فم مفتوح .. فم مغلق
الصحافة التي أنجبت روائية
زيد الحلي
من السعادة الغامرة ، ان تجد زميلة رافقتها سنوات طويلة في مهنة الصحافة ، حققت طموحا ، وركزت اسما في عالم الابداع ، بخطوات راسخة ، لافتة الانظار ولاسيما النقاد ، فأحرزت ابهى جائزة ثقافية في الوطن العربي ، وهي جائزة « عويس « ..
إنها الزميلة العزيزة إنعام كجه جي .. ابنة الصحافة .
ففي زمن تتشابه فيه الأقلام، تبرز من بين الجميع كاتبة قصصية أدهشت الوسط الثقافي بفوزها بجائزة مرموقة، لم تأتِها صدفة، بل كانت ثمرة مسار طويل من الصدق مع الحرف ، والبراعة في صناعة الدهشة.
إنعام كجه جي ، بدأت خطواتها الأولى من بوابة الصحافة ، حيث كانت تقتنص الخبر، وتقرأ التفاصيل الصغيرة بعينٍ لا يفوتها شيء. لم تكن صحفية عابرة، بل متمكنة من أدواتها، ساعية دائماً وراء المعنى العميق في ظاهر الأحداث. تميزت بكتاباتها السلسة، بلغة هي خلاصة ما يسمى بـ»السهل الممتنع»؛ لغة قريبة من القارئ، لكنها مشحونة بدلالات تتطلب تأملاً.
ومع مرور الوقت، لم يكن غريباً أن تنتقل من عالم الخبر والعمود الصحفي ، إلى فضاء القصة، فوجدت في السرد القصصي امتداداً طبيعياً لأسلوبها الصحفي، لكن بآفاق أكثر حرية وعمقاً. لم تكتب القصة لتتسلّى، بل كتبتها لأنها رأت أن كل قصة تحمل في جوفها بذرة حكاية لم تُروَ، وأن خلف كل معلومة هناك إنسان ينتظر أن يرى ويسمع. لقد مزجت إنعام الرؤية الصحفية بالحس القصصي، فكانت قصصها مشبعة بتفاصيل دقيقة، وحوارات مأخوذة من نبض الشارع، وشخصيات تحمل ملامح من الواقع، لكنها محمولة بأسلوب أدبي رفيع، يجعل القارئ لا يكتفي بقراءتها، بل يعيشها.
الجائزة التي نالتها ، ليست فقط تكريماً لنصوصها، بل اعتراف ضمني بمسار إبداعي كبير، يجمع بين دقة الصحفي وخيال الروائي. وكم هو جميل أن نرى صحافةً تنجب أدباً، وأن يكون الحبر ذاته هو من كتب الخبر ونسج الحكاية.
في رأيي، إن هذه الجائزة لا تخص الكاتبة وحدها، بل هي أيضاً شهادة استحقاق لمدرسة كاملة من الأقلام التي تؤمن بأن العمل الصحفي ليس مجرد مهنة، بل أرضية صلبة لصناعة أدب حي، ينبض بالواقع ويحلّق بالخيال.
إننا أمام تجربة حية ، تؤكد أن الطريق من الصحافة إلى القصة ليس طريقاً في اتجاه واحد، بل هو معبر بين عالمين يكمل أحدهما الآخر. فالصحافة منحت الكاتبة أدوات الرؤية، والقصة منحتها فسحة التعبير الأوسع. وبهذا التزاوج الفني المدهش، ولدت أعمال قصصية تقرأ اليوم بلغات عديدة، وتحمل توقيعاً أدبياً استثنائياً.
هنيئاً لك ، زميلة سنوات البهاء والشباب ، والمعاكسات المهنية الجميلة ، هذا الإنجاز، وهنيئاً للقراء بما تقدميه من أدب صادق، مكتوب بعين تعرف الواقع، وقلب يعرف كيف يحكيه !
Z_alhilly@yahoo.com