ما بعد العام 2003، كان كثير من العراقيين قد نزحوا إلى سوريا، طلبا للأمان والطمأنينة، اذ كانت الشام واحة مريحة لكل من يعاني الغربة في موطنه، وازدهرت فيها أعمال تجارة وايجار العقارات. وفي المساء، تفتح مراكز اللهو والمتعة أبوابها حتى الفجر، في أحد الملاهي الليلية كان هناك شاب يحجز له مقعدا قرب المسرح، تتحلق حول مائدته مجموعة من الفتيات الجميلات من مختلف الجنسيات، والشاب كريم معهن بالإنفاق، وهو زبون دائم ومعروف في هذا الملهى. وعندما يتقدم الليل يزداد كرم هذا الشاب ويفتح المزيد من قناني المشروبات الكحولية من الأنواع غالية الثمن، وفي كل مرة يرفع كأسه ليشرب نخباً ترفع معه الحسناوات كؤوسهن، ويصيح الشاب بصوت عال:
” بصحة إبراهيم”. وتردد معه المتحلقات حول منضدته بصوت عال واحد “بصحة إبراهيم» حتى أن بعضهن لايجيدن اللغة العربية جيدا فتطلع العبارة (في سحة ابرام). هذا التصرف الذي كان يتكرر كل ليلة حتى جذب انتباه شلة من الشباب العراقيين، وقال احدهم:
” يا جماعة هذا الشاب الظاهر عراقي من ربعنا وقد قتلني بترديده عبارة بصحة إبراهيم دعوني أذهب لأسلم عليه واعرف سر إبراهيم هذا هل هو مناضل عربي أم مقاوم عتيد للاحتلال في بلدنا أم ماذا؟”
وصل الرجل إلى منضدة الشاب وسلم عليه بلهجة عراقية، نهض الشاب مرحبا بالضيف العراقي قائلا أهلا وسهلا اخي؛ وكالعادة في جلسات اللهو وتعاطي الكحول تم العناق والاحضان والقبلات الرباعية المزدوجة، وتفضل أسترح معنا، اعتذر الرجل عن التطفل والازعاج في هذه اللحظات الرومانسية، أجاب الشاب؛ أبدا أبدا ولا يهمك بالعكس أنا سعيد بلقاء عراقي بالغربة.
قال الرجل عرفت من صوتك ولهجتك أنك عراقي فأحببت أن أسلم عليك وأحييك.
ازداد ترحيب الشاب واصراره على جلوس الضيف معهم.
قال الرجل: “أشكرك عزيزي جدا، ولكن رفاقي كانوا جالسين معي هاهنا وارسلوني لتحيتك ولي معك رجاء ارجو أن يلقى لديك قبولا”.
أجاب الشاب:” أبشر اخوية كم تحتاج من النقود” وأخرج من جيبه رزمة دولارات.
الرجل قبّل الشاب وشكره على شهامته العالية، قائلا:
” أبدا أبدا أنا طلبي فقط السؤال هو من هذا إبراهيم الذي تصيح باسمه وتشرب نخبه كل حين؟”
ضحك الشاب كثيرا، وقال:
” ابراهيم هذا أبي رحمه الله، وأنا لا افتأ اذكره وأذكر بخله الشديد علينا، حيث أن اخوتي وأمي قاسينا ألوانا من العذاب والجوع بسبب شحّه وبخله، وكان يمتلك دورا وعقارات لم نعرف بها إلا قبل وفاته بساعات، حتى أن والدتي توفيت قبله بسنوات بسبب المرض وعدم انفاقه على علاجها، وأنا الآن اصرف بكل اتجاه وعلى المشروب وفتيات الليل انتقاما منه ومن بخله، وأشعر بسعادة بالغة في ذلك.”
ليس لك من مالك إلا ما أكلت، وليس لك منه إلا ما لبست وأفنيت، ولا يفيدك من مالك إلا ما أنفقته في إطعام أهل بيتك، والأيتام والمساكين والمحتاجين، وإلا سوف يكون ما جمعت من مال حسرة عليك، وينفق من بعدك في دور الملاهي، وشرب النخوب بصحة إبراهيم، وأبي إبراهيم.