الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى: حَوْل المادة 8 من ‏الدستور

بواسطة azzaman

التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى: حَوْل المادة 8 من ‏الدستور

عصام الحسيني الياسري

 

وصلنا إِلَى المادة (8) الَّتِي تَقُول: (يرعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم عدم ‏التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأُخرى، ‏ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ‏ويقيم علاقاته عَلَى اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية). ‏ولا ‏اشكال في هَذِهِ المادة إِلاَّ من جهة: 1) إلزامها الدولة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية ‏للدول الأُخرى حتى لو تدخلت في ‏شؤونها، والحق تَعَالَى يَقُول: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ ‏الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى ‏عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا ‏اللَّهَ)، ويقول أيضا: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ ‏بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ ‏قِصَاصٌ)، فكيف يجوز ان تدعو إِلَى الالتزام بمبدأ ‏عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأُخرى حتى لو لم تلتزم هَذِهِ ‏بعدم ‏التدخل في الشأن الدخلي للبلاد؟ ان في هَذَا اضعاف لهيبة الدولة وجعلها محطا لأطماع ‏الآخرين بحيث يسهل التعدي عليها ‏والتدخل في شؤونها، الا اللهم اذا ماشينا طريقة ‏التحايل من قول شيء وابطان آخر، والتي اصبحت هي السمة الغالبة ‏للسياسة في اغلب اصقاع العالم الآن، لكن علينا تذكر أننا نتحدث هنا عن دستور ‏اسلامي يفترض ان يكون النفاق أبعد ‏شيء عنه.‏

ثم ماذا عَنْ الَّذِين يتعاملون مَعَ جهات خارجية؟ اعني مِنْهُمْ السياسيين ‏الَّذِين يتعاملون مَعَ الدول الأُخرى لأجل تحقيق كل من ‏مصالحهم الخاصة من جهة، ‏ومصالح تلك الدول من جهة أخرى؟ ان الدستور ساكت عَنْ هَذَا الجانب الخطير في ‏العلاقات الدولية ‏الآن. ان التداخل وانتشار شبكات التواصل الدولية وعدم انحسار ‏وسائل الاعلام ضمن رقعة محدودة، ادى إِلَى تغيير الخريطة ‏السياسية في العالم بشكل ‏كبير. ففي كُلّ دولة أصبح أولئك الَّذِين يتمكنون من كسب الدعم المالي والاعلامي من ‏جهات خارجية ‌‏-ضمن اتفاقات تضمن مصالحهم ومصالح تلك الجهات- أكثر حظاً ‏في المجال السياسي في دولهم، بل أصبح من النادر ان تجد ‏سياسيا صالحا يستطيع ان ‏يتقدم في مجتمعه بجهده وجهود أهله من ابناء المجتمع بعيدا عَنْ التأثيرات الخارجية، ‏وخصوصا في الدول ‏المفتوحة مثل العراق، الَّذِي أصبح ساحةً للتدخلات الاجنبية، ‏ومسرحاً لنشاطات المخابرات الغربية، حتى انك لا تجد دولة اقليمية ‏أو أجنبية كبرى في ‏العالم إِلاَّ وتدعم حزبا أو شخصيات سياسية لضمان مصالحها داخل البلد. بل ان هَذَا ‏اصبح اليوم من أخطر ‏أوجه التدخلات بين الدول، ومن شأنه ان يدفع دائما بمجموعة ‏من الَّذِين يمتلكون القدرة عَلَى خدمة الاجنبي إِلَى ان يصبحوا هم ‏القادة يتحكمون ‏بالشعب، يتملكون الفضائيات والقنوات، وتتوفر لهم الأَموال والمقرات، وتسخر لهم ‏العمال والآليات، ليتقدموا ‏عَلَى الآخرين، وليكبتوا كُلّ الاحرار والشرفاء بالقسوة والقمع أحيانا أو ‏بالإلغاء والتهميش والتجاهل في أخرى. لكننا نجد الدستور ‏يسكت عَنْ هَذَا ‏الأمر وعن غيره من ألوان التدخلات! كيف والذين كتبوا هَذَا الدستور انما جاءوا أصلا ‏من خلال تدخل واحتلال ‏أجنبي، واستقووا ايضا بعامل خارجي، فهمشوا وأبعدوا ‏الشرفاء، وتجاهلوا من كان ولاءه للوطن من النجباء؟

ان تدخلات الدول، وخصوصا الكبرى منها، افرغ مبدأ عدم التدخل بين الدول ‏من كل معنى، بل انه وصل الى درجة أنك لا تجد ‏شخصا في منصبٍ عالٍ في ‏الحكومات الحالية الا ولضغط واعلام واموال جهة خارجية الفضل في جلبه لهذه ‏المنصب، بل وصل ‏الأمر أن حتى الشهرة والهيمنة على النفوس، والتي نراها لكثير من ‏الشخصيات في المؤسسات الدينية، تأتي أيضا من الدعم ‏الخارجي، فترى دعاة الدولة ‏المدنية، والساكتين عن الاحتلال والتدخلات الخارجية، أو انصار الخرافية والرجعية، هم ‏المقدمون ‏المتحكمون، اما دعاة الوطنية والتحرر والاسلام الثوري فمغيبون مكبوتون، بل بسبب هذا الكبت ‏والالغاء لا ترى لهم صورة، ولا ‏تسمع لهم صوتا.

‏‏2) ان هَذِهِ المادة دعت إِلَى ان يحترم العراق التزاماته الدولية وتناست الالتزامات ‏الاخلاقية الَّتِي هي مقدمة عَلَى الالتزامات ‏الدولية -التي تكون في كثير من الأحيان ‏مخالفة للاخلاق وتخدم مصالح الدول الكبرى فقط- فكان الواجب ان يكون هَذَا ‏الالتزام ‏مشروطا بتحقق الجانب الاخلاقي لا ان يلتزم البلد بما تفصل له الدول المهيمنة ‏عَلَى المنظمات الدولية. والحق تَعَالَى يَقُول: ‌‏(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ ‏بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، ويقول أيضا: (يُؤْمِنُونَ ‏بِاللَّهِ ‏وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ ‏الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ ‏يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)‏. واليوم تقوم ‏الدول الكبرى أحيانا بسحق الدول الفقيرة، أو التلاعب باقتصادياتها، بل وتسخر ‏منظمات المجتمع الدولي كمجلس الأمن وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لتدميرها والهيمنة عَلَى أسواقها، واحتكار ‏المواد الاولية والمصادر الطبيعية فيها، بل قد تستعمل عناوين حقوق الانسان ونشر الديموقراطية كوسائل للتدخل لإضعاف هذه ‏الدول وخلق الصراعات الداخلية والخارجية بينها، والأمثلة عَلَى ذَلِك أكثر من أن تحصى، من هنا فنحن نرى ان هَذِهِ المادة لابد ‏ان تتغير إِلَى النص التالي: (يلتزم العراق بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأُخرى إِلاَّ فيما يخص نصرة ‏المظلومين والوقوف مَعَ الحق، وبالسعي لحل النزاعات بالوسائل السلمية، وكل ذَلِك عَلَى اساس حفظ المصالح المشتركة ومبدأ ‏التعامل بالمثل،كما ويحترم ‏الالتزامات الدولية ما كانت منسجمة مع القيم الاخلاقية للشعب، وتنظم بقانون طرق تعامل الدولة ‏والافراد مَعَ الجهات الخارجية لضمان الامن والاستقرار وحفظ المصالح العليا للشعب وصيانة وحدة وسلامة أراضي البلاد).

 


مشاهدات 90
الكاتب عصام الحسيني الياسري
أضيف 2025/05/06 - 4:21 PM
آخر تحديث 2025/05/07 - 6:56 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1020 الشهر 8404 الكلي 11002408
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير