الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إستراتيجية التبعية .. عبودية غير معلنة

بواسطة azzaman

إستراتيجية التبعية .. عبودية غير معلنة

احمد فكاك البدراني

 

في عالم السياسة والتجارة والمال ، تتجلى استراتيجية التبعية كإحدى أكثر الظواهر تأثيرًا على الشعوب والدول على مر العصور. التبعية هنا لا تعني بالضرورة الاستعمار الظاهر أو السيطرة العسكرية المباشرة ، بل هي شكل معقد ومتنوع من السيطرة الاقتصادية والسياسية التي تفرض على الدول والشعوب دون أن تكون مرئية أو مباشرة. يمكننا أن نعد هذه الاستراتيجية نوعًا من “العبودية غير المعلنة” التي تهدف إلى خضوع الدول أو المجتمعات الكبرى للدول أو الكيانات الاقتصادية الأكثر قوة.

1. تعريف التبعية

تُعرَّف التبعية في اللغة انها ( مشى خلف ، سار في إِثْر ، تلا ، اقتفى ، تبعه خطوة خطوة ) وفي السياق السياسي والاقتصادي بأنها حالة من الاعتماد المفرط على قوة خارجية ، سواء كانت دولة أو كيان اقتصادي.  تتخذ هذه التبعية أشكالًا مختلفة ، مثل الاعتماد على الاستثمارات الخارجية ، أو السيطرة على الأسواق ، أو فرض السياسات الاقتصادية من قبل مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

2. التبعية الاقتصادية: السيطرة من خلال المال ..

أحد أبرز أشكال التبعية في العصر الحديث هو التبعية الاقتصادية. في هذا السياق ، تقوم الدول الكبرى أو الشركات متعددة الجنسيات بفرض سيطرتها على الاقتصادات الضعيفة من خلال هيمنة على الأسواق أو الموارد. قد تلتزم الدول التابعة بعقود تجارية ظالمة أو شروط قروض تثقل كاهل اقتصاداتها ، مما يعمق من تبعيتها.

في العديد من الحالات ، تُجبر الدول النامية على تصدير مواردها الطبيعية بأبخس الأثمان للضرورات وبترتيب امرها ، في حين تستورد السلع المصنعة بأسعار مرتفعة. هذا النوع من التبادل الاقتصادي يعزز من التفاوت بين الدول ويسهم في إدامة وضعية التبعية ، مما يعوق تنمية الدول النامية وقدرتها على التنوع الاقتصادي.

3. التبعية السياسية:

فرض الوصاية الدولية

التبعية السياسية هي حالة تتم فيها السيطرة على القرار السيادي لدولة ما من قبل دول أخرى ، سواء عبر الحروب أو التحالفات العسكرية أو اتفاقيات غير متوازنة. في بعض الأحيان ، تأخذ التبعية السياسية شكل التأثير المباشر على سياسات الحكومة في الدول التابعة من خلال الضغط أو التهديد بالعقوبات أو التدخلات العسكرية.

دول مثل بعض الدول الإفريقية والآسيوية قد تجد نفسها في موقف صعب حيث تدير حكوماتها سياساتها بناءً على مصالح قوى خارجية. إن الضغوط السياسية مثل هذه غالبًا ما تؤدي إلى اتخاذ قرارات لا تعكس رغبات أو مصالح الشعوب المتأثرة.

4. التبعية الثقافية:

تعزيز القيم والهويات الغربية

التبعية لا تقتصر فقط على المجالات الاقتصادية والسياسية ، بل تمتد أيضًا إلى الثقافات والهويات. في كثير من الأحيان ، تروج القوى الكبرى لقيمها وأنماط حياتها من خلال وسائل الإعلام والتعليم والشركات العالمية.  هذا التأثير الثقافي يساهم في تعزيز “التبعية الثقافية” حيث تصبح القيم الغربية هي المعيار ، وتفقد الثقافات المحلية جزءًا من هويتها الأصلية ان لم تفقدها كليا .

على سبيل المثال ، تروج الشركات الإعلامية الكبرى لصور نمطية للنجاح والجمال والثروة ، مما يؤدي إلى تبني مجتمعات أخرى لهذه الصور كأسلوب حياة. بينما يعاني كثيرون من فقدان أصالتهم الثقافية وهويتهم التاريخية.

