الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوراق رواية قصيرة جدا للكشف عن الذات وتوثيق تبدلات الحياة للأديب اللبناني مروان يوسف


الوراق رواية قصيرة جدا للكشف عن الذات وتوثيق تبدلات الحياة للأديب اللبناني مروان يوسف

حميد الحريزي

 

نص سردي لا اقول عالي بل اقول فائق المعنى  مثقل بالرمز ، كل فصل من فصوله هو مرآة تعكس حقيقة الذات السائلة ،مرآة ورقية تعطيك حقيقة ذاتك  وقت السؤال ، ورقة تحمل حكمة الماضي وفطنة الحاضر دون خداع او تزييف ، الرواية ان جاز لنا هذا التجنيس وكما ارى انه جائز لاكتمال اشتراطات التجنيس ، رواية قصيرة جدا كتبت باسلوب مبتكر ، عبارة عن عشرة حبات  مختلفة الشخصيات مكونة الشخصيات الروائية الثانوية التي تدخل في حواريتها الخاصة مع الشخصية الروائية الرئيسية  بطل الرواية (الوراق) وهو ناسخ النصوص ، او ناسخ التجارب الحياتية للافراد ، ناسخ حاضرهم وماضيهم .

هذه الحبات يربطها خيط السرد الذي يصلها  كالحبل السري برحم الشخصية الرئيسية  الوراق ، وبذك تشكل هذه الحبات في مجملها نص سردي يمكن توصيفه وتجنيسه ب( رواية قصيرة جدا )، حيث اختزل الكاتب الكثير من الصفات والمواصفات لشخصياته من حيث الشكل العام فاكتفى بذكر الجنس والعمر غير مهتما ببقية الصفات ، وفي نفس الوقت لم يصف ولم يعرف المعروف من صفات  ومن عمارة وازياء ،كما انه اختار  بحنكة ودقة ودراية جمل السؤال والجواب  فكانت تعبر بشكل كامل عن المقصود دون الاسهاب في العبارات والكلمات  وكانه يقتدي بمقولة الجرجاني :-

(( جوع اللفظ وأشبع المعنى) )، ومستوعبا تماما لمقول ((خير الكلام ما قل ودل ))، وبذلك كان وفيا تماما لروح العصر المتسارع دوما والذي لايميل للاطالة الاسهاب وتكرارالمعروف ، وهذه من اهم مواصفات  الرواية القصيرة جدا كما نظرنا لها في كتاب ((الرواية القصيرة جدا- اضاءات نقدية ))من اصدارات دار رؤى عام 2025 .

الروائي هنا كان في غاية التكثيف والتقليل بحيث لم تتجاوز عدد كلمات الرواية ال722 كلمة فقط  وقد تساوي كلمات قصة قصيرة ، ولكن تعدد الشخصيات  وتحولاتها ، وتعدد الحورات ، وتبدلات المكان والزمان  كلها تستجيب لاشتراطات الرواية .

هذا الاسلوب السردي اتبعه بعض الكتاب وهي عبارة عن قصص قصيرة جدا يربطها ويصل بينها خيط واحد لحدث مشترك ويشدها لبطل رئيس واحد تؤلف بمجملها روايةقصيرة جدا مختلفة الطول قد تصل الى 5000 كلمة  وأكثر من 30 صفحة وفي الاغلب لاتقل عن  3000 كلمة ، وقلما تكون بمثل طول  رواية (الوراق) للاستاذ مروان ، حيث يحتاج هذا الأسلوب الى حنكة كبيرة وامتلاك ناصية اللغة وثيمة مناسبة ، وهذا الأسلوب   ليس هو السائد في كتابة الرواية القصيرة جدا ،فأنا مثلا لي رواية واحدة بعنوان المجهول كتبت بهذا الاسلوب بما تجاوز ال250 كلمة .

