الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ريش الملائكة.. رواية حافلة الصليب البيضاء لنعيم كرم اللـه


ريش الملائكة.. رواية حافلة الصليب البيضاء لنعيم كرم اللـه

حميد الحريزي

 

عنوان الرواية يبدو مستلاً من متن الرواية ، حيث منح الصليب الأحمر هذه الحافلة ذات اللون الأبيض لتكون خاصة بخدمة فريق رياض حاتم وجماعته ، الذين قرروا بعد سقوط النظام ، أن يقوموا بمسعى متابعة مصير الشهداء، والمفقودين زمن النظام السابق ، وهم بلآلاف من الرجال والنساء والأطفال من مختلف محافظات وقصبات العراق ، ومن ضمنها بعض من أهل مدينته تكريت ، ومن أقربائه، ومن حزبه ، في الشمال ، والجنوب والوسط ، وحتى من المنطقة الغربية،أي إنَّ الديكتاتور كان عادلاً في توزيع عنفه وقسوته وأجرامه ... وقد أختار الروائي هذا العنوان لرواياته كما أرى ، كون الحافلة هي من تحمل  أشخاصا ، يتنقلون من مكان الى آخر، ومن طبيعة الى أخرى ، حسب حاجة الأنسان ورغبته ، وهذه أشارة رمزية الى حال الفريق ومن أحاط به من تنقلات ليست مكانية فقط وأنما تنقلات فكرية ، ومن قناعة الى أخرى ، وهذا هو حالهم كما يسرده الروائي في متن الرواية .

كما أن لون الحافلة الأبيض  يمكن أن يكون ترميزا الى بياض قلوب هؤلاء الفتية ، وطيبتهم ، وأنحيازهم الى انسانيتهم ، والى تعقب مصير رفاقا لهم من معارضي النظام  سواء كانوا من حزبهم وهو هنا (حزب الدعوة الأسلامية) أو غير حزبهم، فهؤلاء الفتية ومنهم رياض حاتم عاشوا سنوات طوال في سجون الفاشية ، وتنقلوا من مختلف السجون والمعتقلات على طول وعرض أرض العراق ... وفي الخاتمة يكون رياض حاتم ضحية الأرهاب حينما يكون أحد ضحايا سيارة متفجرة ، فاستبدل حضن الحافلة البيضاء ، بحضن الكفن الأبيض الذي لف حياته المشبعة بلآلام والعذابات  والخوف  والقسوة ، الكفن الأبيض الذي طوى أحلامه وخيبته المريرة من سلوكيات الكثير ممن كانوا ثواراً ، وعلى وجه الخصوص ممن كانوا خارج البلاد في أوربا وغيرها من مدن المنفى والهجرة ، والذين تم تدجينهم ليكونوا أشباه ريبوتات يتحكم فيها عقل كوني جبار.كما وصفها لهم رفيقهم سعد حميد نقلا عما  رواه له من أطلع على حقيقة أغلب عناصر ماسمي بالمعارض  للنظام في خارج العراق ، ومن أختارهم لحكم العراق بعد سقوط النظام بواسطة القوة الأمريكية الجبارة ومن حالفها .

تصنيف الرواية

يمكننا تصنيف الرواية بالرواية التوثيقية السياسية ، تحمل روح النقد الأجتماعي ، مما يجعلها وثيقة مهمة لما جرى في العراق مابعد سقوط النظام ، وثيقة مهمة لمتابعة التحولات الفكرية والنفسية ، لسلوكيات الناس ممن تصدوا الى النشاط في مختلف الفعاليات المدنية أو السياسية، وكشف الوجوه الحقيقة لمختلف الناس ، كشف كل الأقنعة  الذي  كان يتقنع خلفها أدعياء الوطنية ، والنضال ، ومعادات الديكتاتورية  من كافة وجوهها كالعنف ضد المعارض ، ومبادلة المباديء بالمال ، والترفع على  الناس من رفاقه وغيرهم بعد أن جلس على كرسي الحكم  متناسيا أنَّه يدعي إنماثار لأجلهم ، لتحقيق حقوقهم وكراماتهم ، وتحقيق طموحاتهم ، فهي وثيقة يمكن أن تكون محل دراسة في علم النفس ، وتحولات سلوكيات الثوار في زمن النضال ، وسلوكياتهم بعد أستلام السلطة ، ويبدو أن هذه الرواية هي تكملة ومواصلة  لروايته الأولى(شمال مدينة القصب).التي كانت تحكي حياة المناضلين أو المجاهدين الأسلاميين على وجه الخصوص في السجون والمعتقلات حيث التواضع ، والإيثار، والتضحية بالنفس حفظا على الأسرار ، وحفاظا على حياة رفاق الطريق، وكيف كانت سلوكيات من ظل حيا منهم حتى سقوط النظام الديكتاتوري ،واستلام بعضهم لمناصب مهمة في الحكومة التي رعاها ونصبها المحتل الأمريكي وفصلها على مقاسات أهدافة الآنية والمستقبلية ،الاستغلال، والتدجين ، وتجريف القيم المجتمعية الإيجابية وووو.

وفاء للمباديء ،وفاء لرفاق الدرب:-

بأسلوب سردي جميل ، ولغة متينة ، وذاكرة حية، وقلوب طيبة ملؤها الحب والأخلاص، وحكايات الرفقة والنضال،أحلام لاتنتهي، وطموح وأصرار لايلين ، كل هذا ماثلاً أمام  رياض حاتم ورفاقه الذين تحرروا من الخوف والملاحقة زمن الديكتاورية ، فهم بقية (ريش الملائكة) كما وصفهم الروائي ، هذه النخبة قررت أن تقتفي أثر من عاشوا تحت سياط الفاشية المنهارة ، إقتفاء أثر من غيبهم النظام ، عبر الإذابة بأحواض التيزاب، ومن خلال مثرمة أجساد البشر، والدفن أحياء في المقابر الجماعية ، في أكثر من مكان ومحافظة ، بدلاً من أنْ يزرع الزهور والرياحين زرع البلاد بأجساد الشرفاء والأحرار والمناضلين من نساء وشيوخ وأطفال، وشباب العراق...

قررالشباب في الناصرية أنشاء جمعية  تهتم بجمع الوثائق المتيسرة والمستولى عليها من مقرات الحزب، ودوائر الأمن والاستخبارات والمخابرات ،وكشف المستور من التقارير المرفوعة ضد كل من يشك بولائه للنظام وللقائد الضرورة ، سواء بالقول أو بالفعل ، وحتى بالغمز واللمز حيث يتذاكى أهل الزيتوني، ومن باع نفسه للنظام ليفسره ويؤله كونه ضد النظام ، وبالضدمن القائد الضرورة .

كان لهم ذلك عبر حماس وإصرار ومتابعة رياض حاتم ، وسعد حميد ، وناجي حسين  وغيرهم ، أسسوا نواة هذه الجمعية ، وأختاروا لها مقراً في مركز المدينة ، وقد حضر الناس أفواجاً كل يحكي حكاية من أعدم من أبنائه أو أخوانه ، وأمهات فقدن أزواجهن ، وأبناءهن ، وقلوب حرى ملهوفة لمعرفة مصير من غيب ولم يعرفوا عنه شيئاً لسنوات طوال ، وهم يعيشون أمل اللقاء ...كان يملؤهم الأمل أن من أمسكوا بزمام السلطة ، هم أيضا من ضحايا النظام المقبور، وسيكونون أمناء على وعودهم لرفاق الطريق والأهتمام بكشف مصائرهم ، والأهتمام بعوائلهم .التقت هذه الآمال والأهتمامات مع مجموعة من شباب الكاظمية ، فبادروا على تأسيس جميعية العهد ، العهد الذي قطعوه للشهداء بأن لاينسوا كفاحهم وتضحياتهم الكبيرة من أجل الحرية والرفاه للشعب والسيادة التامة للوطن  الجريح ... فكان مقرهم في دار (سفيان) القصر الفاره على ضفاف  دجلة، وجمع مئات الآلاف من الوثائق والمستمسكات  التي حصلوا عليها من المقرات الأمنية والحزبية ، التي تعاون بعض الرجال والنساء على أرشاد جماعة جمعية العهد على مكان وجودها .

 تمكن رياض وجماعته من مقابلة  رفيق زنزانته جمال الحسيني رئيس جمعية العهد في بغداد، الذي زودهم بكتب التأييد والأختام لشرعنة جمعيتهم في الناصرية ....

كان للبعض آرائه واستنتاجاته وأحكامه الخاصة بالتغير على يد الأمريكان ، فمثلا سعد حميد طلب من  رفاقه في جمعية الناصرية أن يخبرهم بسر خطير قبل أن يغادرهم نهائيا  ويلجأ الى  بلدان الغربة ، وكان له ذلك حيث أذهلهم بما قال، وأسرلهم ، بما أسره له رفاق عاشوا في بلدان أوربا وأطلعوا على حقيقة العناصر الذي جلبها المحتل معه  وسلمها المناصب الهامة في الدولة تحت قيادة بريمر  فقال  مخاطبا رياض وجماعته ( عليك أن تفهم إنَّ الذي تتعامل معهم في قادم الأيام هم أشخاص أصبحوا قوى سلطة جاءت بهم جيوش دول عظمى، كانوا قد لبثوا في دول العالم الغربي أكثر من ثلاثين عاما وذلك زمن يكفي أن يعيد صناعة الأشخاص ويقلب تفكيرهم ، أنَّ المثاليات التي تحلم بها وأفكارك الثورية ستنتهي بك في الآخر معدوما بائساًً،إن لم  أقل توصلك كافة الجنون لهول ماترى وهو ما ستظهر تلك الحقائق) ص40.كما أن سعد حميد كان يرى أنَّ( هيئة أدارة الدولة الجديدة ليست مخلوقات بشرية ، وإنما ربوتات صنعتهم مصانع خاصة وسرية وعالية التكنولوجيا في أمريكا ، على هيئة بشر مثلما كانوا في الواقع قبل أن يجلبوا للسلطة ، أنَّهم نسخ ريبوتية لقادة المعارضة التي تفاهمت معهم أمريكا)  ص 98ممن أختارهم زلماي خليل زاده ، ونصب عليهم بريمر في مجلس الحكم الأنتقالي.ماذكره سعد حميد أورث البلبة بين صفوف أعضاء جمعية العهد في الناصرية ، ومنها قرار سعد بتركهم والتفرغ ليعيش حياته ، عليه أن يتمتع بالحياة ولايظل دوما يعطي فقط ، فلابد أن يأخذ حقه من الحياة ، وهذه الرغبة  بالتأكيد كانت تسكن أدمغة أغلبية الأعضاء وبنسب متفاوتة ، ولكنها قلما تكون ضمن الثوري المثالي المتحمس رياض حاتم ، ولكن البعض جاهر بها حتى إنّ أحدهم حاول أن يبيع الحافلة  البيضاء في سوق الخردة لولا تصدي رياض ومن آزره .القسم لآخر كان يطالب أن يكون له راتب  ومصدر مالي يمول الجمعية وكذلك يسد احتاجاته واحتياجات عائلته ، فقد اقترحوا أخذ رسوم محددة مقابل كتب التأييد التي يزودن بها ذوي الشهداء والمفقودين ، كما قرروا استخدام السيارة للنقل الخارجي والأستفادة من مردودها لهذا الغرض ، فعملوا تصويت على القرار وقد حاز الاغلبية 5 أصوات مقابل صوت واحد معارض هو صوت رياض حاتم وهو القائل:-( أعد العودة للاساليب التي ثرنا عليها خيانة) ص126 ، الذي كان الملام دوما بسبب مثاليته وطهرانيته وثوريته النقية ...

فهو وأمثاله يعمل ويعطي ويضحي دون مقابل ، سعادته أن يكون الناس سعداء، أمنه أن يعيش الناس بأمن وكرامة وسلام ، هذا هو مثال كل ثوري نقي تشبع بالمبادي الإنسانية النبيلة ومثالهم أبو ذر الغفاري الذي تمنى أن الله عندما خلقه أن يخلقه شجرة تعطي الثمر والزهر والظل والعش والحطب وخشب البناء والمنظر الجميل الذي يسر الناظرين، دون منة ودون أي مقابل ... ومثاله جيفارا الذي نذر نفسه لمحاربة الظلم والأستغلال في كل العالم  وتخلى عن كل المناصب والأمتيازات ، وغاندي العظيم وغيرهم من الثوار والمحررين والمصلحين ...

