" قراءة نقدية لقصيدة الشاعر الكبير عبد المنعم حمندي
"لماذا يكرهون الجُلنار؟"
عامر محمد أحمد حسين
----------
مشهداول
لماذا يكرهون الجلنار للشاعر العراقي عبدالمنعم حمندي_ نشرت في 5 شباط فبراير 2024م .
لم اقرا للشاعر من قبل كعادة نجدها متراكمة ، إما بسبب نشر الكتاب العربي ،او رسوخ في الذاكرة لأسماء شعراء ، ومفاجاة القصيدة لاتقل عن التعرف على الشاعر ،و سلسلة من الاسئلة .. في هذه القصيدة يقف الجلنار زهرة برية في ميعاد الشمس و في سر (سرها)اريج من طلعة البدر ،ورحيق الامس الغارب عن معبد النور، وارض السواد العراق ،يسكن هدوء نسبي على نهر دجلة وشقيقه الفرات، حينما تظفر بنغم يشدو به حزين في شارع ( المتنبى) ،والرمز محمد المهدي الجواهري، في علاماته جوهر الشعر النخيل ، وسؤال مايعدل الشعر في التعبير والفكر لم يظهر بعد في كتابة.يهدينا حمندي ، كلمته الاولى : لا شئ يمنعنا هذا السجال.. إذ الأرض ارتوت من الدماء وصرخت من العناء وقالت بلسان الفجيعة "
.....ليلٌ طويلٌ ..
والنهار حمامةٌ ،
حطت.. ترتل في الهديل دموعها
وترتلُ
بوح الزهور الذابلات من العطش
ونحيبها "
صوت جهور في النداء وإذا لم تجد ثمة حاجة للنداء قل :بشفافية .انه يرفض من النافذة ان يرى العتمة في ظلال الواقع المعيش، او ان تفوته لحظة واحدة من رحلته في نهار وليل الماضي والحاضر وشقشقة عصافير الحياة وهديل لايحجبه ظلام _ليل طويل إذ نهاره حمامة _ حطت وصورة الجمال خلف صوت الهديل تهدي المارة طريق النور حيث تمر ايام الحياة وسط قهمهمات الظروف الصعبة، ومع الصمت يومض الرفض "ترتل في الدموع هديلها ..ما اقسى صلاة الدموع وهي مشحونة بظلم وغضب ، لايقترح شيئاً سوى همسة في فضاء الروح علها تعيد الامل .قف.. انصت لحديث الروح، ونجواها "
بوحُ الارامل واليتامى النازحين إلى الغبش
بوحُ النخيل..
وكيف كانت صورة الموت
المكدس في الشوارع
طارت حمامتنا.."
.الحديقة الغناء في فضاء الامس البعيد قبل ان تحط الرحال على شجرة اصيلة .. ترتكز الحضارة البابلية على رموز ،وإشارات ترسلها الحمائم الى مغارة الروح ومقرها ،و في عذاب متصل تطرد العتمة / الظلام / الظلامية تطرد الحمائم وتحبسها في قفص الصمت فإذا نسيت النظام الشمسي لرحلة الخنوع والخضوع زجرت الطبيعة وزجرتها طبيعة القمع فتغني وهي ترى في الامس واليوم والغد ، قوافل ،الارامل ، اليتامى النازحين ، صورة الموت المكدس في الشوارع _ للنخيل بوح للجريد، بان يظلل لليتيم عشه، وللحمامة هديلها ، ويسأل الجميع : كيف كانت صورة الموت ؟ الاجابة : طارت حماماتنا مع ارواحهم ،وارواحنا مع انين هديل نخيلنا وكان امس يستقبل النهر ،زفة فرح ،طفل وطفلة يلعبان بالطين ويغنيان للمستقبل :كن هناك..كن حيث انت..لاتسمع لهم ، لاتقل لهم ساعود،سيجهزون السكاكين..لاتهتم ، ارسل إلى ذاتك تذكرة بالصمود ، ولاتخضع لهم،هل شاوروك حينما امسكوا بالحبال وقيدوك وقالوا : جئنا للإصلاح ،جئنا للفلاح ..وهم للموت والخراب اقرب ! متقاربات حقول احاسيسهم بالوطن والمواطن..وانت في في رحلة الصمود اياك اياك : انت تسمع اجراس تدق في راسك ، انصت لطبقات من الزمن المتراكم وقل لهم : افكر فيما ينبغي علي فعله..
الخوف..
"ولا تخشى العواصف في القوارع
.....
ذا لونُنا وخريفُنا ..
وجهٌ تهشم في الزجاج
ليلٌ طويلٌ من ذئابٍ عاويات في الفُجَاج
ما حيلة المضطر يوم يخونه الماء الأُجاج؟"
لون الخريف الاخضر ، يزحف من فؤادك يطفي نارهم المشتعلة في جنبات روحك ،وما " حيلة المضطر يوم يخونه الماء الاجاج "
مالح ماء الخديعة لمعادلة بان هناك في ضفة اخرى ،عذب فرات من ماء الحرية طعمه من جنة السؤال حول الأنا والمصير ، الذات والموقع، تدفع عربة الآمال غصباً عنهم إذ لايملكون الرؤيا والخيال والخيار بين قوس الهزيمة والانتحار _ انتصار ."
ما حيلة المضطر في ليل العقارب ؟
أفرغتُ من وجعي
ومن نّؤحي على زمنٍ مضى
أم ما أزال مكبلاً بين انكساره
وانتظار الفجر في قلق المغارب ؟
أم أن أسير كما الحواة
اللاعبين مع الثعالب؟"
كل خيار بلا اجابة هو سؤال ؟ ،كل انكسار في مواجهة الثعالب ،العقارب في زمن الكلمة هو رفض للنور . الرفض و اليقين الثبت والإصغاء الدقيق لصوت الحمام وهديله يحددان.طريقك برفض الهزيمة الاخيرة و يعطيان اجابة للسؤال :
".......والقول الفصل :
"هم يكرهون الجُلنار
قد يكرهون النهر يضحك للعنادل
والبلابل والنهار
أويكرهون الشمس والأشجار
تمشي خلفها كتل الغبار."
والسؤال هل ثمة جواب للجواهري " ارح ركابك من اين ومن عثر ،كفاك جيلان محمولاً على اثر ، كفاك موحش درب رحت تقطعه كانه مغبرة ليك بلا اثر _ هم يكرهون السؤال والليل والغبار والعنادل والنهر والبلابل والنهار ،ويكرهونك ثق في ذلك ويكرهون انفسهم لان درجة كراهيتهم مقرونة بالانمحاء ،لايريدون لك المحو ،بل الصحو والعذاب..ثق في ذلك ،لاتجزع ،افرح ،تبسم ،وارسم على جدار البيت والشارع والقلب اغنية عنوانها : لاشيء من كل ذلك، وتذكر ضحكة طفل اخيرة يرسل يديه في وجه من يحب في قارب الموت و من ضحايا البحر..تذكر ذلك الطفل السوري وهو يطفو بالقرب من شاطئ النجاة وكيف انهم اتهموا والده بأنه مهرب بشر. تلعثم لسانه واعترف بذنبه بانجاب ضحية اعتدت على البحر بقارب الهروب من الموت في الوطن . وتاكد ولاتناقش في ذلك ولاتقل :
"لكنهم
يستعذبون دماءنا وزلازلاً تهوى الدمار
....
لملمتُ جرحي وانتفضت
وسرت فوق مجامرٍ
وما انكسرت
في قطرةٍ للحبر تسقط أدمعُ
وتُذلُ هامٌ عندها أو تُرفعُ
أسندت قلبي للضمير وللوطن
كي لا أباع واشترى
أو أن أبايع مرتهن "
كيف لك ان تلملم جرحك ؟،افتحة ،انتظر السكاكين واحتفي بذلك لاتخف ،هي الشفاء والدواء ،اترحل عن ديار شيدوها بالجماجم ،الوانها طلاء الدم ،حديدها اسياخ صنعت خصيصاً للرؤوس التي تقول :" اسندت قلبي للضمير والوطن ، اسنده للرياح الهوجاء لتزرع ماتبقى من جراح " لملمت جرحي وانتفضت وسرت فوق مجامر وما انكسرت " كانوا يريدون منك الوقوف في صف الملاحظة والتلفت والسؤال عن مايفعلون ؟. وقبل ان تستلم صك بالاجابة : يرسلون صورة الدمع و"الشعر المنكش" الى الاحباب ،وثقوا لك مايهزمك ويمنعك الاجابة ، لاتلتفت إلى ذلك بعد وصول الصورة مزقوها ، وجدوا ابتسامة وتحدي وحملوك الى السجن بتهمة الابتسام وبيع الفرح .هزمتهم :
.....
"كم طائر يرمي عليَٓ من الورود رحيقها
ومن النجوم ضياءها
فيؤرخ التاريخ ما رسم الدخان
على الجباه من الفتن
ويوثق الغضب المؤرق في النخيل
وكل شيءٍ قد تداعى في الوهن "
يالطريق المسكين ، نتوءات هنا وهناك ،جحافل تمضي في طريق النار ،يحجبها دخان كثيف ورائحة حريق والتهمة الحماية من الناس ..تحتجب انت في ذاتك ،ترفض الفتن ،ترفض الركوع ،يهزمك الجميع ، لايعترفون بلون الورود ولاطعم الرحيق ،يحتفون بالحريق يلتهم النخيل ،يرعون النجوم كي لاتوثق بالضياء _ الجريمة _ العقاب ان ترسل الخواطر للبعيد ، للهروب من الواقع حيث هناك تثبت انت الزمن والسؤال هل سيفرحون :
.....
."كُنَّا ومازلنا الهلال ،مسلة التكوينِ ,
كنا مصدر الأنوار والٱي المبين
وما تبقَّى من شعاع الأولين
لا تستفز جروحنا دعها تنام على الحصى
دعها تنام ."
خيط الامل الواصل بين حضارة النهرين وحاضر دماء النهرين ، صورة الموت الموثق في الشوارع ،بالبرد ،الحرارة ،قطع جذوع النخيل لكي لاتنبت والارض تتحول من الخصوبة " ارض السواد " إلى موات ، القانون غياب..طالب بالعقوبة لاتطالب بإنصاف.؟شهادة. مسلة التكوين ،باعوها في السوق امس وقالوا : لم نبدا الابجدية ولم نرسم نقوش بابل، او نسمع البلابل ،لم يكن لنا تاريخ ،كنا نخوض مع الهمجية ونرسل الحمام في اظافره بقايا من رماد ولسنا غير اجنحة مكسورة ادعت زوراً وبهتاناً بدء الكلمة الاولى: لاتخشى ولاتعتذر وانت القائل :
"أخشى على تلك الجبال،
تصدعت من نزفها وأنينها
دعها تنام
" نامي ولا تستيقظي"
أخشى عليك من الظلام
ومن سهام الانتقام
حتى غدونا نرتضي بمصابنا
أو بالذي زرع الطَّغَام "
قاموا من نومهم ،نظروا الى خريطتنا العقلية والجغرافية ..قال سايكس: لايستحقون دولة واحدة ..قال بيكو: الحق ياصديقي ماقلت لايستحقون دولة واحدة وإنما "عشرون " وفي كل بيت دولة " خمسون لايتفقون على حد ادنى او اعلى ،يرسلون شواظ من نار نحو المقر ، فإذا ما احترق وسكت الشعب ،تناسلوا في راسه الطغاة ،يحمل الطاغية راسه فوق كتفه ،فيحمل الشعب وثيقة سفر اضطرارية..في مطار الهجرة : في محطة الوصول وفي صالة مفتوحة جديدة ، يمسك حفيد سايكس الوثيقة الاضطرارية ويضحك وفي صالة اخرى ، تعترف لبيكو..لازال بيكو حياً وهو عضو دائم في مجلس النميمة ..وتعترف ولاتخشى منهم :
.....
"كنا صغاراً حالمين
نصفّقُ لغبائنا وعهودنا
وللنشيد المدرسي
برفعة العلم التلاميذِ
ولا يدرون ما صنع العهد
حذفوا النجوم من العلم
لاشيء بعد رحيلها
وعليكَ أن تجدَ الذي
قد أستبد
هي فكرةّ ورسالةّ وئدت كما وئد البلد "
حالمون طيبون ،نابهون ،خيرون ، وفي نفس اللحظة عندما خرجوا من الطفوله ، قال الشارع : قالت المدرسة .قال البيت : قال القائل : لاتحب مايسمى بالمكان ، حب نفسك..حب المكان خيانة ؟، حب النفس : وقاية من محن الزمن ، لم يكن في الامر انانية ..باعونا بلاثمن للتخثر والخنوع والخنادق والحروب ، يرسلون الموت للطرقات فإذا وجدوك من الاحياء عادوا ، ارسلوك من جديد مع الوصية : لن يتركوك
"وأينما وَلَّيْتَ وجهكَ:
لا ترى غير الذين تباهلوا
كي يلعنوك إلى الأبد
أويلعنوا الأرضِ التي قد أنجبت
تلك الينابيع الزلال
إياك أن تحزن إذا ما الليل طال
.....
لاشيء في وقع الزلازل
لا شيء يقهر في الدجى
الحب حلوّ في المنازل
والظلم منبوذّ بكل الارض سافل
نحيا وهل يوجد سوانا
في المقاتل والمحافل ؟
لا ننحني ما دامت الأزهار تنمو في الجروح
وفي الدماء تبرعمت فيها السنابل
.....
لاشيء يمنعنا سوى هذا السجال
أومثلما كنا سنبقى في الزمان مرابطين
نرتل اللحن الأصيل وننشد النغم الجميل،
ومثلنا يبقى ولا يخشى الزوال "
يستطيع الشاعر عبدالمنعم حمندي ، بهذه القصيدة رسم معالم واضحة لمستقبل الشعر في خارطة الإبداع ، والشعر لامنافس له بين الواجهات وهو صورة مبهرة في وجه الزمن لايتغير ولايتبدل ، ثابت وراسخ ..