وهاهو الروائي يعرض لنا لوحات تشكيلية رائعة مشبعة بالحكمة وبالرمز والمعنى ، تتطلب من المتلقي المزيد من التأمل ليتدبر دلالتها ومضامينها ، وهذه من الصفات والميزات الهامة للرواية القصيرة جدا ، فهي لم تكن كالرواية التقليدية  سهلة الفهم والتلقي ، بل هي قريبة من القصيدة الشعرية النثرية تشرك المتلقي معها في بناء المعنى والصورة المتخيلة للنص ، وغالبا ماتكون هناك صورا بعدد القراء والمتلقين فكل  يرى رأيه ويؤول حسب قناعاته وثقافته ودرجة فهمه ودرجة تفكيكه وتركيبه للنص .

نحاول في السطور التالية  تسطير فهمنا الشخصي لدلالات النص ، ودلالات اللوحات العشر المعروضة أمامنا ،نتمنى اننا قاربنا معناها ومبناها

*اللوحة الآولى ففي المقطع الأول أو كما وصفه الفصل الأول ، توصيف لزقاق معتم دلالة على عدم الوضوح المباشر يتطلب وسيلة إنارة ليستدل عليه القاصد ، يوجد دكان الوراق كما أصطلح عليه كذلك على الرغم من عدم وجود أية دالة عليه كلافتة  أو عنوان يدل عليه ، يوجد شخص الوراق صاحب الوجه المطوي ، والعيون الغائرة في الماضي فاذا دخلت علية وسألته أين كُتب الفلسفة ، يجيبك إنَّها في قلبك ، فهو لايبيع الكتب بل يعيدها الى أصحابها ، وكأنه خازن كتب أو  حافظ ذوات الأفراد في دكانه  وذاكرته يعرف  بحالهم ومآلهم  وتوجهاتهم ،فالفلسفة هي الساكنة قلب المتسائل عنها والمولع فيها المتفكر المتسائل ، وليست الموجودة في الكتب ، وانْ سألته عن كتاب معين ، يعلم ما أنت بحاجة اليه فيناولك كتاباً يسد لك ما  ينقصك من العلم والمعرفة000هذا أنت، حين كنت لاتعرف نفسك)).

*أما اللوحة الثانية فهي صورة إمرأة  تأتي الى دكان الوراق ، توصف رائحتها رائحة ورق قريء كثيراً، إشارة الى كونها هي نفسها كتاب مقروء زمعاد القراءة عددا من المرات، فتشبعت به عيون المرأة بحيث أصبحت تحكي مضمونه ومحتواه قبل أن تنطق شفاهها !!!

طلبت من الوراق (( ابحث عن كتاب يشبهني... لا أكثر)) بمعنى انها تطلب كتابا مشبع بالمعنى والحكمة ، لصيق بحياة القاريء ، يقرأ خواطره ، ويشاركه انفاسه ...بعد أنْ تأملها الوراق طويلاً مستوعباً شخصيتها متفهما ماتريد ، سحب لها كتابا من زاوية لايصلهاأحد ، بمعنى ناوله كتابا طالما تجاهله الناس ولم يطلبوه  لأنه غالبا لايتواءم مع نظرتهم لأنفسهم ، ولايتفق مع قناعاتهم وأفكارهم  وسيرة حياتهم ، منبهاً إياها أنَّ الكتاب يقرؤءها قبل أنْ تقرأه هي ، ابتسمت استلمت الكتاب  ضغطته على صدرها دلالة القبول والإستيعاب هو القريب الى قلبها وأنفاسها ، ذهبت ولم يرها بعد ذلك أحد تزور المكتبة والوراق وكأنها حصلت على ضالتها ، ((لكن كلّ مَن فتح الكتاب بعد غيابها… رأى عينيها.))، بمعنى انَّها كروح ونظر وفكر كانت مستوطنة للكتاب وما حواه من عبرة وتجربة وحياة .

* في اللوحة الثالثة (الرسالة – ما لا يرسل)

وفي وقت يبشر بالذبول والكمون وتوقف النماء  في زمن خريفي ، وجد الوراق على عتبة دكانه ظرفا أصفر اللون دلالة القدم وتراكم الزمن الماضي ،هذا الظرف بلا أسم ولاختم ولا تاريخ ، بمعنى أنه شامل لكل زمان  وكل مكان . فوجد فيه عبارة تقول "لقد فهمت... لكنني تأخرت"

مشكلة كبيرة يعيشها الإنسان حينما يكون بطيء الفهم واستيعاب التجارب والحكم  المعاشة، مما يتركه يعيش حالة من الضياع وعدم النضج ،يبدو انَّ محتوى الورقة سبب ردة فعل مؤلمة للوراق  شعور من يفقد عزيزاعلى قلبه ،فيقرر الحداد وغلق الدكان لثلاثة أيام  متتالية كما هو شائع في المجتمع بمثل هذه الحالات ، ولكنه بعد اليوم الثالث ((وحين عاد، علّق على الباب ورقة كتب عليها:

> "الفهم لا يحتاج وقتًا… بل شجاعة.")).

وأظنها عبرة وحكمة لاتحتاج الى توضيح ، فلكي يفهم الإنسان ماحوله وما تطرحه عليه تطورات الحياة لايحتاج الى وقت طويل والى إنتظار ، بل انَّ مايحتاجه فعلا لكي يساير الحياة وتطورتها هو الشجاعة  والقرار الجريء دون تردد ودون خوف   فما أحكمه من وراق ؟.

* االوحة الرابعة(الكتاب الذي لاينتهي)

((في الركن الأيمن من الدكّان، كان هناك كتاب لا عنوان له.))

لماذا الركن الأيمن من الدكان  في الثقافة العربية الأسلامية يكون الجانب الأيمن هو الأكثر قبولا وتفاؤلا وعلامة فرح وخير من الجانب الأيسر ، فمن يسلم كتابه يوم الحساب باليمين يكون من أصحاب الجنة، ومن يسلم كتابه باليسرى يكون من أصحاب النار ، واليد اليمنى هي المستخدمة في العمل والأكل والسلام  والتحية ، والجانب الأيمن من المخ هو المسيطر على الجانب الأيسر ولحملته ميزات خاصة، ويفضل النوم على الجانب الأيمن بدلا من الجانب الأيسر  ووو هناك الكثير وكما قال الماوردي(الجانب الأيمن هو الجانب المقدس، مقر القوى الصالحة والإبداعية؛ والجانب الأيسر هو الجانب الدنيوي، الذي لا يمتلك أي فضيلة(( .

نريد القول ان الروائي عندمااستل الكتاب من الجانب الأيمن من الدكان فهو يرسل اشارة استباقية للمتلقي لأن الكتاب دلالة نفع وخير وعبرة وحكمة ، فهو كتاب لاعنوان له ، فهو كتاب حياة دائمة التغير والتبدل والأستمرار والنمو  فلايحتمل عنوان معين ، لايجروء أحد على لمسه ، كل من قرأءه قال لاينتهي ،  وصفحاته متتالية وكأنه مؤلفه مازال  يكتبه لحين الساعة ، انَّه الحياة انَّه الزمن وهو مستمر لايتوقف ... ولكن السؤال من كتب هذا الكتاب ؟؟

– "كلّ من جهل نفسه، وسعى ليعرفها. إنه كتابُ من يمشي إلى الداخل."

وهذا هو الحافز الكبير لمعرفة الذات ومعرفة معنى الحياة وس ديمومتها ، فهذا الإنسان يسير الى داخل ذاته يتفكر حياته   ومسيرته ليزداد فهما لها، ومن يفهم نفسه قادرا على فهم الحياة وادراك معناها وحياته وجدواها ...فما اجرء وأشجع من يقدم على قراءة هذا الكتاب بشكل مستمر ، فالكتاب معه  مادام حيا يزوده بالحكمة والمعرفة ومزيدا من اكتشاف ومعرفة الذات .

*اللوحة الخامسة((المشتري الأخير)):-

صورة لشخص مسن بمعنى حامل تجرة حياتية ليست قليلة ، يخاطب الوراق عند دخوله الى الدكان بأنه أتي ليبيع لا ليشتري ، يناول الوراق دفتراً جلدياً صغيراً ، وجده الوراق فارغا ماعدا الصفحة الأخيرة  كتب فيها بخط باهت !!

(كتبت كل شيء..و ثم محوته))؟

هنا يشير الشيخ الى انَّه تناسى كل الماضي فهو يعيش اليوم الأخير يعيش اللحظة وقد محى كل ما مر  والمقصود هو عدم الأنشغال بما مضى بما مر فقد أنتهى وأصبح من الماضي ومن العبش إشغال الفكر والنفس به ، المفروض انْ نهتم بالحاضر بالمعاش فلافخر ولا لد للذات ، الحاضر يبنيه الحاضر ، ولاشك انَّ الماضي ساهم ويساهم في  تكوين وبناء وتخليق الحاضر ، ولكنه حاضرمضى وترك أثره بلا شك ، أثر لايمكن التحكم به الآن ، فما كان من الوراق إلا أن قلب الورقة الصفحة الأخيرة  وأغلق الدفتر ، بمايعني انَّه بارك هذه المسيرة وهذا النهج والسيرة للشيخ المسن ، فاشترى منه حكمته وعبرته وتجربته الحياتية، مما خف الكثير عما أثقل عليه حياته في تفكره للماضي وتذكر صدماته وآلامه ومجرياته ، مما أفقده النوم والراحة ، أما الآن فقد تخفف من هذا الهم الثقيل  لينام لأول مرة لم يذق النوم قبل ذلك لسنين عدة ، فما أروعها من حكمة عش يومك عش حاضرك ولا يكبلك الماضي بقيوده وذكرياته ، فلاتصاب بالزهو والغرور للنجاح وتقلق خشية فقدانه ، ولا يؤلمك الفشل والمرارة السابقة فتصيبك بالأحباط وتشل  نشاطك لبناء حاضرك ومستقبلك .

 

االوحة السادسة([6] من يعيش في الورق)

الأنسان حينما يؤلف كتابه لايخلق أحداثا وصوراً وأحاديث وأفكار غير موجودة في الواقع و ليس  بها  جذرمن الواقع وغيرمخلقة في رحم الواقع ، هي أفكار وسلوكيات وتصورات أشخاص يعيشون في المجتمع ، وبذلك فنهم وانْ لم يكتبوا ولم يقرؤا فهم يعيشون في هذه الكتب ، وكثيرا مايحدث انْ يظن بعضهم إنَّ كاتب الرواية الفلانية كان يتحدث عنه ويسرد سيرته في كتابه ، وقد يلتقيه أما شاكراً أو معاتبا وحسب تصوير الكاتب لشخصيته ، ولهذا هو معنى ما قاله الشاب صاحب الصوت المنعش كالماء البارد للوراق ، وقد حسبه مجنون للوهلة الأولى ، حين سمع همسا بلمس كتفه رمز العمل والحركة والفعل (...ففهم الورّاق فجأة… أن بعض البشر ليسوا قرّاءً ولا مؤلفين، بل ورقًا ناطقًا.)، لذك صار الوراق يلمس أغلفة الكتب برفق ، كانه يوقظ نائما ... فهذه الكتب هي حياة ومساهمات وسلوكيات وأفكار ناس وليس هي منتج خيالي محض للكاتب أو المؤلف.

*اللوحة السابعة[7] ((الفتاة ذات الحبر الأحمر))

يمتلك بعض الناس وبعض الكتاب قدرة مدهشة على التنبوء بمصير ومستقبل الأفراد ، وكذلك بمجريات الأحداث وكأنه منجم أو قاريء فال يقرء طالع الأفراد ومجريات حياتهم ، ربما مستقبل البلدان ، ومستقبل مجريات الأحداث كما هي الآن  (ليلى لطيف) التي تقرء مصير الأشخاص والبلدان  وتوصيف للظواهر والأحاث ...

يكتب الكاتب حول فرد  بعينه متخيلا حاله ومستقبله ويتوقع فعله من عندياته ، ولكن الملفت  حقاً انَّ هذه التوقعات والأحداث والتصرفات تحدث بالفعل والواقع بعد كتابتها !!!

هذا هو حال الطفلة في العاشرة التي تحمل دفتراً أحمر اللون ، وكأن اللون يراد به إشارة تنبيه وتوقف لقراءة المستقبل ، وحينما أخذ الدفتر منها وجد ما تتوقعه الفتاة بمرضه ، وبيع كتبه يوم الجمعة ، وإغلاق باب قلبه !!!

قائلة له(("أعتذر… لا أختار ما أكتب، الكلمات هي التي تختارني.")).

لوحة تعرض لنا نماذج من الكتاب صغارا او كبارا  وقدراتهم الفائقة في الحدس والتنبوء ، ولا شك ان هناك الكثير من الكتاب وعلى وجه الخصوص الأدباء من توقع مصر فرد او دولة وكان توقعه صحيحا او قريبا من ا لصحيح حيث وقع بعد حين  حيث يقول سامي بلال (الاستبصار (بالإنجليزية: Foresight) هو القدرة على التنبؤ أو توقّع بعض الأحداث والنتائج قبل وقوعها، ويفسّر البعض الاستبصار أنه حالة من الإلهام اللحظي الروحي والرسائل الماورائية التي يستقبلها أشخاص بعينهم على شكل إحساسٍ غامض أو رؤى أو أحلام يقظة أو هواتف خفية دون أن يعرفوا تماماً حقيقة ما يختبرونه، وقد يكون الاستبصار عارضاً يحدث مرات قليلة في الحياة، فيما يدَّعي آخرون تمتعهم ببصيرة ثاقبة على الدوام أو تواصلهم مع عوالم أخرى)) مقال في انترنيت بعنوان ما تفسير الإحساس بالأشياء قبل حدوثها والاستبصار

وهناك العديد من القدرات والطرق التي تمكن بعض الأفراد التنبوء والأستبصار بالمستقبل :-

1-الأستبصار الروحي 2- الحاسة السادسة 3- التنبوء التحليلي 4- الفراسة 5- الصدفة 6- ادراك عالي المستوى7- التنجيم والتبصير 8- العلم بالغيب . موقع حلوها الالكتروني 2-8-2022

وهنا نحن لسنا بصدد البحث في هذا الأمكانيات والأستبصارات  وتعريفها وقبولها أو رفضها ، ولكنها ظاهرة موجودة في الأدب  كما في رواية 1984 لاوريل  وغير الأدب من قبل أدعياء التنجيم ، أو المحللين السياسين ...الخ

اللوحة الثامنة (الكتاب الكاذب)

الانسان في الكثير من الحالات يريد انْ يرى مايلائم مزاجه وسلوكه ، وان ْيقر الجميع كونه على صح  والأخرون هم الخطأ حتى وانْ كانوا على حق  وكشفوا حقيقته ، هذا حال الرجل الذي جاء يطلب من  الوراق الحقيقة("أريد الحقيقة… بسرعة.")، ولكنه بعد أنْ اطلع على الكتاب ، وانَّ هذا الكتاب كشف حقيقته ، أدعى انَّ هذا الكتاب كاذب ولايحتوي إلا على الغاز ورموز، ولكن الوراق واجهه بالحقيقة  فالكتاب هو الصادق  وأنت لاتريد أنْ تصدقه ((لأنه أظهر كذب توقعاتك  وأردت حقيقة تشبهك))، تركه ولكنه عاد بعد سنوات باكياً، حاملانفس الكتاب... معترفا بأنَّه الآن فهم العنوان ، وهذه مشكلة الإنسان الذي لايريد لأنْ يعترف بالحقيقة  عبر مغالطات ومبررات يسوقها لنفسه ، ولا يقر بالخطأ إلا بعد أنْ يصدمه الواقع وقد يدفع الثمن غالياً بسبب هذا العناد ومحاولة لي رقاب الحقائق.