استمر رياض وصحبه التواصل مع جمعية العهد  في بغداد على الرغم من المخاطرالتي تحف بهم من كل جانب من قبل قوى الأجرام من الأرهابيين الذين أرهبوا البغدادين وعموم العراقيين، حيث المفخخات ، ونصب الكمائن والقتل  والخطف والذبح على الهوية...

استمر اللقاء  بجمال الحسيني ورفاقه ، ومنهم طالب الساعدي وهم الأقرب الى رياض حاتم ، كانوا يسمعون بعض المشاحنات وعلو أصوات بين القائمين على تمشية أمور الجمعية دون أن يعرفوا أسباب هذه المشاحنات والخلافات ...

بتوصية من جمال الحسيني الى عبد الوهاب  الحلي ممن لهم مكانةلدى أعضاء ادارة الدولة، تمكن من ترتيب لقاء رياض حاتم بوزير المصادر المائية ، فكان لقاءً مخيبا للآمال حيث كان هذا الفرد مدعياً متباهيا بتاريخه الجهادي في الأهوار ومعاناته في تلك الفترة من حياته ، وهو يسكن قصراً باذخاً في قلب المنطقة الخضراء ، وكأنه يحلم وغيرمصدق ما هو فيه ، فلم يستمع الى رياض حاتم ولم يتفهم مايريده منه ، بل سارع الى الأستجابة الى مكالمة من جهة أعلى تاركاً رياض في حيرة وأحباط ، مستذكراً توصيف  سعد حول هذه الريبوتات المعدة سلفا للحكم والفاقدة لأتخاذ القرار خارج هيمنة الريبوت والعقل الكوني ...

خرج ، متألما ، متحديا الخوف والعقبات ، وقام مع مجموته الذهاب الى المحاويل  لاستكشاف وتوثيق أحد أكبر المقابر الجماعية عبر كربلاء وبعد المنام على رصيف الروضة الحسينية في العراء ،توسدوا الكارتونات كفراش  لعجزهم عن الحصول على مكان منام في الفنادق ...

بعد العودة الى الناصرية ، العودة الى داره في حي الضفاف حيث البؤس والشوارع  المملوءةبالطين والقمامة التي تصرخ صائحة بالظلم ومدى التفاوت الطبقي الباذخ بين هذه الأحياء في كل العراق ومنها الناصرية وما شاهده رياض في المنطقة الخضراء التي تفوق مواصفات حدائقها ونافوراتها وقصورها الباذخة الوصف، التي كان يسكنها صدام وزمرته الحاكمة ، والآن استخلفها وورثها منهم الريبوتات المعدة سلفاً لحكم العراق الذين يتنعمون بالمال والسيارات والمحاطين بأفواج الحمايات مما أنساهم معاناة من أوصلهم الى ماهم عليهم من بذخ العيش وفخامة السكن ، متناسين الجياع  والفقراء والأيتام ، والأكواخ والجباشات التي احتضنتهم وقدمت لهم الأرواح  قبل المال والغذاء  وملاجيء الأختباء طيلة الحكم الفاشي ...مستذكرا ما قاله عنهم سعد حميد، فكان بعد لقاء الرئيس استذكر ما قاله لهم سعد حميد((إن القضية قد طبخت مقدما في مركز التحكم الدماغي، وإن التاريخ والنضال والسجون مجرد خيالات باقية في أذهان، وإنَّ الوضع الجديد هو وضع مقطوع الصلة بالماضي والتاريخ والجهاد، والذي يديره روبوتات نصف بشرية ممسوحة الذاكرة، لاتعبأ بما جرى على هذه البلاد من ويلات وحصار وحروب وأعدامات وجوع وآلام وآمال)) ص168.

على الرغم من كل ذلك ظل رياض حاتم مصراً على مواصلة السعي للأتصال بأهل الحل والعقد في السلطة ليضع أمامهم مطالب ذوي الشهداء والمغيبين وتلبية حاجاتهم المشروعة للعيش بكرامة ...

فقد طلب من عبد الوهاب أن يرتب له لقاء برئيس أدارة الدولة ((ديكارت)) ليطرح عليه هذه الطلبات ، وعلى الرغم من الصعوبة البالغة تمكن عبد الوهاب لدالته الكبيرة وصداقته الوثيقة مع الرئيس أن يرتب لقاء رياض معه ، وكان له ذلك ،وبعد انتظار داخل مكتبه الفخم  سمع لبعض ما يسعى اليه رياض ، استلم ملفه ووعده خيرا ، دون أن يحصل على أي شيء ملموس ، غادر الرئيس وغادر رياض المنطقة الخضراء محاولاً التوجه الى كراج النهضة للعودة الى الناصرية، ولكنه عاد عبارة عن أشلاء مقطعة الأوصال بعد تعرضه الى أنفجار شاحنة مفخخة وهو ينتظر سيارة نقل مقابل المنطقة الخضراء

وبذلك طوى رياض حاتم أحلامه ومشاريعه معه في كفنه  ليرحل الى عالم الصمت عله يجدالراحة والأمان، حالما بالهناء في رياض الجنان

، قبل هذه النهاية المأساوية كان لرياض لقاء وصفه له طالب الساعدي بالمهم والمصيري، وقد تحقق هذا اللقاء ، وذكره طالب الساعدي بما كان يسمعونه من  صراع وخلاف ومشاحنات بين أعضاء الجمعية في الكاظمية ، حيث كان هذا الصراع والتنافس على بيع الوثائق المهمة بصفقات كبيرة من الأموال عبر وسطاء من قبل مرتكبي الجرائم والقتل وكتبة التقاريرمن النظام السابق ،حيث أصبحت مآسي الشهداء والسجناء والمغيبين سوق مزايدة بين المتنافسين للحصول على المزيد من الأموال ، حتى أدت هذه  السلوكيات الى تشظي الجمعية وموتها ، وقد هرب رفيق النضال جمال الحسيني بماحمل من المال والوثائق ليضمن العيش برخاء وهناء في أوروبا !!!

وفعل مثله وما زال يفعل آخرين نفس فعل رياض ، ماعدى طالب الساعدي الذي يعيش فترة من الألم والإحباط ، مما جعل العالم يضيق بعين رياض حاتم ويزيد المه ألما وهماً ، وانَّه سيحاول محاولته الأخيرة بلقاء رئيس إدارة الدولة الروبوت(ديكارت) كما أسماه ، فأن كان مثل غيره ، فسيعود الى الناصرية ويكف عن عمل أي شيء  وقبل أن يكف عن النشاط ، كفت حياته عن الأستمرار بفعل السيارة المفخخة التي انفجرت بالقرب منه وهو ينتظر سيارة أجرة...

هكذا تحترق المباديء، وهكذا تموت شعارات من تغريهم اغراءات السلطة والمال،فتتبخرالثورية،وتموت الأنسانية، وتتغول الأنانية ، فيتنافس مناضلي الأمس على المناصب والمكاسب ، فيكون الخاسر الوحيد هو المتمسك بمبادئه ، المتمسك بشعاراته ، الذي يعيش هموم الناس وينسى نفسه ...

أن من بقي مخلصا لقيمه خارج زمرة الريبوتات يهنئك يارياض أنَّك ذهبت الى دار الآخرة أبيض اليد نظيف الجيب ، نقي الضمير ، وينبئك إنَّ هذه الريبوتات التي تزية بزي علي وأهل بيته ، أعادوا إغتياله من جديد تنكروا لمثله في العدل والزهد ، ليس علويين ، ولا صديقين ، ولا عمريين ، التحقوا بركب بني أمية وبني العباس في الأستئثار بالثروة والعقارات والخدم والجواري والغلمان  والحشم ، في حين رعيتهم تعيش الفقر والبؤس والظلم والظلام ، كنزوا الذهب والفضة ومليارات الدولارات وتنكرروا للغفاري،وأعادوا نفيه ، فما زال الغفاري منفياً، كنزوا المال متناسين قول إمام المتقين وناصر المستضعفين ((ماجمعت ثروة إلا من بخل أو حرام )) و((ما رايت من ثروة موفورة الا من بخل وحرام ))  يباتون متخمين وحولهم فقراء يلتقطون طعامهم من براميل قمامتهم !!

