الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عراق في ظل الهوية الضائعة

بواسطة azzaman

عراق في ظل الهوية الضائعة

 قتيبة آل غصيبة

 

كانت أحدى اهداف الغزو والاحتلال الامريكي للعراق هو تدمير هويته الوطنية ، من خلال إدارة حكمه بأجندات طائفية وعرقية كرستها مواد الدستور الذي اضاع هوية العراقيين الوطنية واصبح عبئا ثقيلا على الشعب العراقي ،بعد ان اكتشف مافيه من ألغام وعوائق تمنع تقدمه واستعادة مكانته كقوة اقليمية فاعلة بالمنطقة . عموما فإن الهوية الوطنية تمثل الرئة التي تتنفس منها الشعوب والمجتمعات عبق الاستقرار والتقدم  .  وإن  الهوية الوطنية في كل أمّة تشمل الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، "إنها تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى، من خلال التشابه بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة", فإن ما يجمع الشعب  او الامريكي او الهندي ، وما كان عليه العراق سابقا ،هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ  مشترك،  يعيشون ضمن دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعوبا متميزة رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى.  وان العناصر .

التي يمكنها بلورة الهوية الوطنية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب في: "الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح ،والمصير المشترك." وقد عبر عنها الكاتب اللبناني (امين معلوف) في كتابه (الهويات القاتلة)، الذي عاش مأساة الحرب الاهلية في لبنان  .

مناطق منفصلة

"والتي استمرت  خمسة عشر عاما ،من عام 1975إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 120ألف شخص"،عندما قال : (الهوية لا تتجزأ ابدا ولاتتوزع انصافا او اثلاثا او مناطق منفصلة. ) . ان الهوية الوطنية تمثل البوابة الرئيسية للسلم الامن المجتمعي ، فغياب الهوية الوطنية سيؤدي الى تحديات خطيرة ،تشمل  التفكك العرقي والمذهبي الذي  يقسم الدولة إلى طوائف دينية وسياسية تجعل من المجتمع مجموعة من الجزر المنعزلة والكانتونات، متعددة الاهداف الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية والتي تتقاطع في أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها السياسية ، ويرفع من سقف طموحات كل فئة في نيل أكبر قدر من الكعكة الثقافية والاجتماعية والسياسية، هذا إن لم يكن حلم السيطرة على الدولة من بدايتها هو الشاغل الأساسي لها ، ويكون العنف والقتل حاضرا فيها، بين ابناء الشعب الواحد ، فكما قال عالم الاقتصاد( أماريتا سن ) الحائز على جائزة نوبل،في كتابه (الهوية والعنف -وهم المصير الحتمي ) : " إن فرض هوية فريدة زعما، هو غالبا أحد المكونات الحاسمة من -الفن القتالي- لإثارة المواجهات الطائفية.....إن الاحقاد الطائفية يمكن ان تنتشر كالنار في الهشيم ،كما رأينا اخيرا في كوسوفو والبوسنة ورواندا ....واماكن كثيرة اخرى في انحاء العالم ،ومع التحريض المناسب يمكن ان يتحول وعي متعمق منذ النشأة بهوية مشتركة مع جماعة من الناس الى سلاح قوي يوجه بوحشية ضد جماعة أخرى ، والواقع ان كثيرا من النزاعات والاعمال الوحشية في العالم تتغذى على وهم هوية متفردة لا اختيار فيها ،وإن فن بناء الكراهية يأخذ شكل إثارة القوى السحرية لهوية تزعم لنفسها السيادة والهيمنة تحجب بموجبها كل الانتماءات الاخرى " .

لقد عاش العراق منذ ان احتله الامريكان لوعات ومصائب الاقتتال الطائفي واشاعة الكراهية والعنف بين مكوناته ، بدفـــــــع ودعم فكري ومالي واعلامي وعســــــــكري من قبل المحتل الامريكي والصهاينة،

بمساعدة دول الجوار التي تعادي العراق ولا تريد له الخير والاستقرار والتقدم ،فقد استخدمت هذه القوى المعادية الورقة الطائفية بصورتها الناعمة بدهاء وخبث ،بغية احكام السيطرة على كافة مفاصل الدولة ،التي للاسف اصبحت عاجزة عن النهوض بالبلد والوصول به الى شاطئ الامان ،في ظل حكومات طائفية وعرقية وفئوية يبحث قادتها عن مصالحهم الشخصية والفئوية بعيدا كل البعد عن الهوية الوطنية ،فالعراق في ظل غياب هويته الوطنية سيبقى ضعيفا ممزقا ، وعلى اي حكومة تدعي لنفسها حب  العراق والاخلاص له ان تضع نصب أعينها استعادة الهوية الوطنية للشعب العراقي، إنها  حلبة الصراع الحقيقية بين العراق وأعدائه .

وأن تسعى بالتعاون مع كل المؤسسات الدينية والسياسية والاجتماعية والاعلامية للحد من الخطاب الطاىفي والعرقي وتجريم مثيريها في كافة المحافل الرسميــــــة والشعبية  ،والقضاء على النزاعات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة ، فالحل يكمن في دولة قوية متماسكة ،لأن الشعب بدونها يستمر في حالة حرب ونزاع متزايد ،  فمصير الامم كما عبر عنه (اينشتاين) " هو بلا شك في يد الحكام السياسيين " ، وكما قالت العرب " الناس على دين ملوكهم،"  فإذا صَلُح الحاكم صَلُحت الرعية وإذا فسد الحاكم فسدت الرعية ، وبخلاف ما تم ذكره فسيبقى العراق مشتتا غارقا بالفوضى والفساد  ...والله المستعان.


مشاهدات 473
أضيف 2022/09/25 - 3:52 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 11:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 20 الشهر 8009 الكلي 9370081
الوقت الآن
الجمعة 2024/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير