الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكرم  شجاعة لو كان بمحله

بواسطة azzaman

الكرم  شجاعة لو كان بمحله

 

احسان باشي العتابي

 

أقوال وأفعال كل أنسان،هي دائمًا من تكشف حقيقة معدنه؛ مهما حاول أن يخفيها ،سواء بالإيجاب أو السلب حتى.والكرم صفة تلازم صاحبها منذ نعومة أظفاره، حتى في أسوأ الظروف ؛والكرم هنا لا أعني فيه العطاء المادي فقط، بل كل ما يستطيع أن يقدمه الأنسان للأخرين دون مقابل، لهذا قيل أن «الكرم شجاعة» وهو أكيدًا من فضائل الأخلاق، التي لا يتحلى بها سوى أهلها.

ومن بين شعوب المنطقة والعالم، التي عرفت بالكرم والجود، هم العراقيين؛ بل لعلهم فاقوا تلك الشعوب أجمع ،بتلك الصفتين.لهذا نجد تلك الشعوب قاطبة ، تقف عاجزة أمام ما يقدمه العراقيون بهذا الشأن!وللأمانة صفة الكرم لدى العراقيين، لم تقتصر فقط على بذل الأموال، والمأكل والمشرب وما شابههما، بل شملت بذل الدماء والأرواح، من أجل الغير ممن تنخى بهم ؛والتأريخ يشهد لهم بذلك.

وما خليجي 25 ،الذي أقيم في المدينة الرياضية ،بمحافظة البصرة الفيحاء ؛عنا ببعيد، حيث أن الحيرة ،تملكت جميع الأخوة المشاركين بالبطولة؛من رياضيين وأداريين واعلاميين ومشجعين،بسبب حفاوة الترحيب وكرم الضيافة الذي فاق الوصف.

ومن بين أكثر صور الكرم، التي اتصف بها العراقيون عامة، صور الكرم في محافظات الجنوب والوسط والفرات الأوسط من البلاد، بسبب عقيدة الأعم الأغلب من قاطنيها، إزاء قضية مقتل الأمام الحسين بن علي (عليهما السلام)؛ في واقعة كربلاء آنذاك.والتي تصادف ذكراها،في الأول من محرم الحرام من كل عام؛ إذ تقام المواكب التي توفر كل ما يحتاجه الأنسان، من مأكل ومشرب،حبًا بصاحب المناسبة، ناهينا كذلك عما تقدمه العوائل فيما بينها للسبب ذاته. وتأخذ مبادرات الكرم تلك بالزيادة، حين اقتراب موعد الزيارة الاربعينية، حيث يبدأ المهتمون بها، بتوفير كل ما يحتاجه الزوار ،مذ خروجهم من منازلهم، حتى بلوغ مقصدهم في محافظة كربلاء.

منحى إخر

كل صور الكرم والجود تلك ،جميلة ولا غبار عليها،بل إني أقف اجلالاً وإكرامًا ،لمن سعى فيها ؛أيًا كان مبتغاه ،لإنه بالنتيجة عمل بما جبل عليه من جهة، وما  يؤمن به من جهة أخرى.لكن كم سيكون جميلًا ، إذا ما أخذت صور ذلك الكرم منحى أخر، حيث تتجلى حينها فيه، كل معان الإنسانية، والقيم الأخلاقية العالية، وأدبيات المعتقد الذي يعتقده كل منا. من قبيل شحذ الهمم، إزاء كل أنسان يحتاج لوقفة جادة ،من الممكن أن تكفيه العوز، الذي قد يكون أفقده كرامته فضلًا عن إنسانيته ،أو أن نهبه إستمرارية الحياة، التي من الممكن،أن تسلبها منه علة اعتل بها؛وغير تلك الأمور، التي من الممكن إذا ما بحثنا عنها، سنجدها لدى الكثير ممن يحيطون بنا. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، قرأت حديثًا مرويًا جاء فيه(لا صدقة وذو رحم محتاج).فلو سخر كل شخص من أولئك الكرماء جهوده ،إزاء من يصله بنسب أو سبب ،لربما لن نجد اليوم محتاج قط.

وكذلك يحضرني قول عز من قائل، في محكم كتابه العزيز(ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرا )،حيث ورد في كتب التفسير، أنها نزلت بحق علي وأهل بيته(عليهم السلام)؛ لإنه تصدق وقتها بطعامه وطمام عياله لثلاثة أيام متتالية، مكتفين بشرب الماء ،ولولا الإطالة على القارىء الكريم، لتحدثت عنها بالتفصيل كما وردت بكتب التأريخ.

امور مستحبة

والأكثر من ذلك كله، فلو تمعنا قليلًا بكتب الفقه الدين الاسلامي تحديدًا ،سنجد أن فريضة الحج ،لم تشمل إلا من أستطاع أليه سبيلا؛ كذلك فيه تفصيل،لكن  لا يسع المقام للخوض فيه. فإذا كانت تلك توجهات الإله الخالق الآمر الناهي،ومن بعده الذين جعلوا للناس أنبياء ورسل وأئمة ،فلماذا نخالفهم ونحن ندعي بهم؟!ما أود قوله.. أن الطقوس اياً كانت توجهاتها، تبقى أمورًا مستحبة، لا يعاقب الإنسان أن أمتنع عن أداءها، سواء بسبب أو بدونه؛ ويبقى رضا الخالق عظيماً وعطاياه أعظم ،إذا ما فرج أحدنا كربة من كرب الدنيا عن أخيه ،فضلًا عما إذًا كان سببًا بإحيائه ،ولنتذكر أن من أحيا نفسًا كأنما أحيا الناس جميعاً.والاخ هنا ليس بالضرورة أن يكون أخًا بالنسب،فقد يكون أخًا بالسبب، كما عبر عن ذلك سيد البلغاء علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بوصيته لمالك الأشتر قائلًا «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». وبحسب ما تقدم من براهين، فإني أرى أن حقيقة الكرم والجود، هو أن نضع ما نتمكن من بذله في محله المرتجى.

آنا واثق أن المنتفعين وبسطاء التفكير،على حد سواء،لا يروق لهم كلامي،والذي سوف يكون سبباً للطعن بي،بما اعتادوا عليه، إزاء كل صاحب فكر منطقي

يخالف توجهاتهم؛ وعلى رأس تلك الطعون، أني مبغض للحسين ،ولا فرق بيني وبين قتلته! وأن أسلوبي الناعم هذا، هو مجرد كلمة حق يراد بها الباطل، الذي ابغيه من هكذا طرح! لهذا ليكن في اعتبار، كل من يسلك طريق تسقيط الأخرين، ممن يخالفونه بالرأي،آنا لم ولن أقصد منع الزيارة بالمطلق، بل أقصد أن الزيارة تكون، عبر ركوب وسائل النقل التقليدية الحديثة.

 لمن أراد تأديتها ،وبهذا أولًا نكون قد وفرنا تلك الأموال الطائلة، التي تنفق من أجل تقديم كل ما يحتاجه الزائر بطريق مسيرته الراجلة ؛وثانيًا نكون قد تجنبنا تعطيل الحياة أكثر ما هي معطلة في البلاد،وهذا الأمر لا يستطيع نكرانه أحد،وثالثًا نكون قد خففنا عن كاهل الأجهزة الحكومية، عبء كبير من شأنها استغلاله بقضايا أكثر أهمية للبلاد.

الخلاصة هي..أن كلامي موجه لمن أغلق عقله، وأمات ضميره، وحشد جوارحه كلها، بالضد من كلام العقل والمنطق؛عسى ولعل أن يتدارك نفسه،قبل أن يلاقي مصيره المحتوم،الذي سنلاقيه جميعاً يوماً ما،ولات حين مناص.

والسلام على من أتبع الهدى!


مشاهدات 101
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2023/09/19 - 5:30 PM
آخر تحديث 2023/10/01 - 12:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 242 الشهر 242 الكلي 8906160
الوقت الآن
الأحد 2023/10/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير