ماذا عن اللون غير المرئي ؟
رنا خالد
في خطوة تفتح آفاقاً جديدة لفهمنا الحسي للعالم، زعم علماء بريطانيون أنهم اكتشفوا «لوناً جديداً» لم يسبق للعين البشرية أن رأته من قبل. اللون، الذي وُصف بأنه ظل مشبع من الأزرق والأخضر، لا يمكن رؤيته بالعين المجردة إلا من خلال نوع خاص من التحفيز البصري. هذا الادعاء المثير لا يطرح فقط تساؤلات حول حدود إدراكنا البصري، بل يلامس أيضاً أبعاداً إنسانية وفلسفية عميقة تتعلق بكيفية تفاعلنا مع الواقع من حولنا.علمياً، يرتبط إدراك اللون بآلية عمل خلايا شبكية العين، والتي تستجيب لثلاثة ألوان من الضوء هي الأحمر، الأخضر، والأزرق.. والألوان التي نراها يومياً هي مزيج من تلك الالوان التي ذكرتها ...أما هذا «اللون الجديد»، فإنه يتحدى النموذج التقليدي للإدراك اللوني، ويُعتقد أنه قد يكون نتيجة لتحفيز غير معتاد للخلايا العصبية في الدماغ، أو عبر ما يُعرف بتقنيات «التحفيز المعاكس»، التي تُستخدم لدفع الدماغ إلى خلق تجربة حسية لا تتوفر في الطبيعة. الجانب الإنساني هنا مذهل: ففكرة وجود شيء «موجود»، لكن لا يمكننا إدراكه إلا بعد تعديل في طريقة رؤيتنا، تضعنا أمام سؤال جوهري: ما مدى محدودية حواسنا؟ وماذا لو كان عالمنا مليئاً بألوان وتجارب لا نستطيع رؤيتها أو الإحساس بها ببساطة لأننا لم نُهيأ لذلك بيولوجياً؟ هذا النوع من الاكتشافات يذكرنا بأن إدراكنا ليس الحقيقة المطلقة، بل نافذة صغيرة نطل بها على جزء من الواقع، بينما تظل أجزاء أخرى منه محجوبة عنا.أما اجتماعياً، فقد يفتح هذا الباب نحو تصورات جديدة في الفن، التصميم، وحتى التواصل البصري. تخيّل كيف يمكن لفنان أن يستلهم مفهوماً لونياً لا يراه الناس عادة، ويُصمم أعمالاً تُعرض من خلال تكنولوجيا تسمح برؤية هذا اللون. وقد تدخل هذه الفكرة مستقبلاً في تقنيات الواقع الافتراضي، حيث يمكن للناس تجربة ألوان جديدة كجزء من عوالم بديلة أو مُعززة، مما يثري الخيال ويحفّز الإبداع.كما أن اكتشاف لون جديد يطرح تساؤلات أخلاقية وفلسفية: هل سيُتاح للجميع؟ أم ستُحتكره شركات التكنولوجيا؟ هل سيُدمج ضمن عالمنا البصري اليومي أم سيبقى تجربة نخبوية؟ وكيف يمكن لهذا اللون أن يغيّر لغة الألوان، ودلالاتها النفسية والاجتماعية؟ ان هذا الاكتشاف يبقى في نظري المتواضع ، بصرف النظر عن مدى إثباته العلمي تذكيراً ساحراً بأن حدود معرفتنا ليست نهائية، وأن للكون وجوهاً لم تُكشف بعد. «اللون الجديد» ليس مجرد تدرج بصري، بل رمز لإمكانية ولادة رؤى جديدة، وإعادة تشكيل علاقتنا بالحياة، وبأنفسنا، وبالآخر..