 

*اللوحة التاسعة[9] المكتبة التي بلا سقف

باستمرار عمل الوراق ولسنوات عديدة ، يتماهى مع الكتب والشخصيات التي يكتب الكتب ، وتكون المكتبة هي الوراق والوراق هو المكتبة ، فيحلم الوراق انَّه يرى كتب تطير  في مكتبة لاحدود لها ولاسقف لها  ولا نهاية لها ، كل كتاب فيها يحمل أسم شخص يعرفه ، نعم انَّها الكتب حياة الناس والمكتبة هي الحياة التي يؤلفها ويعيشها الناس ، يجد صورة قلبه وسط الكتاب الذي يفتحه ، وهي إشارة لروح الإنسان الذي لم يقرء بعد  أي الذي لم ينجرف مع مجريات الحياة ولم يستكشفها بعد ، وورقةفي جيب الوراق تؤكد له انَّه مازال وراقا فهو في حقيقة الأمر هو المكتبة ، والمكتبة هي سيرة حيات الأشخاص .

الوحة العاشرة [10] الخاتمة من كتبك؟

يخلو الوراق لنفسه في دكانه الذي بدا صامتاً ،والكتب مرتبة صامتة ، يفتح الكتاب فيجد صورته ، وكل من  دخل دكانه  وجد أسمه ووجهه وكلماته ، وظهرت كتابة في الصفحة الأخيرة  مشيرة انَّه لم يكن يبيع الكتب بل كان يكتب ما يقوله له  الناس ممن يقصدون دكانه، يغلق الكتاب ويضعه في صدره، متسائلا وهو من يكتبه بعد ختم حياته وقد وثق وكتب حياة الناس، ولكن من سيكتب  ويوثق حيات وافكاره  هذا الكاتب الوراق، فاقفل دكانه للمرة الأخيرة ،ولكن عطر الحبر مازال يلوح للناس من المارة ، دلالة على استمرار حياة الوراق ، وكأنه لم يرحل وسيبقى في ذاكرة الناس والمكان...

مما تقدم نشير الى أهم ميزات الرواية القصيرة جدا وقدرة كاتبها على الأختزال والتكثيف للتوصيف والتعريف ، على الرغم من غنى محتواها ، فخلال 10 فصول  او 10 لوحات كما ذكرنا سرد لنا الروائي أو لمح لنا  ورمز لنا محتوى كبير يتجاوز مئات الصفحات  من الكلمات  التي اختزلها عبر ماقل ودل ب 722 صفحة فقط ، كما انَّه لأعطى للمتلقي حرية التأويل والتحليل  قد يختلف في فهمه وتفسيره عن مايراة الروائي ، أو ما يتكتبه متلقي آخر، وهذه هي من  الميزات الرائعة للرواية القصيرة جدا حيث تمنح المتلقي متعة التفسير والتفكير والتأليف لإكمال واكتمال الصورة السردية  كمؤلف ثان  يسرد رواية ثانية من مخزونه الثقافي في مخيلته ...

نبارك للأستاذ مروان هذه المحاولة والتجربة السردية  الرائدة ، وأعتبارها إضافة نوعية للريادة العربية في أبتكار الرواية القصيرة جدا في العراق وفي العديد من أقطار الوطن العربي ، ومازالت تزدهر وتتطور بشكل صاعد ومستمر وقد بلغت عشرات الروايات  .

 

 

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 200
الكاتب حميد الحريزي
أضيف 2025/07/16 - 3:19 PM
آخر تحديث 2025/07/17 - 1:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 389 الشهر 10911 الكلي 11164523
الوقت الآن
الخميس 2025/7/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير