الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حكايات في حياة محمد غني حكمت

بواسطة azzaman

أذن وعين

حكايات في حياة محمد غني حكمت

عبد اللطيف السعدون

سألت شيخ النحاتين العراقيين الراحل محمد غني حكمت عمن كان له الأثر الكبير في تنشئته الفنية أجاب: أبي وجواد سليم.

عندما كان محمد غني طالبا في المتوسطة قام بصنع تمثال على شكل نافورة بتكليف من أسرة أحد أصدقائه، وفيما كان منهمكا في عمله في غرفته الخاصة في منزله، والتي تطل على الشارع من خلال نافذة عريضة طرق سمعه صراخ رجل: «الصوج مو من عندك، الصوج من اللي ينطيك خبز ويعيشك، هذا عملك حرام.. حرام»!

ألقى حكمت النظر عبر النافذة فوجد شيخا يرتدي العمامة، وهو يواصل تقريعه وتأنيبه، فأدرك على الفور أنه المقصود بذلك فلجأ مسرعا الى أبيه الذي كان في صحن الدار وأبلغه بالأمر، سارع الأب الى الخروج ليلتقي بالشيخ، وقال له: «شيخنا، أنا أبوه لهذا الطفل، وهذا العمل اللي يقوم به ليش تعتبره حرام؟.. ثم أنت صاعد على دكة بيت الجيران حتى تنظر الى داخل بيوت الناس، هذا مو حرام؟»، وهكذا انصرف الشيخ خجلا!

تنظيم ألبوم

يعقب حكمت على الواقعة في أن ما جرى يكشف عن مساندة والده له الذي كان له الأثر في توجهه نحو فن النحت.

وماذا عن جواد سليم؟

يقول حكمت: « في السنة الثالثة من دراستي في معهد الفنون عين جواد سليم مدرسا للنحت، وكان قادما للتو من انجلترا، ومنذ الساعة الأولى شرع يسأل طلابه عما أنتجوه، وكنت انا شخصيا قد نظمت «ألبوما» بأعمالي، وعندما اطلع عليه أعجب به، ولاحظ عندي تميزا على أقراني.

من هنا نشأت بيني وبينه علاقة التلميذ بأستاذه، وأصبحت أزوره باستمرار في بيت أهله بمنطقة الوزيرية حيث كان يشاركهم السكن فيه مع زوجته لورنا، ثم انتقل الى سكن خاص به يقع خلف النادي الأولمبي في الأعظمية، ومن المفارقات ان كان يجيء مثلي الى المعهد على دراجة هوائية، ويحدث عندما ينهي دوام المعهد ان يمتطي كل منا دراجته لنسير في طريق واحد حتى نصل من الكسرة الى ساحة عنتر، ثم يودع أحدنا الآخر حيث يذهب جواد الى بيته فيما أعبر أنا جسر الأعظمية الى الكاظمية.

توثقت صلتي بجواد سليم أكثر حين بدا يدعوني الى بيته عندما يستضيف بعض الفنانين من أصدقائه، وكنت استمع الى نقاشاتهم وحواراتهم باهتمام، وكثيرا ما استمعت في تلك الجلسات الى جواد سليم وهو يعزف على القيثارة، وكان عازفا ماهرا، ولديه مجموعة من الاسطوانات الموسيقية اضافة الى مجموعة نادرة من كتب النحت جلبها معه من لندن، كنت استغل وجودي في منزله لأقرا فيها، وقد أصبحنا أقرب الى صديقين جمعت بيننا ألفة ومودة، واستمرت علاقتنا الى أن توفي رحمه الله، وكانت علاقتي به عاملا آخر في توجهي النهائي نحو النحت وانصرافي له كليا

نصب الحرية

سألت حكمت: «قيل ان جواد سليم توفي قبل ان يكمل «نصب الحرية»، وأنت قمت بإنجاز العمل الباقي

أجاب: «لم يكن الأمر كذلك أبدا، الحقيقة أن الفنان الراحل جواد سليم عندما جاء الى روما للعمل على انجاز نصب الحرية كنت أنا هناك، وقد استقبلته واحتفيت به كأستاذ وصديق، وعند وصوله لم يعثر على تخطيطات النصب التي جلبها معه من بغداد اذ يبدو أنها فقدت في مكان ما، عندها فكر في أن يجسد فكرته عن النصب من قطع الطين الاصطناعي، وذلك في مشغلي الصغير الذي كنت أنشأته هناك، وشرع يقيم من الطين تصميمه المصغر للجدارية، وقد اختارني مساعدا له لأنه اراد ان يكون التمثال بأيد عراقية خالصة، وكان ان سافرنا، جواد وأنا، الى فلورنسا للبحث عن مكان يتسع لمساحة النصب الذي نقوم بنحته، وبعد بحث مضن عثرنا على مشغل قديم لنحات من القرن التاسع عشر قمنا بتحضيره للعمل، وتغليف جدرانه بالخشب، وهنا بدأ جواد في عمل النموذج المصغر ثم عملنا «القالب» المطلوب، وكان واجبي أن أحوله الى تمثال أكبر من الطين على امتداد مساحة الجدار الخشبي، وعندما أنجزت ذلك عاد هو ليضع اللمسات الاخيرة للتمثال، ويصحح مواطن الضعف فيه حسبما يراه مناسبا، ومتفقا مع النموذج الذي صممه بنفسه.

وهكذا بقينا نعمل بنفس الوتيرة ليل نهار الى أن أنجزنا النصب المطلوب

والى الأسبوع القادم.

 


مشاهدات 170
الكاتب عبد اللطيف السعدون
أضيف 2024/04/27 - 1:54 AM
آخر تحديث 2024/05/07 - 6:36 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 301 الشهر 2724 الكلي 9140762
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/5/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير