العقوبات الأمريكية تحرق الغاز الإيراني في العراق
نبراس المعموري
شكّل قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإلغاء الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران تحديًا كبيرًا على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد. فقد جاء القرار ضمن سياسة “الضغوط القصوى” التي فرضتها واشنطن على طهران بهدف تقليص نفوذها في الشرق الأوسط، في إطار إعادة رسم خارطة التوازنات الإقليمية بعد حرب غزة، وإضعاف تأثير إيران في لبنان، والسعي إلى تغيير النظام في سوريا. لكن في الوقت ذاته، وضع هذا القرار العراق أمام معضلة معقدة نظرًا لاعتماده الكبير على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الكهرباء. وتضمن القرار الأمريكي خطوات فورية بالتنسيق مع وزارة الخزانة لمنع إيران من استخدام النظام المالي العراقي أو دول الخليج كقنوات للتهرب من العقوبات، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على بغداد. ونتيجة لذلك، بات العراق مضطرًا للبحث عن بدائل مكلفة لاستيراد الغاز من دول أخرى أو تطوير بنيته التحتية لإنتاج الغاز محليًا، وهي عملية تتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ورغم توقيع وزارة النفط العراقية مذكرات تفاهم مع شركات دولية مثل “سيمنز إنرجي” و”شلمبرغير” للاستثمار في معالجة وإيقاف حرق الغاز من الحقول النفطية وتحويله إلى طاقة مفيدة، إلا أن السؤال الأهم يبقى: كم من الوقت سيستغرق العراق لجني ثمار هذه المشاريع؟
التحديات والعقوبات الأمريكية
لطالما حاول العراق تطوير قطاع الغاز والاستفادة منه في توليد الكهرباء، حيث منحت عدة جولات لترخيص الشركات امتيازات في عامي 2009 و2014 لاستغلال الغاز المصاحب في الناصرية والبصرة، لكنها لم تحقق نجاحًا يُذكر. وجاءت العقوبات الأمريكية الأخيرة دون تمييز بين العراق وإيران، مما وضع بغداد أمام خيارين صعبين : اما تحمل العقوبات الاقتصادية والتداعيات السياسية، وربما الخيار العسكري. او البدء بإنهاء الارتباط مع إيران وإيجاد بدائل استراتيجية طويلة الأمد.
إلا أن الانقسام الداخلي بين القوى السياسية العراقية بين مؤيد للسياسات الأمريكية ومعارض يرى أن العراق يجب أن يكون أكثر استقلالية، جعل اتخاذ أي من الخيارين محل سجال طويل لم يكترث لحجم الأزمة التي ستتطور بسبب هيمنة الولاءات الفردية والحزبية والتدخلات الخارجية امام غياب الولاء الوطني ومصلحة البلد .
يعد العراق من أبرز الدول النفطية في الشرق الأوسط، حيث يقدر احتياطيه من الغاز بـ132 تريليون قدم مكعب، ما يجعله يحتل المرتبة الخامسة عربيًا والعاشرة عالميًا من حيث الاحتياطي الغازي. ومع ذلك، فإن بيانات وزارة النفط العراقية تشير إلى أن العراق يحتل المرتبة الرابعة عالميًا في حرق الغاز، حيث يتم إهدار ما يقارب 14 مليار متر مكعب سنويًا، مما يجعله يعاني من عجز مزمن في الغاز ويعتمد على استيراد نحو 40 بالمئة من احتياجاته من إيران لتشغيل محطات الكهرباء.
ينتج العراق حاليًا حوالي 16 ألف ميغاواط من الكهرباء، وهو أقل بكثير من حاجته المقدرة بـ24 ألف ميغاواط، والتي ترتفع إلى 30 ألف ميغاواط خلال فصل الصيف. وعند توقف إمدادات الغاز الإيراني إلى المنطقة الوسطى لمدة شهرين خلال شهري ديسمبر ويناير، فقد العراق نحو 8000 ميغاواط من الطاقة، مما أدى إلى أزمة كهربائية حادة. على مر الحكومات المتعاقبة، كان تراجع إمدادات الكهرباء سببًا رئيسيًا في تصاعد الغضب الشعبي، حيث شهدت عدة مدن عراقية احتجاجات واسعة ضد تردي الخدمات الأساسية، مما زاد الضغط على الحكومة لإيجاد حلول مستدامة. وقد لعب الفساد المالي والإداري دورًا رئيسيًا في تفاقم أزمة الكهرباء وإهدار الموارد الطبيعية للعراق، وعلى رأسها الغاز. فمنذ عام 2003، أنفقت الحكومات العراقية المتعاقبة ما لا يقل عن 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، ذهب نصفها تقريبًا للاستثمارات في محطات التوليد الجديدة، بينما استخدم النصف الآخر للنفقات التشغيلية، بما في ذلك الرواتب وشراء الوقود والتيار الكهربائي من دول الجوار. ومع ذلك، لم ينجح العراق حتى الآن في تحقيق استقرار حقيقي في قطاع الكهرباء.
البدائل الممكنة
لمواجهة هذه التحديات، و البحث عن بدائل لتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، لابد من :
1.تنويع مصادر الطاقة: من خلال استيراد الغاز من دول أخرى مثل قطر وتركمانستان، حيث تحرك العراق نحو البلدين لتأمين إمدادات الغاز بسبب العقوبات الأمريكية على إيران. وينبغي الإسراع في تنفيذ هذه الاتفاقيات لمنع أزمة كهربائية جديدة، خاصة مع اقتراب فصل الصيف اللاهب.
2.الاستثمار في الغاز المحلي: حيث يمتلك العراق احتياطات ضخمة من الغاز غير المستغل، ويمكن أن يؤدي تطوير هذا القطاع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال السنوات المقبلة. لذا، من الضروري تسريع مشاريع معالجة الغاز المصاحب وتقليل الهدر.
3.التحول نحو الطاقة المتجددة: وقد بدأت الحكومة العراقية تنفيذ مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن هذه المشاريع لا تزال في مراحلها الأولى وتحتاج إلى دعم حكومي وتشريعات تشجع الاستثمار في هذا المجال.
4.اعتماد سياسة وطنية مستقلة في إدارة ملف الطاقة: وهذا يتطلب حل أزمة الكهرباء والغاز إبعاد الملف عن التدخلات السياسية والفساد المالي والإداري، مع وضع مصلحة العراق أرضًا وشعبًا في المقام الأول.