ترامب يشترط الحصول على المعادن النادرة الأوكرانية مقابل الدعم العسكري
محمد علي الحيدري
في 4 فبراير 2025، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة ترغب في عقد صفقة مع أوكرانيا تتضمن حصولها على المعادن الأرضية النادرة التي تمتلكها كييف، وذلك مقابل الاستمرار في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي في الحرب ضد روسيا. هذه التصريحات تبرز تحولًا ملحوظًا في سياسة ترامب تجاه أوكرانيا، إذ تعكس رؤية جديدة من الرئيس الأمريكي الذي يسعى إلى ضمان مصالح بلاده الاقتصادية في سياق حرب استنزاف طويلة الأمد.
ترامب في تصريحاته قال: “نحن نقدم مئات المليارات من الدولارات لأوكرانيا. لديهم معادن نادرة ممتازة، وأريد تأمين هذه الموارد، وهم مستعدون لذلك.” وهذا التصريح يبدو جزءًا من استراتيجية أكبر يسعى ترامب لتنفيذها لربط الدعم العسكري الأمريكي بـ الاستفادة الاقتصادية من موارد أوكرانيا الطبيعية. وبالفعل، في الفترة الأخيرة، اتجهت حكومة فولوديمير زيلينسكي إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية التي يمكن أن تكون عاملًا مؤثرًا في الاستقرار الاقتصادي الأوكراني.
هذه التوجهات ليست وليدة اللحظة، إذ يعود بعضها إلى لقاء جمع ترامب مع زيلينسكي في نيويورك في سبتمبر 2024، حيث طرح الأخير خطة واسعة النطاق لمشاركة الموارد الطبيعية مع الشركاء الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، مقابل الدعم العسكري في مواجهة العدوان الروسي. من خلال هذه الصفقة، يسعى زيلينسكي إلى تأمين موارده الطبيعية التي تضم كميات ضخمة من الليثيوم و التيتانيوم، والتي تُعد أساسًا للعديد من الصناعات التكنولوجية الحيوية.
ومن خلال قراءة هذا الموقف في سياقه الأوسع، نجد أن ترامب لم يتوقف عند مجرد تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، بل ربط بين هذا الدعم وبين مكاسب اقتصادية استراتيجية لبلاده. إذ تعد المعادن الأرضية النادرة، مثل الليثيوم، أحد المكونات الأساسية في صناعة التكنولوجيا الحديثة، خاصة في تطوير البطاريات و التقنيات المتقدمة. لذا، فإن العرض الذي قدّمته أوكرانيا لترامب لا يعد فقط محاولة للحصول على الدعم الأميركي، بل هو أيضًا سعي لتأمين مصالحها الاقتصادية وضمان الاستفادة من مواردها الطبيعية.
من ناحية أخرى، يعكس التصريح الأميركي تحولًا جوهريًا في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الحروب الحديثة، التي بدأت تتخذ طابعًا اقتصاديًا بشكل متزايد. بمعنى آخر، أصبح دعم البلدان الحليفة يعتمد بشكل متزايد على الصفقات الاقتصادية التي تعود بالمنفعة المباشرة على الاقتصاد الأميركي. هذا التكتيك يعكس نظرة ترامب الاقتصادية التي تسعى إلى توسيع النفوذ الأميركي ليس فقط عبر الأسلحة والجنود، بل عبر السيطرة على الأسواق العالمية و الموارد الاستراتيجية.
إلا أن هذا الاقتراح قد يثير العديد من التساؤلات السياسية. إذ يرى بعض المحللين أن السياسة الأمريكية تحت قيادة ترامب تميل إلى أن تصبح أكثر تجارية، حيث يتم تحويل العلاقات الدولية إلى صفقات بدلاً من أن تقتصر على الدعم العسكري التقليدي. بينما يعرب آخرون عن القلق من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى تفتيت وحدة التحالفات الدولية، خاصة مع الدول الأوروبية، التي قد ترى في هذه السياسة محاولة أمريكية لتحميلها المسؤولية المادية الأكبر في الصراع مع روسيا.
وفي الوقت نفسه، فإن الحكومة الأوكرانية قد تواجه تحديات داخلية وخارجية في قبول هذا العرض، خاصة في ضوء المخاوف من التهديدات الروسية و الإيرانية على مواردها الطبيعية. حيث أن بعض المصادر الأوكرانية أفادت بأن أوكرانيا تسعى أيضًا إلى ضمان حماية مواردها الاستراتيجية من خلال دعم الحلفاء الغربيين. ويبدو أن أوكرانيا تتجه نحو تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة لضمان تحقيق أمنها الاقتصادي.
وفي هذا السياق، يرى مصطفى نايم، رئيس وكالة الترميم الأوكرانية السابق، أن المعركة ضد العدوان الروسي لا تقتصر على القتال على الأرض، بل تمتد إلى السعي لحماية ثروات أوكرانيا الطبيعية. حيث يقول: “النضال من أجل السيادة الوطنية يشمل الآن أيضًا النضال من أجل استعادة السيطرة على ثرواتنا الاستراتيجية.” وهذا يعكس أهمية الموارد الطبيعية في الصراع الدائر.
وفي المحصلة، فإن الصفقة المقترحة من ترامب قد تضع أوكرانيا في موقف حساس، حيث يتعين عليها الموازنة بين تأمين دعم عسكري أمريكي مستمر وبين حماية سيادتها الاقتصادية، وهو ما سيجعلها مضطرة لتقديم تنازلات قد تؤثر على توازن علاقاتها الدولية.