الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أَلدينا هويّة

بواسطة azzaman

أَلدينا هويّة

علي حجارة  

 

يبدو السؤال ساذجًا، وهو أقرب لأن يكون غامضًا، بل مُلتبسًا إن شئنا الدقة، فهل تقصد بالهوية ما يتعلق بالمسحة الدينية لمجتمع ما، أم هو السمة القومية لفئة من الفئات، أم هو الانتماء ضمن بقعة جغرافية، أم هو كل ما سبق في ظل جواز سفر؟ نعم الأمر متشابك حقًا، وهو من اللزوجة الفكرية بمكان مايجعلك تدرأ عن ذهنك محاولة تفكيكه.. ومع ذلك، ورغم هذا التعقيد، لنقُل ( بوجه من العموم ) إن الهوية هي كل ما سبق تحت راية دولة ما، إن شئنا القول بأنك عراقي ( على سبيل المثال لا الحصر ) فستذوب كل الصفات آنفة الذكر في بوتقة الوطن، وستندرج كل أثنياتك وعقائدك وانتماءاتك في طابور انتظار حصتك من النفط .. مثلًا .. مثلًا .. والأمثال تضرب ولاتُقاس ...!!.

الهويّة في العصر الحديث هي معيار مُهلهل بصعود الرأسمالية الحديثة التي لاتعترف بالجذور ولا حتى بسيادة الدول، فالنفع منك يحدد هويتك واختصاصك الدقيق ومدى تأقلمه مع التغيير المتسارع في العالم هو ما يُمثلك بغض النظر عن جذورك، من ذا الذي كان يُصدق أن يُصبح رئيس الوزراء البريطاني من أصول هندية؟ ومن كان يتخيل أن تقود مُحامية من أصول عراقية حملة ترامب الانتخابية حتى الفوز برئاسة أمريكا ؟، وكيف نُفسر اليوم اعتماد الشركات الصينية المُنافسة ( وربما المُتسيدة الآن ) على علماء أوروبا وأمريكا في تحديد هويتها الاقتصادية المُقبلة... لو شئنا تبسيط الأمور لقلنا بأن الهوية الآن تلتصق بمفهوم المواطنة لدولة ما، وهي إثر ذلك ضعيفة القوام أمام الانفجار السلعي الذي ينخر سيادة الدول رغم كل الادعاءات التي يحاول السياسيون تمريرها، ولا جديد أو مستحدث في هذا الكلام، لكن الغريب الذي يستدعي المقال هو المحاولة المستمرة لتقديم ماضينا ( كعادة الدول العربية بشكل عام ) على أنه الهويّة الحقيقية التي يمكن الاتكاء عليها لتقديم ما يشفع لنا لأن نواكب الحدث .. هذا يستدعي الضحك حقًا، وشر البلية ما يُضحك !! ... الماضي هو الماضي .. وليس لنا معه سوى الأمثلة الحسنة عن أفراد أو جماعات آمنت بالتغيير، لكن هذه القصص في النهاية تؤمن لك ثقافة غنية وإرثًا يُمكن الاعتزاز به ، لكن أن تُقدم لك هويّة تواكب عصرك، أنا أشك بذلك حقًا، هل يجب علينا دومًا أن ننظر إلى الأجداد لا إلى الأبناء ؟، أم هل يجب علينا أن نتغاضى عن كوننا نمتلك هويتين أحدهما ترتبط بالدولة الحديثة والنظام القديم ( الذي لم نعِ انتهاءه ما أن سيطرت الشركات العالمية على سياسات الدول )، والثانية التي ترتبط بماضينا بوصفها قناعًا براقًا يُخفي تشوهًا في مواكبة التطور ؟، وعدا ذلك فنحن في وضع لانمتلك فيه أدوات صنع هويتنا الحقيقية التي يُمكن بها خلق كيان مُنافس، إذ يغلب التقليد على الابتكار، ويغلب الاتباع على الوعي الذاتي، وكلما مر الزمن اتسعت الهوة بين شعوبنا وبين هوية العالم الحديث الذي يضع معايير التنافس بوصفها العامل الحاسم في وضع حدود الأمان للأجيال المقبلة..

 ما الحل ؟ .. لنبدأ أولًا بوضع أسس حديثة للبحث العلمي، ومن ثم التنازل عن بعض أوجه العزة بالإثم المعنية بنظام المؤسسات القديم، مع محاولة فهم الآخر ولو على سبيل فتح صفحة جديدة دون نسيان رغباته في التوسع وفرض ثقافته، هذه بداية بديهية بسيطة لما يُمكن أن يتحول إلى صناعة هويّة حديثة لاتنتمي سوى إلى لغة العصر الحديث .. لغة التنافس والبقاء على قيد الحياة ...

 

 


مشاهدات 132
الكاتب علي حجارة  
أضيف 2024/12/28 - 3:02 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 4:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 380 الشهر 10315 الكلي 10200280
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير