الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مبادرة الحزام والطريق.. الماهية والأبعاد الإستراتيجية

بواسطة azzaman

مبادرة الحزام والطريق.. الماهية والأبعاد الإستراتيجية

 

احمد سامي المعموري

اسعد كاظم شبيب

 

تعد مبادرة الحزام والطريق احدى اهم الأسس الاستراتيجية التي تبنتها الصين في العقد الأخير من هذا القرن في الاطر الهادفة الى التعاون الإنساني الاستراتيجي المشترك مع العالم كجزء من نظرية استراتيجية متكاملة سميت بـ(المستقبل المشترك للبشرية) كونها تمثل حسب العمق الاستراتيجي الصيني الممارسة الحية لبناء مجتمع السعيد المشترك للبشرية، وبذلك اثيرت التساؤلات في الفترة الأخيرة حول بيان معالم واهداف وابعاد المبادرة، من هنا نحاول في هذا المقال دراسة مبادرة الحزام والطريق من النواحي الاتية:

طريق الحرير

اولاً: مبادرة الحزام والطريق: الماهية والمفهوم

سميت مبادرة الحزام والطريق بعدة أسماء  منها(حزام واحد، طريق واحد)، كما تعرف أيضًا بـ (طريق الحرير الجديد)، وهي مبادرة صينية قامت على أنقاض (طريق الحرير) الذي ظهر مع بدايات القرن التاسع عشر، وكان يهدف الى  ربط الصين كدولة ذات ارث حضاري عريق، وناهضة اقتصادياً في الحقبة الراهنة مع العالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية ومع تفوق الصين محلياً وعالمياً في العقد الأخير من هذا القرن وبالتحديد مع بداية عقد التسعينيات من القرن الـ20 الماضي، عبر ما عُرف بـ(الجسر البري الأوروبي ـــ الآسيوي) الذي يصل بين الصين، وكازاخستان، ومنغوليا، وروسيا، ويصل إلى ألمانيا عبر سكك حديدية، واقترحت الصين من جديد مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 بقصد تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات، وبعد ذلك تم دمج المبادرة في دستور جمهورية الصين الشعبية في عام 2017 كمحاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل أكثر إشراقًا، وقد حددت الصين تاريخ الانتهاء المستهدف من هذا المشروع في العام 2049 والذي سيتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.  وتشير ماهية مبادرة الحزام والطريق بمخططات استراتيجية تنطوي على ابعاد كثيرة منها: قيام شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط وصولاً إلى تركيا، فيما يشير توزيع آليات تنفيذ المبادرة واصنافها على مختلف الطرق: فعلى مستوى الطريق البحري المستلهم من رحلة بحرية قام بها الأدميرال «زينغ هه»، الذي أبحر بأسطول من السفن إلى أفريقيا في القرن الخامس عشر، ويعد رمزاً لأصالة القوة البحرية الصينية التي تحاول توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا، وأوروبا، وإفريقيا وبالتالي فان المبادرة على مستوى الطريق البحري تركز على بناء روابط بين الموانئ الرئيسية، ومن الممرات البحرية المقترحة ممر يربط الموانئ الصينية بالمحيط الهادئ عبر بحر الصين الجنوبي، وأخر يربط الموانئ الصينية بأوروبا.

وعلى مستوى تشييد شبكات السكك الحديدية تتضمن المبادرة كذلك تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز، وخطوط طاقة كهربائية، وإنترنت، وبنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال الصين بالقارة الأوروبية والإفريقية. وعلى مستوى الطريق البري تشمل المبادرة بناء ممر جديد يصل آسيا بأوروبا، ويترافق ذلك مع تطوير ممرات اقتصادية تربط الدول الآسيوية بأوروبا، ومن الممرات البرية المقترحة، ممر الشمال، من الصين إلى آسيا الوسطى، ثم إلى روسيا فأوروبا وصولاً إلى بحر البلطيق، وممر بري من الصين إلى الخليج العربي والبحر المتوسط، عبر وسط وغرب آسيا. وممر ثالث من الصين إلى جنوب وشرق آسيا، ومن ثم جنوب آسيا، وصولا إلى المحيط الهندي، وبحسب مصادر رسمية فان الطريق البري من المبادرة يشمل 6 ممرات هي: الجسر البري الأوراسي الجديد الذي يمتد من غربي الصين إلى روسيا الغربية، وممر «الصين – مونغوليا – روسيا» الذي يمتد من شمالي الصين إلى الشرق الروسي، وممر «الصين – آسيا الوسطى – آسيا الغربية» الذي يمتد من غربي الصين إلى تركيا، وممر «الصين – شبه جزيرة الهند الصينية» الذي يمتد من جنوبي الصين إلى سنغافورة، وممر «الصين – باكستان» الذي يمتد من جنوب غربي الصين إلى باكستان، وممر «بنغلاديش – الصين – الهند – ميانمار» الذي يمتد من جنوبي الصين إلى الهند. يأتي ذلك في ظل رصد الصين موازنة مالية هي الاضخم في تاريخ الصين المالي والاقتصادي اذ تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتمويل ضخم للمبادرة يشمل 100 مليار يوان إضافية (14.5 مليار دولار) للصندوق، و380 مليار يوان قروضا من بنكين كبيرين، و60 مليار يوان مساعدات للدول النامية، والمؤسسات الدولية في دول طريق الحرير الجديد، كما سيشجع الرئيس الصيني المؤسسات المالية على التوسع بأنشطة التمويل باليوان في الخارج بما يصل إلى 300 مليار يوان.

ثانياً: الابعاد الاستراتيجية لمبادرة الحزام والطريق

في ضوء ماهية ودلالة وحتى الرمزية التي تنطوي عليها مبادرة الحزام والطريق كاستراتيجية تعتمد على أسس نظرية وفلسفية واقتصادية ومالية واستثمارية فان هذه المبادرة تضمنت ابعاداً استراتيجية عديدة حسب التصورات الصينية المعاصرة فهناك خمسة مجالات تمت الإشارة إليها للدفع بالمبادرة هي:

1.التنسيق السياسي.

2.ترابط المرافق.

3.التجارة دون عوائق.

4.التكامل المالي.

5.الروابط الشعبية.

 وترى الصين إن التعاون في بناء «الحزام والطريق» بجودة عالية يشكل ممارسة حية لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، ومن دلائل ذلك في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اتجهت الصين بالانفتاح صوب دول العالم ومن ذلك الدول العربية المصنفة كحليفه للولايات المتحدة الامريكية حيث شاركت كل من مصر، والإمارات، والسعودية، وإيران، والعراق، وفلسطين، والجزائر، وتونس وغيرها من 20 دولة الشرق الأوسط في الدورة الثالثة لمنتدى «الحزام والطريق» للتعاون الدولي بحضور عالي المستوى، الأمر الذي انعكس على حماسة دول الشرق الأوسط الكبيرة للمشاركة في بناء «الحزام والطريق»، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من ذات العام، وقعت الصين مذكرة تفاهم بشأن «الحزام والطريق» مع الأردن، ما يعني توقيع الصين على وثائق التعاون بشأن «الحزام والطريق» مع جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية. كما قامت في 2023 الشركات الصينية ببناء الهيكل الرئيسي لأول برج فائق الارتفاع في مشروع مدينة العلمين الجديدة بمصر، وإنجاز الأعمال الميكانيكية لمشروع (محطة حلفايا) لمعالجة الغاز الطبيعي في العراق إضافة الى حديث متداول عن مشاريع وطرق وما الى ذلك ولا يخلو حديث اطراف المشهد السياسي العراقي من قوى وأحزاب عن تداخلات وصراعات ما بين القوى الكبرى في الهيمنة والاستحواذ والسيطرة بشتى الطرق ومنها القوى الناعمة التي تعد العناصر الاقتصادي والاستثمارية من اعمدتها، وتسليم مشروع الطريق الدائري السابع في الكويت، وإنجاز الطريق السيار بالجزائر، ويعد كل ذلك من النتائج الهامة للتعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في بناء «الحزام والطريق»، والتجسيد الحي لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

