طائر ميمك فوق شجرة كينت ميتة
كامل عبدالرحيم
تصلني بعض كتابات الأصدقاء متأخرة بسبب سياسات الفيسبوك الخوارزمية، وهذا ما حصل مع نص الأستاذ الصديق جواد غلوم والذي نشره قبل ثلاثة أيام وما وصلني إلا فجر اليوم، حيث تأخر ساعي البريد أو ساعي الفيسبوك.
النصوص الجيدة هي التي تدفعك للبحث وتفتح فضولك والتي تقرؤها أكثر من مرة وأيضا تلك التي تتمنى أن تكون أنت كاتبها وهذا ما حصل مع نص غلوم المعنون (شجرة التفاح الأخضر والنخلة ورفيقة العمر حينما أسلمن الروح في حديقة البيت) فوجدت نفسي أبحث في الغوغل عن معنى ميمك وكينت والنمل الأبيض (تبين أنه الأرضة نفسها) و رينيه ليناك.
تعرفت على أبي وميض (الشاعر جواد غلوم) في قيصرية حافظ في استراحة شارع المتنبي فهو من روادها الثابتين قبل أن تعتل صحته، أراه دوما بصحبة صديقنا المشترك كريم البهادلي وهو زميل التظاهرات في ساحة التحرير، لكني وقبل أن أتعرف عليه في قيصرية حافظ كنت أبحث عنه وحتى قبل اختراع هذه المنصة.
قرأت اسمه أول مرة بعد عام 2003 مصادفة وأنا أبحث عن صداقاتنا وتلك الأسماء التي تقطعت بيننا وبينهم الطرق والوسائل منذ عقد السبعينات حتى عام 2003، وفي بحثي الدائم عن ظل صديق قديم أو معرفة قديمة للحق إذ لم تتطور تلك العلاقة إلى صداقة، كنت أبحث عن الشاعر خلدون الموالي الذي غادر العراق قبل العام 1980 فوجدت جواد غلوم حتى تعرفت عليه مصادفة في قيصرية حافظ. خلدون الموالي الذي غير اسمه إلى خلدون جاويد، شاعر شيوعي كلاسيكي مقيم في الدانيمارك وقد مات قبل أعوام، رحمه الله.
كنت التقيت بخلدون الموالي( جاويد ) أكثر من مرة في مقهى البرازيلية أوائل عقد السبعينات حيث اصحبني الشهيد رياض البكري معه كاكتشاف جديد قوبل ببرودة المرحوم عامر الداغستاني وكان يقود مجموعة صغيرة تابعة للقيادة المركزية يتراوح فيها رياض انتماء وابتعادا وينتمي إليها خلدون نفسه بشكل من الأشكال، غير عامر الداغستاني رأيه لاحقا فتكونت لي علاقة خيطية معه يديرها كصياد ماهر يرخي الخيط لصيده دون أن يفقده وعلى ما يبدو لم أعجب خلدون أبدا واستمر هذا إلى ما بعد 2003 وقد ساهم من ساهم بذلك رغم أن الأمر ليس مهما أبدا إلا من الناحية التوثيقية، حيث شكل خلدون الموالي ورياض البكري وهما يافعان ( ربما في العام 1967)مجموعة شعرية بخطها الخاص والجديد يقودهم ويهديهم الشاعر المسرحي المرحوم محمد علي الخفاجي وقد أطلقوا عليها جماعة النشء الجديد الشعرية، ذهبنا أنا ورياض إلى بيروت وعندما عدت قبله كنت بحاجة لإعادة الوصل بعامر الداغستاني( الرفيق أبو حازم ) وقد كنت أجهل عنوانه لكن خلدون الموالي أسهل منالا فلما وجدته أخبرته بضرورة لقائي بأبي حازم، لم يعجبني جوابه أو عذره وافترقنا إلى الأبد، أسرد هذا لأقول وأوضح سبب عدم بوحي لأبي وميض( جواد غلوم ) بشجرة معرفتي به فهناك جفوة وفجوة لا يمكن وصفها.
لأبي وميض جرم ضخم بطول فارع مع انحناءة بسيطة عند الظهر تحولت فجأة وفورا إلى تقوس واضح ما أن ماتت رفيقة حياته التي يرثيها ويفتقدها بألم وحسرة هي ونخلة البيت وشجرة التفاح والطائر الصغير الذي كان يشدو على سعفات نخلته فيشعره بلذة بعض العيش ومسرات الحياة التي ستغادر ( ومن هذا الطائر استلهم نصوص ديوانه المعنون بحكاية الميمك الحزين)، واحدة تلو الأخرى، غادر الطائر بملء إرادته، وترك البيت ابنه وميض و كذلك ابنتاه، وانتقلت إلى عالم أفضل رفيقة حياته وقد اختارها الله بحكمته وعمد النمل الأبيض بدأب وخبث وبلا حكمة بقتل برحيته وشجرة تفاحه. كان أبو وميض قد تفاعل بكرم عندما أصدرت روايتي ( ابني اليهودي ) وزاد ذلك بأن طلب نسخة إضافية لابنته المهتمة بالشأن.
في نصه المذكور يقص علينا كما قلت كيف غادرت الدنيا سعاداته، الطائر الذي غادر فجأة وشجرة التفاح التي قتلها النمل الأبيض وتبعتها نخلته التي يصفها ب (امرأة جميلة فارعة الطول ذات أقراط عالقة في أذنيها ) لينتهي المشهد الحزين برحيل زوجته ورفيقة حياته.
طائر الميمك على ما يبدو هو طائر يشبه الببغاء الذي يردد ما يسمعه دون فهمه فيأنس بهذا من هو حوله وشجرة الكينت نوع من أشجار التفاح وغيره، ورينيه ليناك، يشرح لنا أبو وميض أنه طبيب فرنسي كان يخجل من وضع أذنه على صدر النساء من مرضاه ولما لمح طائر نقار الخشب وهو ينقر شجرة يتكئ عليها ألهمه هذا الطائر باختراع السماعة الطبية عام 1816. في هذا النص الكثيف الحزن يوجز أبو وميض خلاصة الفقد والمسرات والأوجاع عبر مريع بأضلاعه الأربعة، شريكة حياته وشجرة التفاح ونخلته وهو في الضلع الباقي الأخير. وأنا أكتب هذا فوجئت بأن الفيسبوك يعرض علي وصلة جديدة ساخنة على عكس خوارزمياته بعد أن داهمني مترددا على حسابه، وصلة معادة لمنشور له على موقع إيلاف وهو من محرريه الدائبين، لكن وصلته المذكورة لا تطابق كما أظن سياسات موقع أيلاف وللسهولة سأحاول وضعها في خانة التعليقات.