الانتخابات ثقافة قبل أن تكون ممارسة ديمقراطية
سامي الزبيدي
من المعروف ان الدول ذات الأنظمة الديمقراطية تولي الانتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية للمدن والمقاطعات أهمية كبيرة ويبدأ الاهتمام بالانتخابات من مرحلة التحضير لها وتشمل تشكيل اللجان المشرفة على الانتخابات والدعاية وتخصيص مراكز الاقتراع وتهيئة البطاقات الانتخابية وأجهزة التصويت والمناظرات بين المتنافسين والمقابلات التلفزيونية والإذاعية وإصدار التعليمات اللازمة لنجاح عملية الانتخابات وغيرها من الأمور التي تجري بكل دقة وانسيابية وعدالة تحضى بها جميع الأحزاب والكتل المشاركة في الانتخابات وبروح من المنافسة الحقيقية بعيداً عن التناحر والتنابز والإساءة للآخرين والتحيز لجهة معينة وبعيداً عن الممارسات العدائية التي تصل حد التهديد والاعتداء والاغتيال والخطف وبعيدا عن أساليب الدعاية الغير منضبطة التي تشوه معالم المدن وشوارعها وساحتها ومبانيها ولا تتقيد بالأماكن الخاصة للدعاية والملصقات والصور التي لا ضوابط لأحجامها وأشكالها وأنواعها وأماكن تثبيتها كما يحصل في العراق قبل كل انتخابات, ويجب ان تجري الانتخابات بكل هدوء وانسيابية وحرية ومنافسة حقيقية وانضباط عالي دون تأثير على الناخبين من جهات سياسية فاعلة ومؤثرة وميليشيات مسلحة(كما يحصل في بلدنا ) وبعد الانتهاء من الانتخابات يجب ان تعلن النتائج دون تأخير ربما يكون مبرر للتدخل في النتائج وبشفافية ومصداقية وتحضى النتائج بقبول جميع المشاركين فيها دون التشكيك فيها أو اتهام أحزاب فاعلة بالتزوير هذه هي الصورة الحقيقية والحضارية للانتخابات في الدول الديمقراطية وتأتي هذه الأمور نتيجة الثقافة الانتخابية العالية التي يتمتع بها الناخبون والمرشحون في تلك الدول على حد سواء ونتيجة معرفتهم بقوانين الانتخابات المعمول بها في بلدانهم ومعرفتهم الدقيقة بتفاصيل عملية الانتخابات وطريقتها ومراكز الاقتراع واحترامهم لكل المرشحين ولو كانوا من غير أحزابهم ان هذه الأمور لا تأتي من فراغ إنها نتيجة منطقية لتمتع الناخبين في تلك الدول بثقافة انتخابية عالية يعزز تلك الثقافة مؤهلاتهم الدراسية والعلمية والمهنية فلا فلا أمية ولا جهل ولا يوجد من لا يجيد القراءة والكتابة بين الناخبين يضاف الى ذلك الخبرة التي يتمتع بها الناخبون نتيجة لعمليات الانتخابات العديدة التي يشاركون فيها فاين نحن مما يجري في تلك الدول من ممارسات انتخابية رصينة ؟ ومن المسؤول عن التخبط الذي يحصل في الانتخابات سواء التشريعية أو المحلية في بلدنا سواء في عملية التهيئة والإعداد للانتخابات وفي عمليات وأساليب الدعاية أو في تنفيذ وإدارة العملية الانتخابية أو في عمليات الحفاظ على صناديق الاقتراع وعمليات الفرز وإعلان النتائج المشكوك في تزويرها سلفاً , صحيح ان المفوضية المستقلة للانتخابات تتحمل جزء من المسؤولية لكن ان المسؤولية الكبيرة في كل هذه الأمور وسلبياتها لتي ترافق كل انتخابات تقع على النظام السياسي في البلد والأحزاب السياسية التي جاءت مع الاحتلال أو التي تشكلت بعده لأنها ارتكبت أخطاء جسيمة بحق الشعب وبحق الديمقراطية التي يتبجح بها السياسيون كثيراً فلم يعطي الاحتلال الأمريكي للعراق ولا الأحزاب التي تسلطت على رقاب العراقيين الفرصة الكافية لأبناء الشعب للتعرف على معنى الديمقراطية وأنواع الأنظمة الديمقراطية وآليات وطرق إجراء الانتخابات المحلية والنيابية وشروطها والشروط الخاصة بالمرشحين ومؤهلاتهم واختصروا ذلك كله بصعود الدرج بقفزة واحدة وليس بقفزات ودرجات متتالية خصوصا وان شعبنا لم يمارس عمليات الانتخابات الحقيقية وفيه نسبه كبيرو من الأميين والذين لا يعرفون معنى الديمقراطية والانتخابات فاختلط الحابل بالنابل وضاع الخيط والعصفور وخسرنا ليس العملية الانتخابية الرصينة فقط بل الديمقراطية برمتها والمشكلة ان سلبيات الانتخابات تتكرر في كل انتخابات دون ان توضع حلول حقيقية لتفاديها وها نحن مقبلين على الانتخابات التشريعية وقد بدأت منذ الآن عمليات الدعاية الانتخابية ونصب الصور والملصقات وباشر رؤساء الأحزاب والكتل بالزيارات المكوكية لمختلف المناطق وللعشائر في مضايفهم وعقد اللقاءات والمؤتمرات قبل ان تحدد المفوضية موعد بدء الدعاية الانتخابية وستستمر السلبيات حتى موعد الانتخابات وما يرافقها من تهديدات وربما اغتيالات والتأثير على الناخبين من جهات نافذة وميليشيات خلال عمليات الاقتراع وربما تتعرض صناديق الاقتراع للتلاعب والتلاعب كذلك في فرز الأصوات وإعلان النتائج التي دائما ما تتأخر كثيراً كل هذه الأمور واقعية وستحدث إذا لم تتخذ المفوضية المستقلة للانتخابات إجراءات رادعة وشديدة تصل حد حرمان المرشحين المتجاوزين وحتى الأحزاب والكتل التي لا تلتزم بالقانون والنظام وتعليمات المفوضية من خوض الانتخابات وبغير ذلك ستبقى الانتخابات عرضة لتدخل الأحزاب المتنفذة وجهات فاعلة أخرى قد تغير كثيرا من النتائج الحقيقية لأصوات الناخبين.