الإستعمار الحديث .. آلة سحق لا تعرف الرحمة
اورنيلا سكر
الاستعمار لم يكن يوماً مشروع خير أو آلة صدقة، بل هو آلة سحق ممنهجة تسحق الإنسان، وتجرده من إنسانيته، وتصادر حقه في أن يكون ذاته. نحن اليوم لسنا أمام خيار بين السلام أو الاستسلام؛ لأن السلام أصبح من الماضي. فماذا تبقى من السلام في عالم تتقاسمه الحروب والجوائح والكوارث، التي لم تكن سوى نتاج مباشر لمنظومة استعمارية ممتدة، اختبأت خلف أقنعة التقدم والتكنولوجيا؟
العالم ينهار تحت وطأة «تقدم» يُسوَّق على أنه إنجاز حضاري، بينما هو في الحقيقة شكل جديد من أشكال العبودية. عبودية ناعمة، شاملة، ذكية، تجعل الإنسان خاضعاً لمؤسسات وأجهزة وهيمنة ناعمة تُفرغه من حريته وكرامته. المعذبون في الأرض، والفقراء، والمهمشون، لا يزالون وقود هذا النظام العالمي، الذي تزداد فيه الفجوة بين من يملكون كل شيء، ومن لا يملكون حتى حق الحياة.
تحذير من بولندا: في تقرير لصحيفة Gazeta Wyborcza البولندية الناطقة بالبولندية، تم التحذير من اقتراب اندلاع حرب عالمية ثالثة. وبحسب الصحيفة، فإن تدخلات البابا فرنسيس وجهوده الإنسانية أخّرت هذا الانفجار، لكن بعد رحيله، يبدو أن العالم يقف على حافة الهاوية. حرب جديدة قد تُعيد البشرية إلى العصر الحجري، نتيجة جنون القوة، وتراكم الغضب، واستمرار الاستغلال.
الغرب الذي بلغ ذروة التطور التقني، يفعل ذلك على حساب بقية البشرية. ثروات العالم تُنهب، والشعوب تُستعبد، والعدالة الاجتماعية مغيبة، بل يجري سحقها بقسوة. نعيش اليوم مرحلة توسع للفجوة الطبقية، عبودية محدثة، إبادة ثقافية، واستعمار ناعم يعيد إنتاج الاستبداد بمسميات جديدة.
الخطر الأكبر ليس في الحرب فقط، بل في السؤال الأخطر: هل دخلنا مرحلة «ما بعد الإنسان»؟
الجواب المؤلم: نعم.
التقنيات، الذكاء الاصطناعي، الحروب الذكية والهجينة، أنظمة المراقبة، التحكم في الوعي... كلها مؤشرات على أننا أمام عالم جديد بلا روح، بلا إنسان، بلا مستقبل. إن لم نضع حداً لهذا المسار، فإن نهاية البشرية لن تكون إلا مسألة وقت.
جدلية العنف ليست جديدة، لكنها اليوم تكتسب طابعاً أكثر تطرفاً. وإذا لم تُقابل بمنظومة قانونية إنسانية عادلة، فإن الخراب قادم. العالم مهدد بكوارث أخلاقية، وإنسانية، وبيئية غير مسبوقة. إن هذا الغزو الاستعماري الحديث يجب أن يُواجه، لا بالصمت، بل بالمقاومة الفكرية والسياسية والحقوقية. لا مستقبل للبشرية دون استعادة حق الشعوب في تقرير مصيرها.