جماعة جمعة مباركة
فاتح عبد السلام
هناك عادات اجتماعية أفرزتها التكنولوجيا والاتصالات الحديثة باتت في نظر كثير من الناس ضارة، وقد لا يرى فيها اخرون مشكلة ما.
هناك يوم في الاسبوع تتدفق فيه الرسائل على هواتفنا النقالة من اغلبية الأسماء الواردة في قائمتنا الهاتفية، تحمل جملة واحدة هي جمعة مباركة. وتأتي الجملة بصيغ مختلفة منها لوحة فنية ذات دلالة دينية او دعاء طويل او آية قرآنية كريمة. وهذه الرسالة الأسبوعية المنتظمة هي خيار المرسل في التواصل مع أصدقائه واقاربه، لكنها مع التكرار سنوات عديدة تحولت الى روتين من دون حرارة التواصل، حتى ان كثيرا من الناس لا يفتحون تلك الرسائل. لولا التكنولوجيا التي توفر تطبيقات مجانية لم تكن تلك العادة قائمة لأنها مكلفة مادياً إذا جرى ارسال رسالة جمعة مباركة عبر الهاتف النقال العادي.
هذه الرسائل التي لا يرد عليها في الغالب بدأت تفقد زخمها في الأهمية كوسيلة للتواصل، وباتت مثل اسقاط فرض او اثبات حضور، ربّما تحول مع مرور الزمن بديلا لتفاصيل في العلاقات الاجتماعية لا غنى عنها. كما ان فرق التوقيت بين البلدان يجعل الرسالة تصل الساعة الثالثة او الرابعة فجراً ، واذا كان الهاتف فعالا فإن إشارة تنبيه الوصول توقظ النائم.
ذات مرة، عاتبت صديقاً لأنه غائب ولم يتواصل منذ سنتين ولم أسمع عن اخباره شيئا، فقال ببساطة، بالعكس كل أسبوع أرسل اليك جمعة مباركة لكنك انت لا ترد عليّ.
حدث في بعض المرات أن ضاعت عليّ رسائل مهمة من بعض الأشخاص الذين اعتدت منذ سنوات لا اتلقى منهم سوى جمعة مباركة، وحدث ذات يوم ان أرسل أحدهم رسالة ذات أهمية خارج السياق، فلم أتوقعها ولم أقرأها الا بعد أسابيع.
لم تعد تلك الرسائل الجاهزة المفرغة من حرارة العلاقات مصدر صلة وتقارب، بل صارت سببا في تكدير الخواطر أحياناً. غير ان هناك عددا كبيرا من الناس الطيبين المحبين، يظنون انهم يوزعون عن طيب خاطر بركات الله بأيديهم حين يرسلون تلك الرسائل.
في الأعياد الأساسية تختلف الصورة، لكنها أيضا باتت صيغة تكرارية ليست فيها حرارة الأصدقاء والاهل في العبارات المكتوبة شخصيا اليك من دون تداول الصور والعبارات الجاهزة.
بعد ان غرق البلد في مستنقع الإسلام السياسي في سنوات الظـلمات والخرافات الاخيرة، أصبحت جملة جمعة مباركة وسيلة لتحسين السمعة اكثر جدوى من المحابس والمسابح، وطوّرها السياسيون والبرلمانيون الى وسيلة للدعاية الانتخابية.
fatihabdulsalam@hotmail.com