سايكولوجيا الحسد
قاسم حسين صالح
اذكر أنني عندما كنت طفلا» وضعت امي في رقبتي قلادة تتدلى بوسطها « خرزه « زرقاء بسبعة ثقوب . وحين صرت شابا» استبدلت تلك القلادة بخاتم في اصبعي بفص ازرق ايضا..علمت بعد حين ان ( ام سبع عيون ) و ( المحبس الازرق ) يطردان خطر العيون ، الزرقاء بشكل خاص ، ويقياني من الحسود ، لأنني كنت ( اخر العنقود! ) .وقد تلقيت رسالة من قارئة، وكانت قصتها شبيهة بمسلسل»عايزه اتجوز» تقول:ان كنت لا تؤمن بالحسد فعسى ان تغير رأيك بعد ان تعرف قصتي. لست جميلة جدا»، ولكنني اجمل من فتيات كثيرات بعمري تزوجن وارتحنّ ، ولست اقل منهن حسبا» ونسبا. وقد تقدم لي اكثر من خطيب ولكنني كنت هدفا» لحسد الكثيرات ،فاحترت واحتار اهلي في ان نجد سبيلا» لفهم مشكلتي ، واقنعتني امي بضرورة الالتجاء الى (عرّافه).وذهبت الفتاة للعرّافة فاخبرتها بأن هنالك « عملا « قام به حاسد اوحاسده وستقوم بابطاله..ولم ينفع ما قامت به ، فأشاروا عليها بالذهاب الى « عرّاف « أقوى و « أقدر»..وظلت المسكينة « تفتر!. وليس هذا موضوعنا ، فنحن جميعا نعرف ان الحسد يعني تمنّي ان تتحول للحاسد نعمة أو فضيلة المحسود أو زوالهما . ولكن ما لا يعلمه كثيرون هو الآلية النفسية التي يعمل بها الحسد لدى الحاسد والمحسود ، نوجزها لكم بالآتي:
يجد المحسود في الحسد تفسيرا لنكبة فجائية حلّت به أو ضررا اصابه في ممتلكاته ، أو زوال ما كان يحظى به من جاه أو امتياز . والتفسير بالحسد يرضي المحسود ويرتاح له بينه وبين نفسه لأنه يشعره بامتيازه عن الآخرين ( في مال أو جاه أو ولد أو مركز وظيفي ) ويقوم في الوقت نفسه باسقاط المهانة الذاتية والنوايا العدوانية على الحاسد ، فيما يقوم الانسان المحروم ( الحاسد ) باسقاط رغبته الذاتية الدفينة في سلب الآخر ما يتمتع به من حظ ، وتمنيه لامتلاك دور المحظوظ ، نابعة من عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر الحرمان . ومع أن الحسد له صفة طبقية ، فالحاسدون هم طبقة المحرومين والمحسودون هم طبقة الأغنياء،الا أنه يمارس ايضا بين أفراد الطبقة الواحدة . فالمدير العام يحسد الوزير ، والسائق الذي اشترى سيارة كوستر آخر موديل، يكتب عليها من الخارج « الحسود لا يسود « ويرسم بداخلها عينا مفقوءة بسهم ..يقصد بها عيون الركاب من المحرومين.
ولأن العين هي اداة الحسد ، التي يرى فيها المحسود ان نظرة ( ليزريه ! ) منها تجلب له مصيبة وقد تحرق حظه! ، فأنه يتقيها بان يعلّق حذاءا على باب داره ، أويضع محبسا» بشذرة زرقاء في اصبعه.والمفارقه ، ان كثيرا» ممن نطّوا- بعد التغيير - الى أبعد من حدود الأحلام، قد لبسوا هذه المحابس، وربما وضعوا اكثر من « نعال « على ابواب بيوتهم !.. يتقون بها شرّ عيون الحاسدين من المحرومين الذين صارت مصائرهم بأيديهم!.
□ مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية