الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كاريزما‭ ‬دول‭ ‬واشخاص

بواسطة azzaman

كاريزما‭ ‬دول‭ ‬واشخاص

نبراس المعموري

 

يعد‭ ‬الخطاب‭  ‬أداة‭ ‬مهمة‭ ‬للفاعلين‭ ‬السياسيين؛‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اثر‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬اقناع‭ ‬الجمهور‭ ‬الموجه‭ ‬لهم‭ ‬الخطاب،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬والطرق‭ ‬المدعمة‭ ‬بالحجج‭ ‬والبراهين،‭ ‬والوسائل‭ ‬اللغوية‭ ‬والمنطقية‭ ‬الصحيحة‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬ظروف‭ ‬ومتطلبات‭ ‬ذلك‭ ‬الجمهور‭.  ‬

و‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬استخدم‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬كوسيلة‭ ‬أساسية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقناع‭ ‬الجمهور‭ ‬والتحدث‭ ‬عن‭ ‬مشكلات‭ ‬و‭ ‬وعود‭ ‬لحلها،‭ ‬اتصفت‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬بالعاطفية‭ ‬خاصة‭ ‬ابان‭ ‬المزاج‭ ‬الثوري‭ ‬والقومي‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ومصر‭. ‬

لقد‭ ‬سُميت‭ ‬السياسة‭ ‬ضمن‭ ‬المنظور‭ ‬الاكاديمي‭ ‬والعلمي‭ ‬بالعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬لأنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعدة‭ ‬علوم‭ ‬منها‭ ‬علم‭ ‬النفس؛‭ ‬فمن‭ ‬يمارس‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬ويفقه‭ ‬المزاج‭ ‬الحاصل‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬الجماهير،‭ ‬فالجمهور‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬المنطق‭ ‬ولا‭ ‬اللغة‭ ‬العقلانية‭ ‬ولا‭ ‬النظريات،‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬خطاباتٍ‭ ‬تُشبع‭ ‬رغباته‭ ‬واحتياجاته‭ ‬ويستجيب‭ ‬لمتطلباته،‭ ‬وقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬اغلب‭ ‬الزعامات‭ ‬السياسية‭ ‬ابان‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬هذا‭ ‬الاسلوب‭ ‬والتوجه‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬وكان‭ ‬يشفع‭ ‬لها‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬توجه‭ ‬الخطاب‭ ‬بطريقة‭ ‬تبدو‭ ‬عاطفية‭ ‬او‭ ‬ثورية‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬اغلب‭ ‬الزعامات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الخطاب‭ ‬مقبولا‭ ‬وصولا‭ ‬للغاية‭ ‬التي‭ ‬اعد‭ ‬من‭ ‬اجلها‭. ‬

‭ ‬بعبارة‭ ‬اخرى‭ ‬استطاع‭ ‬العدد‭ ‬الاكبر‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬العقلنة‭ ‬والعاطفة‭ ‬بتضمين‭ ‬خطاباتهم‭ ‬دلالات‭ ‬الأمل‭ ‬وخططا‭ ‬بديلة‭ ‬يتشاركها‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬سبل‭ ‬لتطوير‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬بقائهم‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬لسنوات‭ ‬بل‭ ‬احيانا‭ ‬توارثوا‭ ‬تلك‭ ‬الزعامات‭ ‬ليكونوا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬رموز‭ ‬خلدها‭ ‬التاريخ‭ ‬والبعض‭ ‬الاخر‭ ‬ديكتاتوريات‭ ‬حكمت‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭. ‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬اهمية‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬واجه‭ ‬مشاكل‭ ‬عدة‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والاعلامية‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬ب‭ ( ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ) ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬مرحلة‭ ‬تحول‭ ‬استثنائي‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬نظامها‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لولادة‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬وهذا‭ ‬ادى‭ ‬الى‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خصائص‭ ‬وعناصر‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬مثل‭ ‬اشكال‭ ‬وادوات‭ ‬نقل‭ ‬الخطاب‭ ‬ونوعية‭ ‬الاشخاص‭ ‬الذين‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتقهم‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المضمون‭ ‬والكاريزما‭ ‬والتأثير‭ ‬وطبيعة‭ ‬توجهاتهم‭ ‬والجهات‭ ‬التي‭ ‬يمثلونها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬مسارات‭ ‬النضج‭ ‬في‭ ‬مضمون‭ ‬الخطاب‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتضاءل‭ ‬لتبدو‭ (‬أَنوية‭) ‬واحيانا‭ (‬سطحية‭ ) ‬؛‭ ‬فيكون‭ ‬اما‭ ‬سلسلة‭ ‬مديح‭ ‬واستعراض‭ ‬ومؤازرة‭ ‬دون‭ ‬الخروج‭ ‬برسالة‭ ‬واضحة‭ ‬تؤدي‭ ‬الهدف‭ ‬والوظيفة،‭ ‬او‭ ‬خطاب‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬طابع‭ ‬النكتة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬القائد‭ ‬او‭ ‬المسؤول‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬محط‭ ‬سخرية‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬

ور‭ ‬بما‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الاستعراض‭ ‬في‭ ‬التصريحات‭ ‬والخطابات‭ ‬السياسية‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬منظمة‭ ‬او‭ ‬مدروسة‭ ‬هو‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬ومحاولة‭ ‬لرفع‭ ‬عدد‭ ‬المشاهدات‭ ‬والمتابعين‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دون‭ ‬الاكتراث‭ ‬لما‭ ‬سيترتب‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭. ‬

ان‭ ‬تغير‭ ‬نوعية‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تلك‭ ‬التحولات‭ ‬انتج‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬عكس‭ ‬مستواهم‭ ‬الحقيقي‭!! ‬ومدى‭ ‬المامهم‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬بالعمل‭ ‬السياسي‭ ‬والحزبي،‭ ‬فالمتتبع‭ ‬للشأن‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والعراقي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬يدرك‭ ‬جيدا‭ ‬المستوى‭ ‬المحدود‭ ‬لتلك‭ ‬الشريحة‭ ‬الجديدة‭ ‬ويعي‭ ‬تمام‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الاحزاب‭ ‬او‭ ‬الكيانات‭ ‬التي‭ ‬تمثلها‭ ‬تلك‭ ‬الشريحة‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لتسيير‭ ‬شؤونها‭ ‬ولم‭ ‬تخطط‭ ‬لأهدافها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬ولا‭ ‬القريب؛‭ ‬فكيف‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تصنع‭ ‬خطابا‭ ‬سياسيا‭ ‬ناضجا‭ ‬او‭ ‬على‭ ‬اقل‭ ‬تقدير‭ ‬مقنعا‭. ‬

من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ ‬ان‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العراق‭ ‬يمر‭ ‬بظاهرة‭ ‬مرضية‭ ‬بعد‭ ‬إصابته‭ ‬بالخرف‭ ‬والقصور‭ ‬في‭ ‬النوعية‭ ‬والمضمون‭ ‬والحضور‭ ‬وعدم‭ ‬الوعي‭ ‬بالتبعات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬خطابات‭ ‬عفوية‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي‭. ‬


مشاهدات 203
الكاتب نبراس المعموري
أضيف 2024/01/13 - 2:57 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 9:10 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 11445 الكلي 9361982
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير