كتاب جديد لصلاح عبد الرزاق.. دراسات في التراث الفكري للصدر الاول
بغداد - الزمان
صدر حديثاً للدكتور صلاح عبد الرزاق كتاب عن التراث الفكري للشهيد السيد محمد باقر الصدر.
جاء في المقدمة:
أربعون عاماً مرت على شهادة المفكر والفيلسوف والمرجع السيد محمد باقر الصدر حدثت خلالها تطورات في الفكر الإسلامي وتغييرات جوهرية في السياسة الدولية والاقليمية. وبرزت قوى جديدة ناهضة، وأسدل الستار على دول نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لكنها اضمحلت مع سقوط جدار برلين عام 1989 . وخلال أربعة عقود ، أقيمت مؤتمرات وندوات ، وصدرت دراسات ومؤلفات وأطروحات أكاديمية خصصت لمناقشة فكر الصدر وما تركه من نتاجات شملت التاريخ والسيرة والفقه والاقتصاد والفلسفة. ولا ينكر ما بذلت من جهود من باحثين ومختصين في حقول علمية معينة لنقد الفكر الصدري ، لكن ساد الساحة الفكرية والثقافية جو التقديس والتمجيد ليهيمن على أغلب الكتابات . كما غلب جو الشهادة والجانب السياسي ومواجهة النظام البعثي كثير من كتابات أنصاره وطلابه ومحبيه. ولا يعني ذلك التقليل من قيمتها لكن النقد ومناقشة أفكاره وتراثه بشكل علمي وموضوعي هو من يجعل الفكر الصدري حاضراً في المؤتمرات والندوات والأطروحات الجامعية ، ولا يخبو بمرور الزمن ، أو يعتليه النسيان.
مجلات فكرية
هذا الكتاب يمثل مجموعة من الدراسات التي نشرت في فترات زمنية مختلفة في المجلات والدوريات الفكرية . وقد طُلب مني أن تكون لي مساهمة في كتاب عن السيد محمد باقر الصدر ، فلبيت بحماسة وسرور. فللسيد الشهيد فضل عليّ من خلال ما تعلمته من أفكاره ونتاجاته في كل المجالات. كما أحمل له ذكريات شخصية في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. يتناول الفصل الأول ظروف استشهاد السيد الصدر ، والأحداث التي سبقته خلال عقد من السنوات ، والاعدامات التي نفذها نظام البعث بحق قادة من حزب الدعوة أو متظاهرين في الزيارات الدينية. كما سلط الضوء على الأسابيع الأخيرة من حياته الشريفة وإطلاقه ثلاث نداءات بصوته موجهة إلى الشعب العراقي بكل أطيافه. كما يتابع مفاوضات الساعات الأخيرة والشروط التي عرضتها السلطة مقابل الافراج عنه لكنه رفض مفضلاً التضحية بدمه وروحه على أن يتنازل عن قضيته ومبادئه.
أما الفصل الثاني فيسلط الضوء على قضايا التأسيس الفقهي السياسي التي وضعها السيد الصدر عام 1961 ? وتتعلق بمفردات ومفاهيم سياسية إسلامية ترتبط بالدولة وانواعها، وشكل الحكم وأقسامه حيث يختار (الشكل الشوري للحكم)، والفرق بين أحكام الشريعة والتعاليم أو القوانين، وكيفية تعيين الجهاز القضائي، والسياسة الخارجية للدولة الاسلامية. كما كشف السيد الصدر عن شرعية العمل الحزبي الذي كان يواجه معارضة بين صفوف الفقهاء والعلماء، ولماذا سمى الحزب الذي أسسه باسم حزب الدعوة الاسلامية ، ولم يختر اسماً وطنياً أو عصرياً. ويتناول الفصل قضايا معينة مثلاً طبيعة القيادة الحزبية وتشكيلاتها التخصصية، وتقليد المرجعية في صفوف المنتمين للحزب وشروطه وأولوياته. ويتناول الفصل الثالث المشاريع المتوقفة التي تركها الصدر ، ووضع لبناتها وأسسها فيها، ورسم بصمته عليها وهي الفتاوى الواضحة والتفسير الموضوع للقرآن ومؤسسة المرجعية الرشيدة. هذا المشاريع الرائدة توقفت عن العمل والنمو بعد غياب الصدر عن الحياة، عدا محاولات هنا وهناك انسجمت مع الأطروحتين الأوليين. أما الثالثة فطواها النسيان كلياً ، ولم تناقش بعده في أية حوزة علمية.
ويناقش الفصل الرابع دور الأمة في فكر الصدر ، معرجاً على تغييب الأمة في التراث الاسلامي والتنظيرات الشرعية التي قدمها فقهاء البلاط ، الذين حصروا البيعة في شخص واحد كما فعل الأشعري والايجي، أو أخذ السلطة بالشوكة كما فعل الغزالي الذي شرع (أيديولوجية السلطة) و (أيديولوجية الطاعة) ، وتم إبعاد الأمة كلياً عن أي دور تقرير مصيرها أو المشاركة في الحكم واختيار الحاكم . ويمر الفصل بقضية تقديس المتأخرين للتراث الاسلامي دون تمحيص أو مناقشة. ويتناول الفصل دور الأمة لدى الفقهاء المعاصرين أمثال النائيني الذي قام بتأصيل فقهي لدولة إسلامية دستورية وبرلمان منتخب فيه عضوية لغير المسلمين. ويتناول الفصل منطلقات الصدر في نظرية الحكم ، ونظرية الاستخلاف في محاولته لتأصيل نظرية الحكم في الدولة الاسلامية معتمداً أسس البناء العقائدي والحرية ليصل إلى الايمان بنظرية ولاية الفقيه عندما اعتبر (المرجعية امتداداً للنبي (ص) والامام (ع) في خط الشهادة والمراقبة على التجربة الانسانية). وينتقل بذلك من نظرية الشورى التي نظّر لها في بداية ستينيات القرن العشرين، إلى نظرية ولاية الفقيه في نهاية السبعينيات من القرن نفسه.
نشوء الدولة
أما الفصل الخامس فيناقش نظرية الصدر في نشوء الدولة حيث يرى أن الدولة ظاهرة ربانية قام بها الأنبياء. ويرفض الصدر النظريات الأخرى التي سبقه بها فلاسفة من أفلاطون وأرسطو وشيشرون ولوك وروسو وهوبس وبوسويه وحتى ماركس. يناقش الكاتب المفاهيم الأساسية التي اعتمدها الصدر مثل مرحلة الفطرة الانسانية ومرحلة الاختلاف بين البشر، ليصل إلى أن الدولة ظاهرة إنسانية وجدت في تاريخ سواء كانوا الأنبياء أو لم يكونوا. وأن الأنبياء بعثوا إلى أمم فيها دول وحكومات وقوانين وتشكيلات إدارية وعسكرية وقوانين ومعابد وضرائب وكل مفردات الحضارة. وأن الأنبياء عانوا من تلك الدول ومن الفراعنة والنمرود وغيرهم، وأن الأنبياء الحاكمين لا تتجاوز نسبتهم 12% من عدد الأنبياء الذي ذكرهم القرآن الكريم.
ويسلط الكاتب الضوء على أن الدولة النبوية دولة وراثية يحكمها ملوك أو بالقوة والانقلاب حسب النص القرآني، وأن الأنبياء التزموا بقوانين وعادات دولهم ومجتمعاتهم كالرق والعبودية ونكاح الجواري وحرمانهم من الحقوق المدنية والحرية الشخصية. وفي الختام يستنتج الكاتب أن نظرية الدولة النبوية تفتقد للأدلة التاريخية والقرآنية على السواء.
أما الفصل السادس فيناقش موضوعة الديمقراطية وكيف تناولها المفكرون الاسلاميون ، والموائمة بين الاسلام والديمقراطية ، والجهود التي بذلت لتأصيل الديمقراطية فقهياً. وكيف تم الأخذ بفكرة أن الديمقراطية هي مجرد آلية لتداول السلطة سلمياً وليست أيديولوجية تعارض الاسلام والعقيدة والشريعة. وأن أدوات الديمقراطية تنسجم مع المبادئ الاسلامية كحرية التعبير والتعددية الحزبية والحياة النيابية والانتخابات ومراقبة البرلمان للحكومة ودور الأكثرية في اتخاذ القرار واحترام حريات وحقوق الأقليات.
قواعد فقهية
وناقش الكاتب المبررات والقواعد الفقهية التي اعتمدها الفقهاء بالمشاركة في السلطة في نظام علماني كالمصلحة الاسلامية، الضرورات تبيح المحظورات، الأحكام الثانوية، لا يترك الميسور بالمعسور، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، جواز العمل مع حكام الجور، التعددية عقد صلح، ثم موقف المرجعية من النظام السياسي في العراق.
ويتابع الفصل السابع تطور الفكر السياسي لدى الاسلاميين ، وتأثره بتغيّر الزمان والمكان والتكيف مع البيئة والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ثم يعرج على نتاجات أشهر المفكرين الاسلاميين الذين أسهموا في نضج الفكر السياسي الاسلامي أمثال السيد جمال الدين الأفغاني الذي حارب الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي، وأفكار فقهاء ثورة المشروطة التي دعت إلى تدوين دستور وتشكيل مجلس شورى منتخب يسن القوانين ويراقب عمل الحكومة، والشيخ عبد الرحمن الكواكبي الذي واجه الاستبداد الشرقي وطبائعه في البلدان الاسلامية ، ونظرية الشيخ محمد حسين النائيني وجهوده لتأصيل فقهي لحكومة إسلامية وأهم أفكاره الريادية التي دعا إليها، ودور مرجعية النجف في تأسيس الدولة العراقية ومواجهة الخطط البريطانية لتتكلل بتأسيس أو دولة عراقية حديثة، تضم دستور وبرلمان منتخب ، ودور السيد الصدر في تأسيس فقهي لأول دستور إسلامي وانتقاله من نظرية الشورى إلى ولاية الفقيه، مروراً بتجربة إيران وجمهورية ولاية الفقيه وصلاحياته والمؤسسات الدستورية وأهمها مجلس الشورى والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. ويختتم الفصل بعرض نظرية السيد علي السيستاني في ترسيخ الديمقراطية في العراق من خلال إعلانه مانفيستو يتضمن أهم أفكاره ومواقف تجاه مسائل حيوية وخلافية بين الفقهاء مثل شرعية الديمقراطية ، مبدأ ولاية الأمة ، الشعب مصدر السلطات، وشرعية الدستور.
ويراجع الفصل الثامن الخطاب الاسلامي ، وأهم مفرداته كنقد الذات ، وتعامل الاسلاميين مع الديمقراطية وما توفره من أجواء الحرية والعمل لهم. وخاتمة الكتاب ملحق لذكرياتي الشخصية مع السيد الشهيد الصدر ، حيث تحدثت عن لقاءات ومراسلاتي معه في السبعينيات من القرن العشرين.