محطات ومواقف.. مذكرات الفريق مارد عبدالحسن

قراءة في سيرة ومواقف وتجربة إنسانية أصيلة

أكرم عبدالرزاق المشهداني

أهداني الأخ العزيز الشيخ الفريق مارد عبدالحسن الحسون كتاب مذكراته الصادر بعنوان (محطات ومواقف) والاخ مارد هو ابن دورتي 23 كلية الشرطة دخلناها سوية عام 1966 وتخرجنا سوية عام 1969 واستمرت علاقتنا طيلة ما يقرب من الستين عاما، اخوة توشجها علاقات المحبة والاحترام والفهم المشترك والقرب في الطباع. لذلك تلقفت مذكرات اخي ابو فراس بشغف واهتمام وبعد ان مررت في صفحات ذكريات الستين عاما كان لابد لي من تقريض وعرض اخوي واجب لهذه المذكرات اعتزازا ومحبة لصاحبها.

        الكتاب يقع في (212) صفحة ومن (5) فصول الاول: خصصه لايام وسنوات الطفولة والنشأة الاولى في منطقة العارضيات وسط بيئة عشائرية منطقة اشتهرت بخصوصية وطنية ترتبط بثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني 1920، وانتقل للحديث عن المدرسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وبعدها عن قصة تقديمه لكلية الشرطة وقبوله فيها،  ضمن الدورة 23 الدورة الحقوقية الاولى التي كان من المؤمل ان تمنح خريجيها شهادتين في ان واحد (القانون والشرطة) ولكن تم الغاء القانون عام 1968.

محطة رياضية

والفصل الثاني خصصه للحديث عن ذكريات ومفارقات سنوات خدمته في جهاز الشرطة وابرز ذكرياته فيه، ثم انتقل للحديث عن (المحطة الرياضية) في قطار الذكريات عن عمله في مديرية العاب الشرطة، وقيامه بمهمة تحرير المجلة الرياضية للاتحاد الرياضي العربي للشرطة ولغاية احالته للتقاعد. وقد اعيد للخدمة بعد 2003 ونسب مديرا لشؤون العشائر في وزارة الداخلية. وتطرق للحديث عن محاولات الاغتيال الشخصية التي تعرض لها وعائلته. ولم ينس الفريق مارد ان يخصص فصلا للحديث عن شخصيات علقت في ذاكرته خلال مسيرته الحياتية فذكر منها السيد/ جبار خشيش واللواء عبدالخالق عبدالعزيز واللواء عبدالمحسن خليل وكاتب هذه السطور والسيد/ احمد الخفاجي وكيل وزارة الداخلية وكذلك عن مهدي وهادي ولدي عبدالحسن الحسون والشيخ نوري بلال.

كتاب “محطات ومواقف”: للاخ الفريق/ مارد عبدالحسن الحسون يُعد وثيقة أدبية وإنسانية تروي سيرة ذاتية غنية بالأحداث والتجارب، كتبها صاحبها بعين فاحصة وقلب نابض بالحياة. تفتتح المذكرات بمقدمة مؤثرة بقلم زوجته السيدة رجاء أحمد حسون بلال، التي تضفي على الكتاب طابعاً شخصياً حميماً، وتقدم صورة عن المؤلف من زاوية القرب الأسري، حيث تتحدث عن صفاته الإنسانية، وصبره، وتفانيه في خدمة أسرته ومجتمعه. هذا التقديم يمنح القارئ مدخلاً دافئاً لفهم خلفية المؤلف، ويهيئه لاستقبال سرد المذكرات بروح من التعاطف والاحترام.

يأخذنا السيد مارد في رحلة عبر محطات حياته، من النشأة في بيئة عراقية تقليدية، مروراً بتجارب التعليم والعمل، وانخراطه في الحياة الاجتماعية والعشائرية. يتوقف المؤلف عند محطات مفصلية مثل الطفولة، والانتقال من الريف إلى المدينة، وتجارب الغربة، والصراعات العشائرية، وما رافقها من تحديات. يروي بأسلوب مباشر كيف واجه الفقر، وتعلم الصبر، واكتسب الحكمة من تجاربه، وينقل للقارئ مشاهد من حياته اليومية، وأحداثاً تركت أثراً عميقاً في شخصيته ومسيرته.

         تبرز شخصية السيد مارد في المذكرات كإنسان أصيل، صلب في مواجهة الشدائد، وحنون في علاقاته الأسرية. يظهر في الكتاب اهتمامه البالغ بعائلته، وحرصه على ترسيخ قيم الاحترام والمحبة بين أفرادها. كما يتضح من السرد عمق علاقاته الاجتماعية، من خلال مشاركته في المناسبات العشائرية، وحرصه على الإصلاح بين الناس، وتعامله مع الخصومات بحكمة وهدوء. لا يغفل المؤلف عن ذكر تأثير المرأة في حياته، وخاصة زوجته، ودورها في دعمه وتثبيت أركان الأسرة، ما يمنح المذكرات بعداً إنسانياً إضافياً.

حل نزاعات

يتناول الكتاب بعمق قضايا المجتمع العراقي، وخاصة دور العشيرة في حياة الأفراد. ويناقش المؤلف بنبرة نقدية موضوع الفصول العشائرية، وكيف كانت أداة لحل النزاعات، لكنها في أحيان كثيرة تجاوزت حدود العدالة، وأثرت على حياة الأسر بشكل سلبي أو إيجابي.

 يسلط الضوء على مكانة المرأة في المجتمع العشائري، ويشيد بدورها في الحفاظ على تماسك الأسرة، ويعرض نماذج من النساء اللواتي واجهن المصاعب بشجاعة. كما يناقش المؤلف الخصومات بين العشائر، ويستعرض طرق الإصلاح وفض النزاعات، مبيناً أهمية الحوار والتسامح في تجاوز الخلافات.

يتميز أسلوب الكتابة في “محطات ومواقف” بالصدق والبساطة والوضوح، حيث يتجنب المؤلف الزخرفة اللغوية ويعتمد على السرد المباشر، ما يجعل المذكرات قريبة من القلب وسهلة القراءة. من نقاط القوة في الكتاب قدرته على نقل المشاعر والتجارب دون مبالغة أو تزييف، مع إبراز التفاصيل التي ترسم صورة حية للمجتمع العراقي في مراحله المختلفة. ومع ذلك، قد يشكو بعض القراء من افتقار السرد إلى العمق التحليلي في بعض المحطات، أو من تكرار بعض المواقف دون إضافة جديدة. لكن يبقى الكتاب مؤثراً في تصويره للواقع، ويقدم نموذجاً للكتابة الذاتية الصادقة التي تلامس هموم المجتمع وتطلعاته.

في الختام، يمثل كتاب “محطات ومواقف” إضافة مهمة للأدب وبالاخص أدب السير الذاتية في العراق والمنطقة العربية عموماً. إنه شهادة حياة صادقة، تحمل بين طياتها دروساً في الصبر، والتسامح، وأهمية الأسرة والعشيرة في بناء الفرد والمجتمع. يُنصح بقراءة الكتاب لكل مهتم بفهم الواقع الاجتماعي والثقافي العراقي، ولكل من يبحث عن تجارب إنسانية ملهمة. ويبقى الكتاب ذا قيمة أدبية وإنسانية، ويستحق أن يُدرَّس ويُناقَش في الأوساط الأدبية والاجتماعية وان تعقد حوله ندوات ادبية وفكرية واجتماعية.