 فصدق الشاعر الثوري المرحوم مظفر النواب حيث قال:-

أنبيك عليا))

ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف

ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف

ما زالت عورة بن العاص معاصرة

وتقبح وجه التاريخ

ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!

ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء,

يؤلب باسم اللات

العصبيات القبلية

ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها

وتراك زعيم السوقية!

لو جئت اليوم

لحاربك الداعون إليك

وسموك شيوعيا))

نخلص من كل ذلك ، أنَّ الروائي ، ما كان يكتب من خيال ، بل يكتب وينقل الى المتلقي وهو العارف جزء من صورة الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن العراقي البسيط من حالة مزرية وفقدان الأمن والأمان ، وفقدان السكن والعيش الكريم ، احيائهم وشوارعهم متربة ، وبيوتهم مظلمة ، ثروتهم استحوذت عليها الطبقة السياسية الحاكمة التي أصبح فسادها يزكم الأنوف ، وجهلها ولامبالاتها بمعناة الشعب تفوق الوصف، وانتشار وتفشي الجريمة المنظمة ، وتغول مافيات السلب والنهب ،وتفشي المخدرات والفساد الأخلاقي الغير مسبوقة ، أنتشر الدجل والقردنة والثعلبة والنفاق والزيف ، والشواهد لاتحتجاج الى التعريف والتوصيف ليس للعراقي فقط وانما لكل العالم ، وذا كان هذا الحال يؤلم الإنسان العراقي البسيط والغير متحزب ، فأنها تؤلم بعشرات الأضعاف الانسان المناضل الذي عاش أصناف القهر والتعذيب والحرمان ، ناهيك من ضحى بحياته من أجل أن يحضى بحكم العدل والمساواة...

عاش وضحى حالم بمستقبل أفضل واذا هو يرى رفاق الطريق (ريبوتات ) تتحكم بها إرادات العقل الكوني الذي برمجها لتخدم مصالحه ، متناسية كل الوعود والعهود  حينما كانت خارج السلطة .

نقول إنَّ الروائي كتب روايته  بصدق وألم ومعاناة  إنعكست على جمال العبارة ونضارة المفردة التي تشع بالصدق والمبدئية ، فأتت حبكة منسوجة نسجاً متيناً رصيناً بخيوط  معاناة المناضل  المبدئي  الصادق وغير المنافق ، متمثلا  أخلاق ومباديء رموزه الذي ضربت مثلا عظيما في الزهد والإيثار  والعدل  وأحبت لغيرها كما أحبت لنفسها ، لابل أحبت لغيرها وحرمت نفسها من المتعة بالمال والأكل والنساء والقصور ، فهكذا كان علي و أبو ذر وعمار وغيرهم  من الزهاد والمؤمنين بالله واليوم الأخر من مختلف المذاهب ، والأحزاب في الماضي والحاضر... المؤلم أن يسقط المناضل من مختلف التوجهات الفكرية  سواء كانت دينية أو يسارية  في فخ الكرسي ومغريات المال وأبهة السلطة  وتناس القيم ، وقد سقط الكثير من المناضلين في هذا الأمتحان حينما صار حاكماً ومسؤلاً ومتحكماً في حياة وثروات الشعب ...

فكان الروائي نعيم كرم الله أديباً صاحب رسالة أنسانية نبيلة ، وربما سارفي طريق موحش ولكنه طريق الحق والعدل، فأحترمه المتلقي الواعي ورفع له القبعة القلم

 ولسنا مبالغين حينما نقول أنَّ مثل هذه النماذج الثورية النقية  الماسكة بمبادئها النبيلة كالماسك بالجمر، هي ليست ريش للملائكة ، وإنما هي أرواح الملائكة التي سكنت أجساد البشر

 

(حافلة الصليب البيضاء) الرواية الثانية ، للاستاذ نعيم كرم الله الصادرة عن دار سطور عام 2024، المكونة من 205 صفحة

 


مشاهدات 169
الكاتب حميد الحريزي
أضيف 2025/01/24 - 11:50 PM
آخر تحديث 2025/01/27 - 11:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 350 الشهر 13020 الكلي 10292985
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير