ماذا بين عامي 1924 و2024 عراقياً؟
مارد عبد الحسن الحسون
يُعد ما صدر عن الصديق الشيخ عدنان الدنبوس بلاغاً على درجة من التشخيص الدقيق عن المفارقة الحياتية التي يعيشها العراق في الوقت الحاضر ،الدنبوس كان يتحدث خلال تضيفه في البرنامج الحواري (لعبة الكراسي) الذي تبثه قناة الشرقية الفضائية وتناول فيه وجود حالة مزرية عراقية مشبهاً بين ما كان يجري في البلاد خلال عام 1924 وما يجري فيه خلال عام 2024 بينما قطع العالم اشواطاً مهمةً على طريق التقدم والرقي والتطور في المئة عام بين هاذين العامين
المتباعدين .
المؤسف ،بل والمؤلم ، إن العراق مازال تحت سقف ظاهرة من التخلف في التعاطي مع مفردات الحياة اليومية فالبون شاسع بينها وبين المعايير والتطلعات والطموحات وهي معاييريستحقها العراقيون ،لأنهم شعب ذو حضارة عريقة تليق به ، إنه سليل الحضارات السومرية والبابلية والآشورية التي أنحنت لها شعوب العالم الاخرى اندهاشأ وتقديرا وانبهاراً ،واذا كان الصديق الدنبوس قد اكتفى بهذا التشخيص المنصف دون ان يمر على كل الاسباب التي ادت الى هذا النكوس الحياتي العراقي الحالي فليسمح لي بالتعقيب على ذلك متناولاً الاسباب الجوهرية التي ادت الى ما نحن عليه الان من ضياعٍ واضحٍ لبوصلة التقدم المناسب ضمن الركب الحضاري الحالي الذي تجاوز العديد من التطورات التقليدية.
نكسة حضارية
أعتقدُ جازماً ،إن الاحداث السياسية المتلاحقة التي مر بها العراق بعد 14تموز عام 1958 تقف سبباً تاريخياً للنكسة الحضارية التي ضربت البلاد اذا اخذنا بالوقائع الذي يشير الى دمويتها وصراعاتها الفئوية التي صدعت وحدة الشعب العراقي بينما كان معروفاً بتماسكه وتضامن مكوناته والحكمة التي كانت تزين وجوده انذاك ،كما ان الشرخ الذي احدثه النظام الصدامي الدكتاتوري السابق قد عمًق المزيد من التوترات والخسائر البشرية والاقتصادية والثقافية لصالح التوحش الامني والدموية التي كان عليها في استهداف حقوق كل الذين يعارضونه ، وهناك ارقاماً مرعبة في دلالاتها الاحصائية عن عدد العراقيين فقدوا ارواحهم ،وكذلك ما جرى في الحصار على العراقيين من فقر وجوع ، الوضع الذي قاد الى منهج بدائي مع هامش عام 2003 لحساب سيطرة النزعات الرجعية والطائفية المتطرفه وكذلك نزعة المناطقية نكاية بالوحدة الوطنية . ان كل ذلك الوضع تسبب في تضييع فرص التنمية الوطنية والانسانية الحقيقية والانشغال بتوزيع الحصص السياسية هذا لي وهذا لك . لقد تم تكريس الانشغال بقضايا جانبية عديدة على حساب الحاجة التنموية لتأهيل العقل العراقي ، اضافة الى ملفات الهجرة والتهجير والنزوح واللجوء الذي تتسبب بمغادرة الالاف من العقول العلمية النخبوية المهمة ولك ان تتطلع على انجازات عظيمة لعراقيين في الدول التي هاجروا إليها .
معرفة علمية
ومن الأسباب الاخرى للتخلف الذي يهيمن على العراق الان ،إنه يأتي في اطار السؤال ، ما الذي اضافته الجامعات العراقية سوى تخريج متعلمين أميين بالمعنى العام للأمية المعرفية .
هناك عامل اضافي لهذه الامية يتمثل بكثرة الجامعات الأهلية التي تخرج افواجاً من الشباب ليس لديهم من المعرفة العلمية المختصين بها سوى العناوين.
وعلينا أيضاً التوقف عند الفساد المستشري في البلاد الذي صارت له منظومات ومافيات لتمرير الكثير من الصفقات واذا اخذت بعين التشخيص الانقسامات الحصصية لصالح احزاب وجماعات بأهداف طائفية ومناطقية ضيقة يكون الجهل والتخلف قد سيطر على الكثير من ملفات التنمية وانحاز بها لصالح اجندة ذات طبيعة متخلفة هي الاخرى.
في العراق اليوم لا احترام للوقت ولا دالة قوية متواصلة للشفافية ولا نباهة تجعل من الامر بالتطور واجباً وطنياً متواصلاً.
وفي اطار ذلك يقول ابن خلدون عالم الاجتماع المعروف (ان الإنسان اذا طال به التهميش يصبح كالبهيمة لا يهمه سوى الاكل والشرب والغريزة)
وفي مجال اخر يرى ابن خلدون (كوارث الدنيا بسبب اننا نقول نعم بسرعة ولا نقول لا ببطء) .
لقد كان العراق اكثر تقدما حتى في التعاطي مع آداب المرور في الشوارع وليس كما في الوقت الحاضر، واذا كانت( التك تك) علامة فارقة في وسائل النقل العراقية الان فاننا نستخدم ارقى تنقنيات النقل ولكن بعقلية ركوب البعران .
المشكلة في نوعية الفهم .