هايبر ماركت ومقذوفات الفساد

فيصل عبد الحسن

     الحوادث اليومية في العراق تحكي لنا أشياء كثيرة عن مأسي الناس في الوطن المغلوب على أمره بحكومات غير مسؤولة عن أمن مواطنيها منذ 2005 إلى يومنا الحالي، وتؤشر بأصابع إلى ممن تسببوا بكوارث لأبناء وطنهم، وعادة ما تكون تلك الكوارث نتيجة طبيعية لبناء بنُي على طبقات من الفساد السياسي والإداري، فالكارثة أي كارثة في العالم لا تقع هكذا قضاء وقدراً، أنها عبارة عن عوامل تتجمع وتتراكم حتى تحين اللحظة المناسبة لتقع الكارثة، أهل الله من أهلنا يقولون عنها أنها قضاء وقدر، وما وقع قد وقع، وهذا ليس حقيقياً فأن لكل شيء في هذه الحياة بداية وتداعي ثم انهيار.

    بناية سوق هايبر ماركت بالكوت تتألف من خمسة طوابق لا يوجد فيها سلالم للإنقاذ ولا منافذ طوارىء، ولا وسائل إطفاء ذاتية الاستجابة من خلال تزويد الطوابق بشبكة إطفاء الكترونية حساسة تنبه باشتعال حريق أو مجرد تصاعد أدخنة، فتبدأ فوراً بإطلاق رشاشات الماء أو غازات ثقيلة تحيط بالنار وتمنع انتشارها قبل أن تنطفىء ذاتياً، فهي تمنع وصول الأوكسجين إلى الجزء المحترق.

    أن الكارثة عبارة عن سلسلة من محطات فساد ابتداء من المهندس الذي صمم البناية وموظف البلدية الذي أعطى إجازة البناء ومالك العمارة الذي أنفق عليها لتكن له مصدراً للأموال، لكنه أنفق أمواله بطرق غير شريفة ولا أمينة على حياة مواطنيه، والمؤجر الذي وضع في متجره مواد قابلة للاحتراق من دون أن يسأل صاحب البناية كيف أنجو ببضاعتي وزبائني إذا ما حدث حريق، لا نعرف من هو مالك هذه العمارة، ولكن من المتوقع أن يكون أحد المنتفعين من حكومات الفساد بعد 2003 أو المنتمين بشكل ما للبناء الفاسد الذي بنته أحزاب هذه الفترة وما أنفق من مال هو جزء بسيط مما غنم من أموال العراق، سواء بالحلال والحرام.

     غدا ستعين لجنة لتدراس أسباب الحريق، ولكن هذه اللجنة ستستمر في أعمالها حتى يُدفن شهداء الكارثة، وتمر أربعينيتهم، وتهدأ النفوس وينسى الناس ماحدث، فذاكرة الناس معطوبة وسرعان ما ينسون مناظر الجثث المتفحمة لناس وأطفال وشيوخ قضوا في الكارثة، وسيبنى أكثر من ثمانين قبرا جديدا وستقام أكثر من ثمانين مناحة.

 وسيحكي الناس عن مأسي العائلات التي فقدت أولادها وبناتها ورجالها لأيام ثم ينسون ما حدث، وينسى المسؤولون أمر اللجنة التي ستنتهي إلى أن الكارثة حدثت بسبب مس كهربائي والموضوع برمته قضاء وقدراً وليتغمد الله الشهداء برحمته الواسعة.

أنه الفساد يا صديقي لا تسأل كثيرا عن الأسباب أنه من مقذوفات الفساد الحكومي في أوج تألق هذه المقذوفات الوحشي، التي تجسدت ناراً تحرق الوجوه والأبدان وكل شيء جميل في عراقنا وتحيله رمادا وحزنا وأيتاما وثكالى .