5. التبعية المالية:

الهيمنة عبر المؤسسات الدولية

تعتبر الهيمنة المالية أحد أساليب التبعية الأكثر تعقيدًا في العصر الحديث. المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تمثل أدوات قوية للدول الكبرى لفرض سياستها الاقتصادية على الدول النامية. من خلال القروض أو المنح المالية ، تفرض هذه المؤسسات شروطًا اقتصادية قد تكون قاسية وتستفيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلدان المتلقية. في معظم الحالات ، تكون هذه الشروط مرتبطة بإصلاحات اقتصادية قاسية مثل تقليص الإنفاق الاجتماعي ، تحرير الأسواق ، وخصخصة القطاعات العامة ، مما يزيد من معاناة الشعوب.

6. التبعية العسكرية:

الهيمنة بالقوة

التبعية العسكرية تأتي عبر انتشار القوات الأجنبية في البلدان التابعة كما اولت سوريا ابن حكم حافظ الاسد ان تفعل مع لبنان ، أو من خلال القواعد العسكرية التي تضعها القوى الكبرى في دول معينة لضمان مصالحها الاستراتيجية.  هذا النوع من التبعية يُستخدم لفرض النفوذ السياسي ، ويُجبر الدول المستضيفة على تبني سياسات تنسجم مع مصالح الدول المسيطرة. بعض الدول التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية ، على سبيل المثال ، قد تجد نفسها تحت ضغط شديد لتوفير الدعم العسكري أو اللوجستي في حالة الطوارئ. في بعض الأحيان، يتم استخدام التهديدات العسكرية أو التدخلات لإجبار دول أخرى على تبني سياسات معينة.

7. الآثار المترتبة على التبعية :

الآثار المترتبة على التبعية ليست فقط اقتصادية أو سياسية ، بل تتعدى ذلك لتشمل الأبعاد الاجتماعية والثقافية. مع استمرار التبعية ، تصبح الشعوب في الدول التابعة أكثر عرضة للفقر والتهميش ، وتفقد القدرة على إدارة شؤونها الداخلية بشكل مستقل.

فضلا عن ذلك ، قد تؤدي التبعية إلى تجميد التقدم الاقتصادي والابتكار ، حيث تظل الدول التابعة عالقة في نمط من الإنتاج والاستهلاك لا يمكنها الخروج منه. كما يؤدي استمرار التبعية السياسية إلى تقويض السيادة الوطنية ويجعل الحكومات غير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية استراتيجية تخدم مصالح شعوبها.

8. التخلص من التبعية:

لكسر حلقة التبعية ، تحتاج الدول إلى العمل على بناء اقتصادات قوية ومتنوع ، والابتكار في المجالات العلمية والتكنولوجية ، وتحقيق الاستقلال المالي من خلال التحكم في مواردها.

كما ينبغي على الحكومات المحلية تعزيز سياساتها في التعليم والبحث العلمي لتعزيز وعي المواطن بحقوقه وأهمية السيادة الثقافية والسياسية.

إن التحالفات الإقليمية والاقتصادية بين الدول ذات المصالح المشتركة يمكن أن تكون خطوة أولى نحو تقليل التبعية. كما أن تعزيز قدرة المواطن على المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية يعتبر عنصرًا أساسيًا في بناء مجتمع مستقل قادر على اتخاذ قراراته بدون ضغوط خارجية.

استراتيجية التبعية في عالم السياسة والتجارة والمال ليست مجرد ظاهرة اقتصادية أو ســـــــــــياسية ، بل هي عبودية غير معلنة وهي لا تسري على الدول والشركات وانما على الأفراد ايضا تستغلهم في الترويج او تنفيذ برامج اخرى ، اما ما يخص الدول والسياسة فانها  تهدف إلى السيطرة على الموارد البشرية والطبيعية للدول الضعيفة.

وفي ظل هذه التبعية ، تُقيد الحريات الوطنية ، وتُهدر حقوق الشعوب في تحديد مصيرها.

كسر هذه الحلقة يتطلب إرادة سياسية قوية ، وتنمية مستدامة ، وتعزيز الوعي الجمعي بحقوق الاستقلال والكرامة الوطنية.

  وزير الثقافة والسياحة والاثار


مشاهدات 237
الكاتب احمد فكاك البدراني
أضيف 2025/02/15 - 3:31 PM
آخر تحديث 2025/03/10 - 8:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 235 الشهر 5002 الكلي 10465951
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير