الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عزوبية الكاهن بين الإلتزام والإختيار 1- 2

بواسطة azzaman

همسات ساخنة .. ومضات هادئة

عزوبية الكاهن بين الإلتزام والإختيار 1- 2

لويس إقليمس

 

لم تتغيّر رؤية الرئاسة العليا في الكنيسة الكاثوليكية المعاصرة بالالتزام الصارم بقوانينها الأساسية بخصوص موضوعة عزوبية الكاهن، هذا في بيئة الكنيسة الغربية في أضيق التقديرات. فقوانين الكنائس الشرقية، في عمومها، أرثوذكسية كانت أم كاثوليكية أم آثورية، تجيز رسامة كهنة متزوجين بموجب قوانين حددتها، وحسب حاجة الكنائس المناطقية والظرفية في الزمان والمكان. فقلّة التوجه الحاصل في السنوات الأخيرة نحو رسالة الخدمة الكهنوتية في مناطق كثيرة من دول العالم، ومنها الشرق أوسطية التي تهمنا أكثر، قد حدت الرئاسات المحلية لتشجيع اجتذاب أشخاص متزوجين من ذوي الاستعداد للخدمة ممّن يحملون ثقافة مسيحية وإيمانية مقبولة ومن المشهود لهم رعويًا للانخراط في خدمة كنائس تعاني من نقص في خدمات الأسرار. وهذا أمرٌ طبيعيٌ لا يختلف عليه اثنان. فالفراغ القاتل الحاصل في نقص عدد الفعلة في الكرمة، لا بدّ أن يُملأ بالبديل الممكن المتاح، شريطة أن يكون ضمن المعايير المقبولة عرفيًا وتثقيفيًا ومجتمعيًا وليتورجيًا، ناهيك عن السمعة الطيبة والاستعداد الجيد والطوعي للخدمة «المجانية»، وليس كما هو جارٍ في الكثير من الحالات القائمة في السنوات الأخيرة لهاثًا وراء رزق إضافيّ وتطلّعًا لحياةٍ معيشية أفضل وهرولةً لموقع وظيفيّ أرفع في المجتمع الكنسيّ والوسط الاجتماعي على السواء. ومن المؤسف أنّ مثل هذا البديل الذي لا مناصَّ منه، لا يلبيه اليوم سوى اللجوء «القسري» من رئاسات بعض الكنائس نحو أفرادٍ يبدو عليهم الاستعداد لملء هذا الفراغ القاتل بأيّ شكلٍ من الأشكال كجزءٍ من الحلول الترقيعية الاضطرارية المتيسرة أمام الأنظار. وقد يزداد الوضع سوءًا بل حرجًا بعد ظاهرة انسلاخ وانتقال كهنة تابعين لكنائس معينة تعاني إداراتُها ورئاساتُها العليا من سوء إدارة الرعايا والشؤون المالية إلى كنائس شقيقة أخرى. وممّا أثار شيئًا من اللغط في هذه الظاهرة المريضة الخطرة، الارتجالية وغير المدروسة وغير محسوبة النتائج في العديد منها، بروز أدوات تصلّب إداري واضح من جانب بعض الرئاسات وتصاعد ظاهرة المحسوبية والانتساب للبيت العائلي في بعض الابرشيات التي كانت لغاية الأمس القريب شبه محصنة، بل وتتفاءل بسمعتها الطيبة بين سائر الكنائس، كما حصل ويحصل مؤخرًا وتحديدًا في كنيسة العراق

أمّا أن يرفض الفاتيكان الانسياقَ لغاية الساعة وراء مثل هذا الإجراء «القسري» في صحّة إقرارِه وضمن ظروفه الطبيعية المقبولة «رعويًا وثقافيًا واجتماعيًا وبيئيًا» بحجة المجاهدة والمطاولة ما أمكنه ذلك حفاظًا على أنظمة اتبعتها دوائرُهُ لصالح كنائس «غربية» حصرًا، بكونها نعمة للكنيسة وحسب، فهذا ربما لن يعود مقبولاً في قوادم السنين عندما تجفّ حواضنُ كنائس داعمة عُرفت بتصدير خدمات كهنتها باتجاه العالم الغربي ونتيجة لتباطؤ هذه الأخيرة مستقبلاً برفد كنائس الغرب بخدامٍ مغمورين جدد وفق موجبات وأسبابٍ مختلفة الأهداف والأغراض والغايات. مثل هذا النظام القائم منذ حينٍ على جذب وكسبِ فعلةٍ جدد «مستورَدين» من دول فقيرة ونامية إلى كروم كنائس الغرب التي أمست شبه خاوية ولم تعد تمتلئ كما بالأمس بالمؤمنين، فهذا شأنُ هذه الرئاسات في رؤيتها «المعصومة» في توفير البديل للنقص الحاصل في خدماتها الكنسية لبلدانها. في الوقت عينه، قد يكون اللجوء لتكليف عناصر علمانية لسدّ بعض الثغرات الإدارية واللوجستية في كنائس الغرب المتعثرة، فيه شيءٌ من حلولٍ لبعض المشاكل ومنها اللجوء لرسامة شمامسة إنجيليين لسدّ النقص في بعض الكنائس. ولكنه ليس كافيًا لتحقيق الغاية من أداء رسالة الخدمة الكنسية كاملة بضمنها التكفّل بخدمة جميع الأسرار وبحسب قوانين صارمة تصرّ رئاسة الكنيسة الكاثوليكية على ادامتها وتواصلها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

تحفظّات وهواجس

لقد أثارت تحفظات البابا الفخري الراحل «بندكتس السادس عشر» (+ 31/12/2022) الذي تشارك مع الكاردينال «روبرت سارا» في تأليف كتابهما المشترك الصادر بداية 2020، بشأن دفاعهما المستميت عن عزوبية الكاهن، لغطًا مشوبًا بالهواجس من مغبة بقاء الكنيسة الكاثوليكية أسيرة قوانين قد لا تصلح لحقبٍ أخرى متأزمة قادمة. فهذه الأخيرة ممكن أن تشكل تهديدًا مستقبليًا لاستمرار رسالة الكهنة في حال تفاقم أزمة النقص لحدّ الاستجداء من كنائس الدول النامية التي بدأت تشكو هي الأخرى من تسرّب خدامها باتجاه كنائس الغرب تحديدًا، لما في بلدان هذا الخيار الأخير من فرص جاذبة لحياة أفضل ورفاهة أحسن وتقدير أوسع وحرية أكثر.

 

وإلاّ ما سرُّ انحراف قافلة كهنة الشرق والقرن الأفريقي والأسيوي واللاتيني باتجاه بوصلة كنائس الغرب الأوربي والأمريكي، وتواصل هذا التوجه واتساعه يومًا بعد آخر! فهل هو شكلُ ونوعية الخدمة ووسيلة الاستعداد للتضحية بالنفس لتقديم الأفضل لكنائس أضحت شبه خاوية في بلدان الغرب أكثر ممّا توفره كنائسهم الأصلية وناسُهم ومواطنوهم ومؤمنوهم في بلدانهم التي هجروها؟ سؤالٌ جديرٌ بالردّ من أصحاب العلاقة ومن رؤساء وزعامات الكنائس المصدِّرة (بكسر الدال) للكهنة والرهبان ذاتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المسيحية المهتزّة والمتعثرة لأسباب عديدة، وما أكثرها لو شئنا البحث في أسبابها وموجباتها وحيثياتها. لهم شأنُهم في الردّ وفق رؤيتهم، بالرغم من معرفتهم بأنَّ «الحصادَ كثيرٌ والفعلةَ قليلون»!

أداء خدمة

حقًا، قد لا يستطيع غيرُ القريبين من الرئاسات الكنسية والمتضلعين بما يجري في بعض المقرات الأسقفية والأبرشيات المتناثرة من اختلافٍ في وجهات النظر وفي طريقة أداء الخدمة الكهنوتية من فهم وتقدير ما يحصل في أروقة هذه المؤسسات الدينية، الغامضة في بعض تفاصيل إداراتها والمنفرة في جانبٍ آخر من سلوكيات منتسبيها ورئاساتها العليا، لاسيّما حينما تكون الفروقات في نوعية الثقافة والخلفية السكانية والاجتماعية واسعة وغير قابلة النقاش والحوار. والخوف، كلّ الخوف أن يتحول شيءٌ من مثل هذا الحوار أو النقاش أو تبادل الرؤى إلى ما يشبه حديث الطرشان وسيادة الرأي الإستعلائي وما في جعبته ومضامينه من وجوبٍ بفرض بنود الطاعة «القسرية» من الرعية تجاه الراعي الذي يَعدُّ أيّةَ محاولة أو سعيٍ للخروج عن عصا طاعته وخارج رغباته من الخطايا الكبرى، بالرغم من احتمالية كون رؤية هذا الأخير قاصرة وعقيمة وغير مجدية ولا تتناسق مع توجيهات التأوين والحداثة والتطوّر المطلوبة في أسلوب إدارة كنيسة اليوم.

يتبع ج 2

 

 


مشاهدات 67
الكاتب لويس إقليمس
أضيف 2025/04/22 - 3:49 PM
آخر تحديث 2025/04/24 - 5:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 413 الشهر 25480 الكلي 10906127
الوقت الآن
الخميس 2025/4/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير