كلام أبيض
لو كنت سنياً أو شيعياً
جليل وادي
هكذا وجدت نفسي مسلما، أنتمي لمذهب معين بحسب تنشئتي وجذور عائلتي، ومع ذلك لم يخطر في بالي يوما بأي دين أصدقائي يؤمنون، وبأي مذهب يعتقدون، وهم على مشارب شتى، والأقربون منهم في عقائدهم عني يختلفون، لكنهم على شخصي وعائلتي يحرصون، نقلب سوية صفحات الماضي، من الدين الى التاريخ ولم يحدث أن فرقتنا تناقضاته وتباينات شخصياته وقدسية رموزه، فالانسانية جمعتنا، أليس هذا هو جوهر الأديان كلها، والحرية التي تدعو لها؟، وان جانبا من تجسيده يتحقق عبر المصالحة مع الماضي، ولا أظن هناك من سبيل سواه، وكأني بذلك أقول: لوكنت سنيا لحققت ما يريده الشيعة وأستريح، ولو كنت شيعيا لاعترفت بما يؤمن به السنة وأُريح، مشكلة ماضينا عويصة، وفيها دهاليز شائكة، وكل منا يرى في نفسه مالكا للحقيقة والآخر على خطأ جسيم، فلا الشيعة تحققت أهدافهم، ولا السنة وصلوا الى مبتغاهم، وفي الحالين خسرنا الحاضر والمستقبل، مع اننا نحيا تحت سماء وأرض واحدة، لكننا منذ مئات السنين وما زلنا ندفع أثمانا باهظة، متى نتعالى على جراحات الماضي نحو أفق الانسانية الفسيح، وفضاء المستقبل المفتوح؟.
علينا معرفة ان المجتمعات المتخلفة تلك التي تحركها حوادث الماضي وليس التطلع للمستقبل، ولذلك فان رؤيتها للماضي واضحة، بينما معالم المستقبل غائبة، وتلمستم بأنفسكم حجم الضحايا والنكبات التي يعيشها أبناء الحاضر بسبب ان مجتمعاتهم ملونة وحوادث ماضيها متناقضة، ومع كل المآسي التي يخلفّها استحضار حوادث مُختلفٌ عليها الا انها بها متمسكة، وبفحواها مؤمنة، ولخسائرها غير مكترثة، وفي أغوار ماضيها نائمة، ولمستقبلها غير مبصرة، وكأن المستقبل طيف هلامي يمر في بالها، فتمضي القوافل مسرعة لمستقبلها، بينما هي في مكانها مترنحة، ومثل هذه المجتمعات ان لم يتشكل وعيها بمستقبلها، ستكون خارج التاريخ، ويومها لا ينفع الندم، ولن يكون بوسعها اللحاق بالآخرين عند صحوتها، فالأوان يكون قد فات.
منشغلون بالدفاع عن الماضي وكأنه الحاضر، ونريد من خصومنا تبني ما نؤمن به، ولأنهم مثلنا مهووسون بماضيهم ويرتبطون به بأوثق الأوتاد، فليس أمامهم سوى العناد، وبين هذا وذاك تموت العباد، ويزداد الرقاد، وبين الفينة والأخرى تطل الفتن برؤوسها من الكهوف، والجُهّال منا يضربون لها الدفوف، وبعد أن تصبح الدماء الى الركب، نقول : ان زمان الفتن قد عاد، وهذا ليس هو المراد، ولكن بعد فوات الأوان.
وتتمزق البلدان، وتتفرق الأحضان، مع اننا اخوان، وجمالنا وقوتنا في كوننا ألوان، لكن الماضي جعلنا شتان، وكل منا يتذرع بأنها عقيدة، وحقائقها راسخة في الوجدان، ونقر بذلك، ونوقر ما نعتقد، لكن ليس من العقل أن نهيم من أجلها في الوديان، وهذا ما حدث ويحدث الآن، والأعداء يتقدمون، ولأرضنا يصادرون، أما نحن فلسراب الماضي سائرون، وعلى هديه ماضون، وبكل ما فيه مؤمنون بصرف النظر عن خسائرنا، ومع ذلك يشمت أحدنا بالآخر، حتى في الموت نشمت، مع ان الجميع يموت.
مشكلتنا تكمن في الوعي بمستقبلنا، فهو لم يتبلور لدينا بعد، ولا نملك منه سوى كلمته، لأننا لم نثقّف له بايمان، بينما نجهد في تعبئة الناس بالماضي، بل جل جهدنا نبذله في هذا السبيل، حتى جعلنا الناس سجناء الماضي، يتدافعون وراء قضبانه ولا يريدون الخروج، ويظنونه هو الحياة ويتقاتلون لأجله حتى آخر قطرة من دمائهم، ولا يشغلهم المستقبل الذي وراء قضبانه، مَنْ أعمى الناس عن رؤية طريق المستقبل، مَنْ قال لهم ان نموذج الماضي هو الأصلح، طبعا يشددون على ذلك، فمن لا يعرف طريق المستقبل ينهمك في مسالك الماضي، لأنه يريد لنفسه أن يظل فاعلا ومستفيدا، ومستفيد يسلمنا الى آخر، اما كيف ندخل آمنين للمستقبل؟، فذلك ما يجهله الكثيرون، فيتمسكون برفض المصالحة مع الماضي.
jwhj1963@yahoo.com