‭ ‬بلا‭ ‬طوبة‭. ‬

 


مشاهدات 248
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2024/01/22 - 3:57 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 1:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 366 الشهر 11490 الكلي 9362027
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير