الفرقة الملتهبة في النجف (الشمرت والزكرت) في كتاب جديد
عادل الياسري
كشف الباحث والمؤرخ الأستاذ حمزة الخالدي، مؤسس متحف النجف، عن معطيات جديدة ومهمة حول حركة الشمرت والزكرت في النجف، وذلك من خلال بحثه الموسوم «حركة الشمرت والزكرت في مدينة النجف الأشرف خلال مئة عام»، الواقع في (250) صفحة، والذي يُعد إضافة نوعية للمكتبة التاريخية العراقية.
اعتمد الخالدي في بحثه على الوثائق العثمانية المحفوظة في أرشيف إسطنبول، حيث يشير إلى أن عدد الوثائق المتعلقة بالنجف يقارب (1200) وثيقة، يعود معظمها إلى أواخر العهد العثماني في العراق، وقد عرض منها (167) وثيقة مع أرقامها وموضوعاتها وصورها، ما يمنح البحث قيمة توثيقية عالية.
ويرى الباحث أن حركة الشمرت والزكرت لم تكن عشيرة أو فرقة دينية، بل تحالفًا مناطقيًا لمحلات مدينة النجف، نشأ بعد انقسام المجتمع النجفي الذي كان موحدًا في مواجهة الهجمات الوهابية. ويحدد مركز الشمرت في محلة المشراق، ومركز الزكرت في محلة العمارة (المدينة القديمة).
وتُظهر الوثائق – كما يبين البحث – أن الطرفين كانا من العرب الأقحاح، رغم وجود جاليات غير عربية في النجف، وأن هذا الانقسام لم يكن معزولًا عن تدخلات إقليمية، ولا سيما الإيرانية والتركية، بل وحتى الروسية القيصرية، بحجة حماية رعاياها ومصالحها، رغم محدودية وجودهم مقارنة بالإيرانيين والبريطانيين (الهنود والباكستانيين).
كما يسلط الخالدي الضوء على مبالغة الوثائق العثمانية في تقدير أعداد الرعايا الأجانب في النجف، وهو ما يبدو مرتبطًا بتبرير زيادة القوات والإنفاق المالي تحت ذريعة حماية الجاليات الأجنبية. ويؤكد الباحث أن ذروة الصراع بين الشمرت والزكرت استمرت أربع سنوات، تخللتها فترات قتال متقطعة، وأن اتحاد الطرفين في مرحلة لاحقة حوّل الصراع باتجاه الجالية الإيرانية في النجف.
ولا يكتفي الخالدي بالسرد، بل يحلل الوثيقة ويناقشها وينتقد بعض المصادر التقليدية، مثل كتاب ماضي النجف وحاضرها لمحبوبة، المعروف بضعف توثيقه، وهو ما أشار إليه عدد من الباحثين وأصحاب المذكرات، وفي مقدمتهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
ويبيّن البحث أن جماعة الشمرت كانت الأكثر اصطدامًا مع السلطة العثمانية، وأن العديد من زعمائها قُتلوا أو نُفوا، بينما تشير تقارير الاستخبارات البريطانية إلى تعاون بعض قادة الزكرت مع إدارة الاحتلال البريطاني في النجف أثناء انتفاضة آذار 1918.
كما يعرض الكتاب وثائق مهمة تتعلق بالأوقاف الخيرية، ويوضح كيف استخدم البريطانيون أموال الوقف لبسط نفوذهم على المدن الدينية في العراق، ولا سيما النجف وكربلاء، وصولًا إلى انتهاء حركة الشمرت والزكرت مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
يبقى السؤال الذي يطرحه هذا البحث مفتوحًا: لماذا لم نطلع حتى اليوم على الوثائق الفارسية المتعلقة بهذه الأحداث، رغم وفرة الوثائق العثمانية والبريطانية؟ وهل يعود ذلك إلى غيابها، أم إلى تقصير في الكشف عنها؟
إن كتاب الأستاذ حمزة الخالدي يمثل جهدًا علميًا جادًا، ويستحق القراءة والاهتمام، لما يقدمه من فهم أعمق للبنية الاجتماعية والسياسية لمدينة النجف في مرحلة مفصلية من تاريخها.