الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إغتيال الصحفيين في غزة

بواسطة azzaman

إغتيال الصحفيين في غزة

حاكم الشمّري

 

تُعَدُّ الصحافةُ في مناطق النزاع المسلّح من أخطر المهن وأكثرها عرضةً للاستهداف، حيث يتحوّل الصحفي من ناقلٍ للمعلومة إلى شاهدٍ على انتهاكاتٍ قد تُزعج الأطراف المتصارعة. ومنذ اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأوّل/ 2023، شهدت الساحة الإعلامية الفلسطينية موجةً غير مسبوقة من عمليات اغتيال واستهداف الصحفيين، الأمر الذي أثار تساؤلاتٍ جوهريةً حول حرية العمل الصحفي، وحقّ الجمهور في الوصول إلى المعلومة، ومدى التزام أطراف النزاع بالقانون الدولي الإنساني.

وتشير البيانات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى مقتل أكثر من 211 إعلامياً منذ بداية الحرب، بينهم 28 إعلامية، مع توثيق مقتل 47 صحفياً أثناء أدائهم لمهامهم المهنية. كما أكدت منظمة مراسلون بلا حدود أنّ النزاع في غزة يُعَدُّ من أكثر الحروب دمويةً بحقّ الصحافة، في حين وثّق الاتحاد الدولي للصحفيين مقتل 152 إعلامياً حتى كانون الثاني/ 2025، قبل أن ترتفع الحصيلة إلى 214 قتيلاً في أيار/ 2025، وتتجاوز 237 إعلامياً وفق تقديرات محلية

وتُظهِر هذه الأرقام حجمَ الاستهداف الممنهج، وتكشف أنّ الصحفيين الفلسطينيين لا يواجهون خطر القتل العارض فحسب، بل يعملون في بيئةٍ مميتة تمنع استمرار العمل الإعلامي الحر. ولعلّ أبرز مثالٍ على ذلك ما حدث ليلة 11 آب/ 2025، حين قُتل مراسل الجزيرة أنس الشريف وأربعة من زملائه في غارةٍ استهدفت خيمة إعلامية قرب مدخل مستشفى الشفاء. ويُعَدُّ هذا الفعل خرقًا صريحًا لنصوص اتفاقيات جنيف التي تؤكد على حماية الصحفيين باعتبارهم مدنيين، ما لم يشاركوا مباشرةً في الأعمال العدائية.

وقد أعربت منظمات حقوقية، مثل اللجنة الدولية لحماية الصحفيين  والأمم المتحدة، عن قلقها من أنّ بعض هذه العمليات استهدفت الصحفيين عمدًا، رغم ارتدائهم سترات واضحة تحمل شارة «صحافة». وفي المقابل، زعمت السلطات الإسرائيلية أنّ بعض الصحفيين المستهدفين كانوا على صلةٍ بفصائل مسلّحة، وهو ما نفته المؤسسات الإعلامية المعنية، معتبرةً هذه الادعاءات محاولةً لتبرير استهداف الإعلام المستقل.

ويشكّل مقتل هذا العدد الكبير من الصحفيين تهديدًا مباشرًا لحرية الإعلام في غزة، إذ يؤدّي إلى إفراغ الميدان من الشهود المستقلين، مما يتيح المجال لهيمنة الرواية الرسمية لطرفٍ واحد، فضلًا عن تقييد الوصول إلى المعلومات وحرمان الجمهور العالمي من صورة حقيقية للأحداث. كما يخلّف ذلك آثارًا نفسية ومهنية عميقة على الصحفيين الناجين، ما يدفع كثيرين منهم إلى ترك العمل الميداني أو مغادرة القطاع بالكامل.

إنّ اغتيال الصحفيين في غزة لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الأوسع لانتهاكات القانون الدولي الإنساني. فالأرقام المرتفعة، وأنماط الاستهداف المتكرّرة، والشهادات الميدانية، تفرض جميعها إعادة النظر في آليات الحماية الدولية للصحفيين، وضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم أمام القضاء الدولي. وفي ظل استمرار النزاع، يبقى الصحفي الفلسطيني أمام خيارين أحلاهما مُرّ: الصمت أو المخاطرة بالحياة من أجل إيصال الحقيقة.

صحفي

 


مشاهدات 129
الكاتب حاكم الشمّري
أضيف 2025/08/16 - 11:57 PM
آخر تحديث 2025/08/17 - 7:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 616 الشهر 12229 الكلي 11407315
الوقت الآن
الأحد 2025/8/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير