هواز يجمع في فرقة أنكيدو بين الفلكلور والحداثة المجتمعية:
الموسيقى لا تحتاج إلى مترجم لأنها تنطوي على أحاسيس عميقة
رياض محسن المحمداوي
تأثر الفن الشعبي العراقي على مر تاريخه بالحروب والثورات والتغيرات السياسية. بعد ان كانت بغداد مركز اشعاع وقبلة العالم في العلم والادب والفن لعدة قرون. لكنها عانت على أيدي الغزاة المغول في القرن الثالث الهجري وفقدت الكثير من علومها وعلمائها وفنونها. الا انها ازدهرت بثقافاتها مرة اخرى خلال فترات أخرى في القرن السادس عشر فترة الحكم العثماني كمركزًاشعاع للشعر والادب والفنون حتى القرن العشرين. الذي شهد إحياءً للفنون الشعبية خاصةً في بغداد والبصرة والموصل.وقد حظى الفن والفنانون بتقدير كبير في الشرق الأوسط كذلك احترام دولي كبير. وكان لحركة الفن العراقي الحديث تأثير كبير في الفن القومي العربي عمومًا.
لكنها تاثرت بالظروف السياسية والحروب حتى الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق . فقد تعرض الكثير من الاثار والتراث الفني العراقي للنهب والتدمير خلال هذه الفترات المضطربة من تاريخ العراق الحديث. والتي حالت بعدم توثيق الصورة الكاملة للفنون العراقية بسبب حقيقة أن العديد من فناني القرن العشرين ومؤرخي الفن تعرضوا للنفي والانعزال والحد من نشاطاتهم.ومن اهم ثقافات الشعب العراقي التي تاثرت بهذه الاحداث هي الفنون الشعبية بكل أشكالها التي تعزر الهوية الثقافية وعلاقة الفرد ببيئته والتمسك بالموروث الذي تم تناقله بالممارسات الشفهية المتوارثة. فقد كانت فترة السبعينيات حتى تسعينيات القرن الماضي والتي تعتبر الفترة الذهبية بالدعم الحكومي للثقافة والفنون والتي ساهمت في ازدهارهما واهمها الاهتمام بالتراث والموروث والمتمثلة بفرقة التراث الموسيقي العراقي بقيادة الموسيقار الراحل منير بشير. والفرقة القومية للفنون الشعبية وفرقة البصرة للفنون الشعبية التي ساهمتا في نشر التراث والموروث العراقي عبر المشاركات المميزة داخل وخارج العراق. حتى اصبحتا من اهم الفرق العالمية التي حصدن اكبر الجوائز العالمية القيمة. لكن سرعان ماانتكست هذه المؤسسات الفنية الكبيرة بعد خضوعها للحصار الثقافي المفروض على العراق حتى الاحتلال الامريكي الغاشم عام 2003 ولحد الان. بغياب الدعم والاهتمام الذي يجعل من هذه المؤسسات الثفافية والفنية بالاستمرار بتقديم الجديد الذي يمثل تراثنا الغني. فتجمد كل شيء كما هو اليوم الاول للحصار والاحتلال. رغم ان المبدع العراقي لم بتوقف عن النشاط الا انه بشكل محدود وشخصي وهذا لا يرتقي لحد الطموح. ومن هذه النشاطات الشخصية التي ظهرت هنا وهناك سواء داخل وخارج العراق والتي شكلت واجهات ثقافية تراثية عراقية الا انها لاتزال بحاجة للخبرات بغياب الدعم الحكومي المادي والمعنوي ليواكب التطورات العالمية الحديثة التي تليق بسمعة الموروث العراقي وتاريخه. ومن هذه الفرق التي تشكلت في المنفى.. (فرقة انگيدو للفنون الشعببة العراقية) هذه الفرقة الفتية التي قدمت منجزأ ابداعي رائع مستوحى من التراث والفلكلور العراقي الاصيل جلبت لها الانظار. والتي اسسها الفنان المغترب مهند هواز وبجهود شخصية. بعد ان قدمت هذه الفرقة الصغيرة المبدعة العديد من الوحات الفلكلورية وبالوان الطيف العراقي والتي غابت طويلا عن المسارح العالمية. وقد شكل هذا الغياب الثقافي للفرق الفلكلورية العراقية فراغ اثر في نسيان الموروث والتاريخ الحضاري للشعب العراقي.
اسرار وخفايا
فقد تم تأسيس فرقة انكيدو للرقص الفلكلوري الشعبي العراقي عام 2010 اسسها هواز وبجهود شخصية مع ثمانية من الفتيات السويديات في حيث يعيش هذا الشاب مهند بمنفاه. والذي احب هذا النوع من الفنون وبحث عن اسرار وخفايا الفن الشعبي العراقي بمساعدة مختصين بالرقص الشعبي العراقي. وقد نجح في تاسيس هذه الفرقة وتدريب عضواتها على فن الرقص .وشاركت الفرقة بحفلات ومهرجانات محلية في السويد بعدها تعددت مشاركات فرقة انگيدو الى دول اوربية وغربية وتطورت قدراتها وخبراتها في عالم الفن الشعبي واصبح لها حضور وجمهور يشجعها ويتابع اعمالهم .مما جعلهم يشاركون في عدة مهرجانات حول العالم وقد نجحوا في استقطاب جمهور واسع في اوربا وامريكا وقد زارو اكثر من (45) بلدا حول العالم كانوا قد ابهروا الجمهور من خلال ماقدموه من فن شعبي فلكلوري عراقي اصيل يمثل الوان الطيف العراقي.
لقد استطاعت ارادة الفنان الشاب مهند ان تحقق حلمه بتاسيس فرقة استعراضية تعنى بالفلكلور العراقي. وقد اطلق عليها اسم انگيدو الذي ذكر اسمه في ملحمة الملك السومري گلكامش . وقد اصبحت هذه الفرقة مشهورة في اوربا .وقد اختيرت فرقته (أنكيدو) من قبل وزارة الثقافة العراقية لتمثيل العراق ضمن برنامج اليوم الوطني في منظمة اليونسكو بباريس مع فرقة التراث الوطنية العراقية بقيادة المايسترو علاء مجيد ومشاركة الموسيقار نصير شمة.وبهذه المشاركة كان العراق قد عاد لعضويته في هذه المنظمة العالمية بعد انقطاع طويل. وكان قد شاركت هذه الفرقة بهذا الحدث الكبير وقد حصدت فرقة انكيدو العشرات من الجوائز والتكريمات في مشاركات دولية. والجميل ان قبل كل مشاركة لهذه الفرقة تسبقها محاضرة للجمهور والاعلام عن الموروث والفلكلور العراقي المستوحى من حضارات العراق عبر التاريخ. يقدمها مؤسس الفرقة الفنان مهند هواز مصحوبة بالافلام الوثائقية والصور للتعريف عن حضارات العراق وتراثه وثقافاته لشعوب العالم اجمع. وقد كان لـ(الزمان) حديثآ مع مؤسس فرقة انكيدو للفنون الشعبية العراقية مهند هواز لنتعرف عن كثب عن هذه الفرقة وسر نجاحاتها وماتصبو اليه مستقبلا.
□ متى كانت بداياتك مع فن الرقص ومتى راودتك فكرة تاسيس فرقة راقصة تعنى بالموروث الشعبي العراقي؟
- بدأت رحلتي مع فن الرقص منذ أيام الطفولة بمدينتي الموصل. حيث شاركت في النشاطات المدرسية. وبعدها انضممت إلى فرقة الموصل للفنون الشــعبية ثم إلى الفرق الكرديـــــــــــة الشـعبية. وعندمـا انتقلت إلى بغداد التحقت بالفرقة الوطنية للفنون الشعبية لفترة قصيرة جدا قبل أن تفرض عليّ ظروف العراق السياسية والحرب الهجرة إلى القاهرة. فالتحقت بمدرسة الرقص الحديث التابعة لدار الأوبرا المصرية تحت إشراف أستاذي الفنان وليد عوني الذي كان له تأثير كبير في توجيهي نحو الاحتراف بفن الرقص الحديث.كذلك تشرفت بالتدرب على يد مجموعة من الأساتذة الذين تركوا بصمة في حياتي الفنية، منهم أحمد الجميلي وهناء عبد الله، يسن طه ياسين وا عادل العيبي . وفي عام 2007، انتقلت إلى مملكة السويد وبدأت بتعلم اللغة والاندماج في المجتمع الجديد. ثم التحقت بمدرسة الرقص المسرحي للفن الحديث لاستكمال دراستي. وبعد تخرجي شعرت بضرورة تأسيس فرقة تعنى بالحفاظ على التراث الشعبي العراقي الذي أراه مهددًا بالاندثار. وأيضًآ تقديم صورة جمالية عن الثقافات المجتمعية العراقية عبر الفن التعبيري الشعبي ومشاركة هذه الصورة مع العالم الغربي.
* كيف استطعت ان تجعل من فتيات اوربيات ان يحسسن بالايقاعات والموسيقى العراقية ويتقن الرقص العراقي بهذه البراعة؟
: اعترف ان نقل الإحساس بالإيقاعات والموسيقى العراقية إلى فتيات أوروبيات لم يكن أمرًا سهلاً في البداية، لكنه يعتمد بشكل أساسي على الجمع بين الفهم العميق للتراث والتقنيات الحديثة في تعليم الرقص. الموسيقى العراقية تحمل في طياتها أحاسيس عميقة وجميلة. فهي لا تحتاج إلى مترجم لأنها تخاطب الروح مباشرة. ومن هنا أرتكز في تدريباتي على جعل الموسيقى وسيلة للتواصل، بحيث تصل إلى الراقصات بشكل سلس . ولا تقتصر فقط على شرح الحركات والإيقاعات. بل على سرد قصص من التراث العراقي والتي ساعدتني في فهمهم خلفية كل لوحة. وتقديمها بطريقة تجعل الفتيات تتحفيز مشاعرهن مع الموسيقى فيترجمنها إلى حركات راقصة مما يجعل العملية سلسة وفعالة. وفي النهاية، لا تكون الحركات مجرد أداء، بل انعكاسًا لتلك المشاعر التي تحركها الموسيقى .
: انت تجمع بين الفلكلور العراقي والحداثة المجتمعية وهذه سابقة في الفنون الشعبية العراقية .. هل كان هذا الاسلوب في العمل احد اسباب سر نجاحك في لوحاتك التي قدمتها الفرقة ؟
: ان الجمع بين الفلكلور والحداثة هو محور رئيسي في عمل فرقة انگيدو. والمستوحاة من التراث الشعبي العراقي. وان أسلوب العمل الذي أعتمده هو أحد الأسباب الرئيسية وراء نجاح العروض التي قدمتها فرقة انگيدو. فالجمع بين الفلكلور والحداثة مع التركيزعلى الحكايات الإنسانية والتجارب الثقافية يسهم في خلق تجارب فريدة للجمهور. فانا أعمل على تطوير كل عرض بشكل يعكس تطور السرد ويجسد القصص العميقة التي يحملها التراث. وأستخدامي للتصميم مثل الملابس والديكور لتقديم صورة متكاملة عن الموروث العراقي الغني بالالوان الطيف. وايضآ اعتمد أسلوب التجريب والابتكار مما يمنح الفرقة القدرة على تقديم عروض جديدة وممتعة في كل مرة ويحقق تفاعلًا إيجابيًا من الجمهور.
:* كيف تغلبت على التحديات من خلال تنظيمك لورشات عمل تدريبية للفرقة ؟
: ان إحدى التحديات الكبرى التي أواجهها حتى يومنا هذا هي مسألة الدعم المالي. كل ما ترونه من أزياء وموسيقى وفرقة هو بتمويل شخصي، فأنا لا أتلقى أي دعم خارجي. أود أن أوجه الشكر والتقدير لزملائي الذين ساعدوني على مر السنين، مثل الموسيقار الكبير سليم سالم، الذي قام بتأليف موسيقى خاصة لفرقة إنكيدو، وصديقي المصمم الأول في دارالأزياء العراقية، سيف العبيدي، الذي دعمني شخصيًا بتصميم الأزياء. بالإضافة إلى عملي كمدرس للرقص في أكثر من دولة، حيث أقدم محاضرات وأعمل على الترويج لبلدي الأم، العراق . لكن مع ازدياد شهرة الفرقة واتساع نطاق عملها، أصبح الأمر أصعب إذ يتطلب دعمًا أكبر للحفاظ على المستوى المطلوب وتطوير العمل .
* متى يخاف مهند .. ومتى لايخاف؟
: ان طموحي يتجاوز الخوف؛ لأنني أؤمن برسالتي وأعلم أن ما أقدمه مهم للحفاظ على تراثنا ونقله للأجيال القادمة وللعالم. ولكني أخاف عندما أشعر أنني قد لا أتمكن من تقديم الأفضل لفني ولبلدي.واخاف عندما أواجه تحديات تتعلق بالدعم المالي أو اللوجستي . كما أنني أخاف من أن لا أكون قادرًا على الاستمرار في الحفاظ على فرقة إنكيدو وتطويرها كما ينبغي بسبب نقص الموارد والإمكانيات. لكن في المقابل، لا أخاف عندما أعمل مع فريقي على تقديم صورة متكاملة وجميلة عن التراث على المسرح أو أمام الجمهور وأرى تفاعل الجمهور.و هذا المزج بين الخوف والطموح هو ما يدفعني دائمًا إلى التقدم، والعمل بجد رغم كل التحديات.
: اصوات عدة تتسائل لماذا لم تشرك راقصين رجال في فرقتك؟
: أتمنى استقطاب الشباب للانضمام إلى الفرقة فمن الضروري أن يكون هناك تمثيل للرجال في الفرقة . لكون ذلك يمنح الصورة المكتملة عن الفلكلور العراقي . لكن هذا الأمر ليس سهلًا في الوضع الحالي.. لكوني أواجه تحديات مرتبطة بقلة الدعم المادي لذلك لايشكل هذا العمل محط اهتمام من قبل الشباب لكون هذا لايؤمن لهم مردود مادي يساعدهم على العيش. لذلك ركزت في أعمالي على العمل مع النساء لكون للمرأة دورًا أساسيًا وكبيرًا في اللوحات الفلكلورية وأوصله للجمهورالغربي لتقديم صورة جديدة تُظهر قوة دورالمراءة الحيوي في المجتمع العراقي . فانا ارحب ان كان هنالك شباب يريدون الانظمام للفرقة وهم متفهمين الوضع العام.
* قبل اكثر من 40 عاماً قامت خبيرة الرقص والفن الشعبي الروسية ( قمر خانم) مع خبراء الفن الشعبي العراقي وقد نجحوا في اكتشافات شعبية كعادات وتقاليد ومهن شعبية وفلكلورية غنية انتجت العديد من اللوحات الفلكلورية بطاقات شابة قدمتها الفرقة القومية للفنون الشعبية العراقية بابهى الصور وحصدت انفس الجوائز العالمية.هل تعتقد آن الاوان في اعادة هيكلة الفنون الشعبية العراقية واسلوب واكسرسايز حديث يظم طاقات شابة جديدة من كلا الجنسين تعتمد الخبرات دولية ووطنية كما في السابق بدعم حكومي يعيد نشاط الفن الشعبي العراقي في المحافل الدولية.
: مؤخراً تلقيت دعوة من وزارة الثقافة العراقية لاستضافة مسح ميداني استمر لمدة شهر كامل حيث قمت بزيارة مناطق من زاخو إلى الفاو. واخرها زيارتي لمدينة البصرة الفيحاء والتي تمتاز بخصوصية كبيرة وقد تلقيت دعمًا كبيرًا من شخصيات فنية بارزة مثل خبيرة الفن الشعبي البصري ثورة والفنان سعد اليابس الذي ساعداني كثيرًا في إجراء هذا المسح. وثقت الكثير من العناصر الشعبية الرائعة التي ساعدتني على دراسة الفلكلور العراقي بطريقة جديدة. وأنا فخور بأنني أقوم اليوم بالمسح الثاني. بعد المسح الاول قبل 50 عامآ. وقد قمت بإنتاج فيلم قصير من هذه الرحلةعرض في مبنى اليونسكو خلال احتفال اليوم الوطني العراقي في باريس. وهذه التجربة تمنحني القدرة على تقديم عروض تبرز جمال التنوع الثقافي العراقي .
: ماهو الحلم الذي تتمنى ان يتحقق للفن الشعبي والتراث العراقي وكيف هو دورك في ان يصبح الحلم حقيقة؟
: حلمي هو أن أرى الفنون الشعبية العراقية تتألق على الساحة العالمية وأن تعيد مكانتها الدولية كما كانت . وإنني أؤمن بأن التراث الثقافي العراقي غني ويحتوي على ثروة هائلة من الجمال والإبداع يعكس ثقافاتنا وتاريخنا وهو جزء لا يتجزأ من الهوية العراقية. وان دوري في تحقيق هذا الحلم يكمن في العمل الدؤوب على توثيق الفنون الشعبية ونقلها إلى الأجيال الجديدة. وتقديمها ضمن مهرجانات وفعاليات دولية. كما أهدف إلى تعزيز التعاون مع الفنانين والمبدعين من مختلف الخلفيات الثقافية وإيجاد منصات اوسع لهذا الفن الجميل.