الريبة في عمل الصحفيين
عدنان سمير دهيرب
إن إرتباط أغلب المؤسسات الإعلامية و الصحفية بالمنافع السياسية و الحزبية و الاقتصادية ’ لاسباب آيديولوجية و قومية و مذهبية , و دخول (حديثو المهنة ) - جُلهم من المتطفلين على مهنة الصحافة النبيلة - الى تلك المؤسسات التي نشأت في ظروف مرتبكة , لتسويق خطابات تحمل في أحايين كثيرة قدراً من لوثة التكاره لزرع بذور الفرقة و تعميق الصراعات و الخلافات التي كانت سبباً في إستمرار الاضطرابات و توالد الازمات , إذ تشكل تلك الوسائل أذرعاُ و أدوات لعرض خطاباتها و نشر أخبارها الملونة التي يقضم فيها وضوح المعلومة , و يختلط فيها التضليل و الكذب مع الصدق , ما أفضى الى تراجع أخلاقيات المهنة و شروط الاعلام و عناصر الصحافة في الموضوعية / الدقة / تقصي الحقيقة / التوازن / التحقق / الرقابة المسؤولة و مساءلة السلطة , لتغذية المتلقي بالمعلومات الصادقة التي تكابد في حضورها , لاقناع المواطن الذي أخذ يميل الى التسلية و الأخبار المزيفة التي تلامس أهوائه , و تنتج تسطيحاً للعقل و اللامبالاة بالمشاركة في صنع القرارات التي تصدر من الجهات المختصة , إضافة الى تراجع القراءة و التأمل حول ما يطرح من تحليل للوقائع و الازمات .إن التغير و التطور في وسائل التواصل و الاعلام و الذكاء الاصطناعي و عرض ملايين المعلومات , و الاخبار الفورية بمعزل عن أسبابها مع سرعة و كثافة ما يتدفق من تلك الوسائل و الأدوات لطمس الوعي و ليس إيقاظه لدى الجمهور من ناحية و الى تسريب الريبة من ناحية أخرى الى ضمائر الصحفيين , و فرض تحديات أخرى إزاء التزاماتهم المهنية و الاخلاقية في كيفية التعاطي مع تلك الشروط و العناصر التي ترسخ وظيفة الاعلام و تعزز ثقة الرأي العام بالمعلومات و الآراء , لاسيما و أن الصحفي يُعد المؤرخ الأول للحظة وقوع الحدث , الذي يجب أن يتسم بالمصداقية و ربط وقائع الماضي مع الحدث الآني لعرضه أمام الجمهور , لئلا يقع في جُب التفسيرات و التأويلات المضللة و يصبح مواطناُ واعياُ , يقظاً متفاعلاً , لإدامة الحس النقدي لديه إزاء القضايا التي تمس حياته . إذ أن العاملين في حقل الصحافة و الاعلام مازالوا يواجهون تحدي الحصول على المعلومة الحقيقية لا السطحية المتوفرة غالباً مع إستمرار تكبيل قانون حق الوصول الى المعلومة في أروقة البرلمان منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً , و واقع إعلامي ملوث في ظل ديمقراطية هجينة و عدم وضوح إطار الحرية الذي يحمي الصحفيين اللذين تعرضوا الى إنتهاكات وصفتها جمعية الدفاع عن حرية الصحافة (PFAA) بـ (غير المسبوقة) في تقريرها السنوي لعام 2024 بحق الصحفيين العراقيين فقد وقع 457 إنتهاكاً توزعت بين القتل , الاعتقال , الاحتجاز , التهديد , الاعتداء , إقصاء من العمل , الدعاوى القضائية و منع التغطيات , و كانت تلك الانتهاكات عوامل لتقويض حرية العمل الصحفي و الوصول الى المعلومة لتحقيق مبدأ الحق بالمعرفة التي تسهم في تنوير المتلقي بحقيقة الاحداث و الوقائع التي تحصل في البلد , و كانت أيضاً سبباً في إنتشار الشائعات و فقدان ثقة المواطن بالدولة عند تعاطيها مع الأزمات المحلية و المتغيرات المتسارعة أقليمياً و دولياً .