منصة تسهيل خطوة في الإتجاه الصحيح
حاكم الشمري
لم تكن عملية تصديق الوثائق في العراق مهمة يسيرة على المواطنين، فقد اعتاد كثيرون على مشاهد الطوابير الطويلة أمام دائرة التصديقات في وزارة الخارجية وفروعها، حيث يضطر الناس إلى الانتظار ساعات وربما أيام، وسط زحام خانق وإجراءات معقدة، وأحياناً الحاجة إلى السفر من المحافظات البعيدة إلى بغداد، أو من الخارج إلى الداخل، فقط من أجل ختم أو توقيع يضفي الصفة الرسمية على أوراقهم.
هذه المعاناة، التي ظلت لسنوات تُثقل كاهل المواطن وتفتح أبواباً للروتين والفساد، دفعت وزارة الخارجية مؤخراً إلى تبني نهج مختلف يقوم على توظيف التكنولوجيا في خدمة الناس. فجاءت منصة «تسهيل» الإلكترونية لتكون تجربة جديدة في إدارة ملف التصديقات، إذ تتيح للمواطن إنجاز معاملته عبر الموقع الإلكتروني وهو في منزله، دون الحاجة إلى الوقوف في طابور أو التنقل بين المكاتب.المنصة، التي سيبدأ عملها رسمياً خلال ايام، تمثل نقلة نوعية في آلية العمل الإداري. فهي تختصر الوقت، وتقلل التكاليف، وتغلق الباب أمام الوسطاء، وتوفر بيئة أكثر شفافية، حيث تصل الوثيقة إلى المعنيين إلكترونياً وتخضع للتصديق وفق مسار واضح يمكن متابعته لحظة بلحظة. وبذلك، تتحول تجربة كانت تمثل هاجساً للمغتربين والطلاب والمرضى والموظفين والشركات إلى إجراء بسيط ينتهي ببضع نقرات على شاشة الهاتف أو الحاسوب. هذا التحول الرقمي لا يقتصر على تخفيف الأعباء عن المواطن فحسب، بل يضع وزارة الخارجية في مصاف المؤسسات التي تتبنى مفهوم الحوكمة الإلكترونية وتنسجم مع توجهات الدولة نحو تحديث الإدارة العامة، وجعل الخدمات أكثر قرباً وعدالة. غير أن نجاح التجربة يبقى مرهوناً بقدرة الوزارة على معالجة التحديات التقنية، وضمان سلاسة المنصة لجميع المستخدمين، بما في ذلك من ليست لديهم خبرة كبيرة بالتكنولوجيا.
إن ما تحققه وزارة الخارجية من خلال منصة «تسهيل» خطوة تحسب لها، لأنها تنقل التصديقات من فضاء المعاناة اليومية إلى عالم الخدمات الرقمية السريعة، وتؤكد أن الإصلاح ممكن حينما تتوفر الإرادة وتُسخّر التكنولوجيا لخدمة الإنسان. وبينما يطمح العراقيون إلى تعميم مثل هذه التجارب في بقية الوزارات والدوائر، تظل التجربة الناشئة بحاجة إلى المتابعة والتطوير لتبقى اسمها على مسمى تسهيل.