بنية تحتية

 عموماً حدد مراقبون اهم الابعاد الاستراتيجية التي تنطوي عليها مبادرة الطريق والحزم أهمها: انها تسد مواطن النقص والقصور في البنية التحتية والسياسات في الاقتصادات الواقعة على امتداد ممرات الحزام والطريق التجارة والاستثمار الأجنبي، وقد يساعد توفير مرافق جديدة للبنية التحتية على سد هذه الثغرات، ولكن الأمر باهظ التكلفة - والاستثمارات تحدث في سياق تزايد الديون العامة، وتذهب التقديرات إلى أن حجم التجارة في الاقتصادات الواقعة على امتداد ممرات المبادرة يقل 30 بالمئة عن إمكاناته، وأن الاستثمار الأجنبي المباشر يقل 70 بالمئة عن قدراته الكامنة، وان مشروعات النقل في إطار مبادرة الحزام والطريق يُمكن أن تؤدي إلى توسيع التجارة وزيادة الاستثمارات الأجنبية وتقليص الفقر وذلك عن طريق خفض تكاليف التجارة. وبالنسبة لبعض البلدان فإن تكاليف مرافق البنية التحتية الجديدة قد تفوق المكاسب، وتشير التقارير إذا تم تنفيذ مبادرة الحزام والطريق تنفيذاً كاملاً فإن مشروعات النقل في إطار المبادرة قد تؤدي إلى تعزيز التجارة بنسبة تتراوح بين 1.7 بالمئة و6.2 بالمئة على مستوى العالم، وزيادة الدخل الحقيقي عالمياً بنسبة من 0.7 بالمئة إلى 2.9 بالمئة. كما ان إجراء إصلاحات تكميلية للسياسات قد يساعد على تعظيم الآثار الإيجابية لمشروعات النقل في إطار المبادرة، وضمان أن يتم تقاسم المكاسب على نطاق واسع، وبالنسبة لبعض البلدان، سيكون من الضروري إجراء إصلاحات حتى تجني مكاسب صافية من مشروعات النقل في إطار المبادرة، ويمكن أن يزيد الدخل الحقيقي للاقتصادات الواقعة على امتداد ممرات المبادرة بمقدار مثلين إلى أربعة أمثال إذا نفَّذت إصلاحات لتقليص التأخيرات على الحدود وتخفيف القيود التجارية.

وأخيراً لابد من الإشارة الى ان مبادرة الحزام والطرق هي وان كانت استراتيجية صينية تبنتها الحكومة الصينية بصورة رسمية وتروج لها كجزء من فلسفتها في إدارة الدولة ورويتها للنظام الدولي الجديد فان المبادرة لا تخلو من الملاحظات اذ يرى البعض ان المبادرة ضخمت بصورة لا تتلاءم مع إمكانياتها او تحقيق أهدافها، في حين يرى البعض الاخر ان مبادرة الحزام والطريق لا تخلو من أدوار جديدة للهيمنة والنفوذ او هي وسيلة جديدة في صعود الصين على حسابات الخصوم الدوليين التقليدين مثل الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الصاعدة من اسيا واوربا، وان مشروعات البنية التحتية للنقل على سبيل المثال في إطار المبادرة قد تؤدي إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 0.3 بالمئة على مستوى العالم، وبما يصل إلى 7 بالمئة أو أكثر في بعض البلدان مع زيادة الإنتاج في القطاعات ذات المستويات المرتفعة من الانبعاثات، فيما سجل نقاد اخرون في مجال مبادرة الحزام والطريق على مستوى بعض الدول العربية مثل العراق من انها غير واضحة المعالم وهل تستهدف خطط استراتيجية تقوم على مشاريع تنموية مستدامة مثل انشاء ربط سككي ام ان المسالة لا تتعدى إقامة مشاريع خدمية او الاستثمارات ومن ذلك الاستثمارات في مجال الطاقة او بناء المدارس وما الى ذلك.


مشاهدات 95
أضيف 2024/04/19 - 4:06 PM
آخر تحديث 2024/05/02 - 5:21 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 399 الشهر 812 الكلي 9138850
الوقت الآن
الخميس 2024/5/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير