شطر أمانة بغداد بين الكرخ والرصافة
حاكم الشمري
تواجه العاصمة بغداد منذ سنوات تحديات إدارية وخدمية متراكمة، فرضها اتساعها الجغرافي وتزايد سكانها بشكل غير مسبوق. فقد تجاوز عدد سكان المدينة حاجز الملايين، وامتد عمرانها باتجاه ديالى وصلاح الدين والأنبار وبابل وواسط، الأمر الذي جعلها واحدة من أكبر مدن المنطقة وأكثرها تعقيداً من حيث الإدارة وتقديم الخدمات. هذا التوسع الكبير جعل من الصعب على أمانة واحدة أن تضطلع بمسؤولية إدارة العاصمة بكل تفاصيلها.من هنا نقترح وعبر صحيفة الزمان شطر أمانة بغداد إلى أمانتين، إحداهما للكرخ والأخرى للرصافة، كخيار إداري يسعى إلى إعادة تنظيم العمل البلدي وتوزيع الصلاحيات. يقوم جوهر الفكرة على تقليل الضغط الكبير الواقع على مؤسسة واحدة، عبر توزيع المسؤوليات على إدارتين مستقلتين تتقاسمان المهام، بما يفتح المجال أمام تحسين الأداء ومتابعة أدق للمشاريع.إن تقسيم الأمانة من شأنه أن يخفف من بطء الإجراءات الذي يرافق ضخامة الجهاز الإداري، ويمنح كل جانب من المدينة فرصة أكبر لمعالجة قضاياه المحلية وفقاً لأولوياته. كما أن وجود أمانتين مستقلتين قد يولّد نوعاً من المنافسة غير المباشرة بينهما في ميدان تقديم الخدمات، وهو ما ينعكس إيجاباً على المواطن الذي يبحث عن طرق مبلطة وماء صالح للشرب وصرف صحي منظم وحدائق ومساحات عامة لائقة.غير أن هذا المقترح لا يخلو من تحديات محتملة، أبرزها الحاجة إلى موارد مالية إضافية لإنشاء هيكل إداري جديد، والخشية من تضارب الصلاحيات أو تداخل المسؤوليات ما لم يُصَغ إطار قانوني واضح يحدد بدقة حدود عمل كل أمانة. وإذا لم يُدار المشروع برؤية علمية وبخطط مدروسة، فقد يتحول إلى عبء إضافي يزيد من التعقيد بدل أن يخففه.ومع ذلك، فإن حجم بغداد اليوم يستدعي حلولاً غير تقليدية تعيد تنظيم إدارتها بما يتناسب مع واقعها الحالي. فالعاصمة التي تخطت حدودها الطبيعية وتضاعفت أحياؤها لم تعد قابلة للإدارة المركزية من جهة واحدة. وإذا ما جرى تطبيق فكرة الشطر بروح إصلاحية ورؤية متكاملة، فقد تفتح الباب أمام تجربة جديدة في الإدارة الحضرية، وتمنح بغداد فرصة لاستعادة مكانتها كمدينة قادرة على استيعاب سكانها وتقديم خدمات عصرية لهم.يبقى المقترح مطروحاً للنقاش العام، بين مؤيد يرى فيه خطوة نحو تخفيف العبء عن جهاز مترهل، وبين متوجس يخشى من مضاعفة الأعباء الإدارية. لكن الثابت أن بغداد لم تعد تحتمل إدارة تقليدية جامدة، بل تحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية توازي حجمها ومكانتها، وتمنحها فرصة العبور من أزمة الخدمات المزمنة إلى أفق مدينة حديثة تستجيب لتطلعات أهلها.