الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جورجيا لؤلؤة القوقاز.. التحليل الأدبي لرحلة الهاجس الصحفي


جورجيا لؤلؤة القوقاز.. التحليل الأدبي لرحلة الهاجس الصحفي

حمدي العطار

 

يقدم الدكتور أحمد عبد المجيد في كتابه “جورجيا... لؤلؤة القوقاز” رحلةً صحفيةً استكشافيةً تجمع بين السرد الذاتي والتحليل الموضوعي، مبرزاً رؤيةً فريدةً تنبع من خلفيته كصحفي متمرس ورئيس تحرير جريدة “الزمان”. لا يقتصر العمل على وصف الأماكن، بل يتعداه إلى كشف الطبقات الاجتماعية والسياسية والثقافية لجورجيا، مع مقارناتٍ لافتةٍ بالواقع العراقي، مما يجعله نصاً غنياً بالدلالات الأدبية والأنثروبولوجية.

 1.الأسلوب السردي: بين الذاتية والموضوعية

يجمع الكاتب بين “السرد الشخصي” (كحادثة تأخير حقيبته في المطار، والتي يربطها بموضوعٍ صحفي سابق) و”التحليل الموضوعي” (كدراسة النظام السياسي الجورجي). هذا المزج يعكس ثنائية الهوية المهنية للكاتب: “الرحالة العابر” الذي يسجل انطباعاته، و”الصحفي المحقق” الذي يبحث عن الأسباب والنتائج

- «الحدس الصحفي”: يظهر في تفسيره لمواقف مثل المضايقة الأمنية، حيث يُدخل القارئ في حوارٍ داخلي يربط بين الحدث والسياق الأوسع “قلت لعل المقال اغضب تبليسي فتعاملت معي بمثل هذا الجفاء “(ص21). 

- اللغة: استخدم لغةً واضحةً تتناسب مع الجمهور العام، لكنها لا تخلو من الانزياحات الأدبية، كوصف تبليسي بأنها مركزا على هذه العبارة “المدينة التي تحبك”، مما يوحي بجمالها المعقد والمترابط.

 2. التقنيات الأدبية: الوصف والمقارنة

- الوصف الحسي: يبرز في تصوير الطبيعة الجورجية (كـ”ينابيعها الحارة”) والمشاهد الحضرية (كأسواق تبليسي المزدحمة بالعراقيين)، مما ينقل الصورة بانطباعيةٍ تشبه لوحةً فنية

- المقارنة الثقافية: تُستخدم كأداةٍ لفهم الآخر، مثل تشبيه نهر تبليسي بنهر دجلة، أو مقارنة سلوكيات الشباب العراقي في جورجيا بالحرية المفقودة في وطنهم (ص25). هذه المقارنات لا تُظهر الاختلاف فحسب، بل تكشف عن اشتراكٍ إنساني في البحث عن الهروب والانتماء.

 3. الرموز والدلالات

- متحف ستالين: ليس مجرد مكانٍ تاريخي، بل رمزٌ للهوية الجورجية المتضاربة بين الفخر بالماضي السوفيتي والسعي للانفصال عنه. يُلاحظ الكاتب تناقضاً في إبقاء المتحف مفتوحاً رغم قسوة ستالين، مما يشير إلى “النزعة القومية” التي تختزل التاريخ في “ابن الأرض البار». 

- الموسيقى: تظهر كـ”لغةٍ عالمية” توحد بين الشعوب، تعكس رؤية الكاتب للفن كجسرٍ ثقافي، خاصةً في مجتمعٍ متعدد الأعراق مثل جورجيا.

 4. الموضوعات المركزية

- الهجرة والهروب: يتتبع حياة العراقيين في جورجيا، الذين هربوا من “جحيم الخريف” (إشارةً للحرب)، ليكشف عن مأساة التشرد والبحث عن ملاذٍ آمن

- الصراع بين الماضي والحاضر: من خلال تحليل الانتقال من الشيوعية إلى اقتصاد السوق، والتحديات الديمقراطية التي تواجهها جورجيا، مثل مركزية السلطة في تبليسي وإهمال المناطق الريفية

- السياحة والهوية: ينتقد الكاتب تحويل جورجيا إلى “أرض سياحية بكر” على حساب حقوق الفقراء، مشيراً إلى تناقضٍ بين جذب الأموال الخارجية وتهميش المواطن المحلي.

 5. النقد الاجتماعي والسياسي

لا يتردد الكاتب في توجيه “النقد اللاذع” للسياسات الجورجية، مثل

- اللامركزية: تركيز الخدمات في العاصمة وإهمال المدن الصغيرة، مما يهدد التماسك الاجتماعي

- الفقر والبطالة: انتشار الباعة المتجولين كدليلٍ على فشل النظام في تحقيق العدالة الاقتصادية

- الحرية كـ”انفلات”: يشير إلى سوء فهم الديمقراطية لدى بعض الشرائح، الذي تحول إلى انتهاك لحقوق الآخرين (كالتحرش بالنساء).

 6. البناء الهيكلي للكتاب

يتميز الكتاب ببنيةٍ مرنةٍ تتنقل بين

- السرد الزمني: بدءاً من الوصول إلى المطار، وانتهاءً بزيارة متسخيتا

- المواضيع المتخصصة: فصول مستقلة عن السياسة، المجتمع، السياحة، مع إرفاق ملحق الصور كشاهدٍ بصري

- الاستشهاد بالتاريخ: كفصل “صراع عراقي تركي إيراني على اللؤلؤة”، الذي يربط جورجيا بالصراعات الإقليمية.

- خاتمة: الرحلة كمرآةٍ ثقافية

يُعد الكتاب نموذجاً لـ”أدب الرحلة الصحفي” الذي يتجاوز السطح إلى العمق، حيث ينجح الدكتور أحمد عبد المجيد في تحويل انطباعاته إلى نصٍّ أدبيٍّ يحمل “بُعداً إنسانياً” و”رؤية نقدية”. لا يكتفي بتسجيل المشاهدات، بل يطرح أسئلةً وجوديةً عن الحرية، الهوية، وصراع الإنسان مع السلطة. عبر هذا العمل، يصبح القارئ شاهداً على حوارٍ ثقافيٍ بين العراق وجورجيا، يُظهر أن الأدب قادرٌ على كسر الحدود الجغرافية والسياسية.

 

 


مشاهدات 45
الكاتب حمدي العطار
أضيف 2025/04/12 - 1:44 AM
آخر تحديث 2025/04/12 - 8:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 174 الشهر 11744 الكلي 10592391
الوقت الآن
الأحد 2025/4/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير